الخطابة السياسية والخواء / ابو داوود

 ابو داوودأتساءل في قرارة نفسي -أحيانا- عندما استمع الي احد سياسيينا وهويلقي كلمة او يقرأ خطابا فأقول: اهو خير من الآخرين ام انه افصح واحذق منهم و أذكي ، ام انه حاز المنصب فقط لانه اشد نفاقا و محاباة وتمثيلا؟ 

كل او جل سياسيينا لا يكادون يفقهون حديثا ولا هم يبينون، يظهرون كالاميين وهم يخطبون، يتلعثمون كالأطفال وهم يقراون تلك الخطابات التي كُتبت لهم، والتي راجعوها و مُرِّنوا علي إلقائها مرارا وتكرارا... فهل لنا ان نعتبر ذلك مؤشرا للجهل والغباء ؟ ام انه استهزاء بالشعب الذي هو المعني الأول والأخير  بتلك الخطابات،؟   ظني ان السياسيين في بلادنا لا يخاطبون الشعب بقدر ما يعرشون لأنفسهم بيوتا هشة من النفاق، إنها بروتوكولات يكتسب منها السياسي دليلا علي انه أنجز عملا واخبر به الشعب الذي وثق فيه وصوت له في الانتخابات ؛ وهو هراء أراد منه صورا له لتنشر في الصحافة وعناوين تمجده.. والمصيبة انك إذا كنت مهتما وتريد ان تعرف مقاصد الخطاب - لأنك امرؤ مهتم بأخبار وطنه - فانك لن تفلح، وستتحيّر في معرفة السبب: اهو خواء في موضوع الخطاب ام ان التكسير في القواعد النحوية، والتعقيد اللفظي - الذي يخلقه مستوي القراءة الضعيف جدا- هو السبب..؟ ومع كل ذلك يظل الناس يصفقون ، يلتفتون الي بعضهم البعض ويهمسون ان قد أجاد الرجل وأفاد، بدل ان يَتمنّـوْا ان تبلعهم الأرض وتشرب عرقهم المنساب من الاحراج، بل حبذوا التصفيق في مقام يتطلب لطم الوجوه وضرب الصدور.. عجيب أمرنا القابٌ وأسماءٌ مستعارة. لا نعيش أيامنا ولا حياتنا، وإنما نزاحم كل متخصص في تخصصة، نأخذ من الجرّاح امواسه ونظاراته الخاصة، ومن الفيلسوف لسانه وأسلوبه في السؤال والجواب، ومن الغني كبرياءه وخيلاءه، ومن المدير سيارته وهزّ مفاتيحه في كل حفل ومجون، ومن السياسي دبلوماسيته وخبرته في تزوير الحقيقة وتنميق الكذب، نجيب عن السؤال وهو موجه لغيرنا. والطامة الكبري اننا نلبس دراعة الفقيه فنُحلّـل ونُحـرّم من جانب، ونرسم الجداول لنغير بها القدر وننزل المطر، من جانب آخر. وكأننا نعيش حياة قوم آخرين لا يحبهم الله ولا هم يحبون الله. نجتمع علي الضلالة ونأكل لحوم بعضنا البعض، فننقسم فئات فئات ، وكأننا طيور لا يقع بعضها الا علي بعضه المتشابه معه، فرقتنا السياسة وأهلها، وجمعتنا التقاليد البائدة والتصرفات المتخلفة، والعادات الغريبة العجيبة. ومع ذلك فاننا لا نزال  نكابر ولا نثابر، العذر انيسُنا، والشكوي نديمنا، ولكننا لا نعلم  ان الأعذار والشكاوى لا تباع ولا تشتري، وإنما هي كالحجارة مرمية في الطريق، والمجد والعلا هما ما يتطلب الجهد ولا يحوزهما الا العِصامي الجلد، الذي يبذل من وقته، ويفهم الكد.   أجسامنا مترهلة من الجري وراء المال المسروق لأننا نحبذ المجّان ولو بمنّ واذي، وعيوننا غائرة من السهر والمجون والاستماع الي الثرثرة والقصص الغريبة الكاذبة ، قلوبنا قاسية لكثرة الكلام فيما لا يعنينا. يتخلي الشباب عن الدراسة ويقعد من غير عمل  فنشجعهم علي البطالة، ونسميها التكافل الاجتماعي. اننالا ندرك أحيانا  انه لن ننجح حتي نتخلي عن انتظار العون من غيرنا، ولن نتغير الا  اذا غيرنا انفسنا بانفسنا، ولن ننال شييا في الطاهر حتي ندرب عليه انفسنا في الباطن،.السماء لا تمطر ذهبا ، والله جعل لنا الأرض ذلولا لنمشي في مناكبها ونأكل من رزقه.. أيعقل ان الطيور التي تغدو خماصا وتروح بطانا هي أنبل منا، وهذه أمة النمل لنا عبرة إذا كنا بالبشر لا نعتبر او نتعظ.  ننتظر الحل السحري من حكوماتنا النائمة اللاهية بِعَـدّ ما سرقت من أموال الوطن، وافقرت من أرامل وأمهات، لماذا لا يَخْطُبنا احدهم ويشرح لنا - ولو بلغة ركيكة- اين دخلت أموال البلاد؟ اين الذهب والماس  والبترول؟، اين هو حديدنا الذي هو رمز فخرنا وأول مواردنا علي الإطلاق، اين هو ونحن نملك ثلثي مخزون العالم العربي منه ؟ ليخطبنا احدهم وليشرح لنا من اين اكتسبوا أموالهم الطائلة ، ودورهم الشاهقة، وسياراتهم الفارهة، وساعاتهم الغالية، اين الشجاع منهم ليقول: انهم يبيتون بطانا يشخرون ولا يعلمون عنا ولا عن جُـوعنا شيئا، اين الخطاب الصادق المجلجل الذي يهز الأركان ؟، ويحفز الناس علي البناء والعمل المخلص من اجل هذا الوطن، اين الصدق في القول، والتنفيذ بالفعل،؟ اين القواد الذين يبذلون أعمارهم من اجل وطنهم، اين  الامراء الذين يؤثرونه علي انفسهم وحاجاتهم؟ إذا حوي الخطاب هذا النوع من الهمم، وهذا الصنف من الرجال،  فإننا عندها سنفهمه و سنستوعبه و نَحُوزه علي عِـلاّته، ولكن هيهات ان يفعلها احدهم. فيا له من ضياع للوقت وهدر للعمر، اذا كنا ننتظر مثل تلك الخطابات. إذا لم ننتفض،  فما علينا الا النوم وشرب كأس من الشاي في هذه الدار وتلك، حتي تغرب الشمس دون ان نعرف اين المبيت... اعلموايا ابناء جلدتي انه لا حل لكم الا تحديد أهدافكم، ورسم برنامجكم بأنفسكم فرادي وجماعات، ثم العمل علي الوصول الي الهدف دون الالتفات الي المعوقات. ما تحتاجونه هُوَ معرفة شروط الوصول الي الهدف، وبعد ذلك  التركيز عليه والبدء في العمل ، وتاكدوا انه ما خاب من بذل الجهد وصبر. فمن غير تحديد الهدف والبحث عن المحفزات لتحقيقه ، اوقاتكم ضائعة واعماركم مهدورة، فهلموا وشمروا عن السواعد لتستمر عجلة البلاد في الدوران فقد توقفت منذ زمن ، وتحتاج الاستمرار والحركة منكم و بجهودكم. 

30. مارس 2013 - 12:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا