الحركية الحضرية لمدينة انواكشوط / محمد فؤاد براده

عرفت مدينة انواكشوط منذ سنة 1960 تطورا حضريا سريعا ادى إلى تغير جذري لفضائها الحضري.

ففي سنة 1955 كانت ساكنة المدينة تقدر بـِ:2000 نسمة ثم وصلت إلى : 134700 نسمة في سنة 1977 و ( 420000)في سنة 1990 وتطور العدد إلى 610000 نسمة سنة 2000،وحسب آخر التقديرات فإن هذه الساكنة تناهز المليون نسمة.

هذه الوضعية نجمت في بداية الستينات عن رغبة الدولة في تعمير العاصمة الفتية،الشيء الذي تولد عنه انتشار غير مبرمج لآلاف الخيام البالية ـ حول وسط المدينةـ ،مما يعرف محليا باسم " حـَلـَّـة شَـرْويطـَة"، كما زاد من حدة هذه الظاهرة " هجرة السكان من الأرياف إلى العاصمة" بفعل موجات الجفاف التي اجتاحت البلاد في السبعينات و الثمانينيات من القرن المـَاضـِي، هذا المعطى نتج عنه سكن عشوائي في المدينة حيث أن توسع المدينة امتد على طول المحاور الطرقية التي تربط العاصمة بداخل البلاد.

كان لهذا التغير اثره الحاد على الدينامكية الحضرية و مما زاد الطين بلة غياب مخطط للاستصلاح الترابي يأخذ بعين الاعتبار آفاق التوسع المجالي،إذ أنه حتى الآن تتمركز جل الأنشطة الإدارية و التجارية في وسط المدينة.

كما أن السياسة المنتهجة حاليا لإعادة تأهيل الأحياء العشوائية تعتبر حسب المنطق الاقتصادي مكلفة، إذ أنها تنهج منهجا أفقيا بدل المنطق العمودي لإعادة التأهيل.

على كل حال المعايير التي وضعت تفتقر كثيرا للمنطق العلمي وحتى الآن معايير الصرف الصحي لم تؤخذ بعين الاعتبار.

ومن الانصاف القول إن الصيانة و الصرف الصحي و دراسة الشبكة الطرقية هي عوامل مؤثرة على الحركية الحضرية و مثالا على ذلك تردي الدينامكية الحضرية في الخريف، الناجمة عن تزايد مستويات المياه الراكدة في الطرق. كما أن أخطاء الماضي تبقى نفسها اخطاء الحاضر.

وفي سياق متصل إن التطرق إلى الدينامكية الحضرية، يحتم التطرق إلى العامل المناخي و تأثيراته على واقع المدينة والأخذ بعين الاعتبار المصادر الطبيعية المحلية، إذ أن الجدل يبقى قائما في إمكانية اعطاء قيمة للموارد التي تعتبر قـَيـِّمـَة وغير متداولة في السوق،رغم وجودها وذلك لما لها من تأثيرات مستقبلية على الأسواق و المدينة وكيانها.

وخير تجسيد لهذا الإشكال هو علاقة الموارد الطبيعية المتمثلة في الشريط الرملي و الساحلي اللذين يحميان المدينة و ما لهذه الحماية من اثر ايجابي على الدينامكية الحضرية.

وفي الاقتصاد البيئي فإن لهذا الشريط قيمة جلية،حيث أن المناخيين يدقون ناقوس الخطر و يقدرون أن عدم حماية هذا الشريط قد يسبب فيضانات تقدر تكلفتها بـِما يناهز50000 مليون دولار.

وفي ما يخص النقل الحضري و مع العلم أنه تم انشاء شركة للنقل العمومي في 28 نوفمبر 2011،فإن مردودية واستمرارية هذه الشركة يبقيان على المحك، إذ تقدر الحاجيات الحالية لساكنة انواكشوط تحديدا ب:150 حافلة مقابل 62 حافلة مستخدمة حاليا،هذه الحافلات لا يمكنها الوصول إلى أغلبية مناطق المدينة نتيجة لضعف الشبكة الطرقية و غياب البنية التحتية الكافية.

باختصار يلزم على الفاعلين التخطيط لمنظومة تمكن من تكييف الشبكة الطرقية و الخطوط المتبعة ودراسة توقيت استخدام هذه الشبكات للاستجابة لمتطلبات الحركية الحضرية للمدينة.

كما تلزم صيانة الطرق ووسائل النقل و تفعيل القوانين المعمول بها كمنع الشاحنات من التنقل نهارا، ولتطبيق هذه الآليات يلزم وضع إستراتجية محلية طويلة الأمد تأخذ على محمل الجد تزايد السكان و التوسع المجالي للمدينة الفتية.

كما يجب أن تكون هذه الإستراتجية نابعة من رؤية واضحة للفاعلين المحليين بما فيهم سكان المقاطعات،مما يستوجب مـَدَ البلديات التسع للمدينة و مجموعتها الحضرية بالموارد البشرية و المالية الأساسية لتجسيد المخططات المنبثقة من الاحتياجات المحلية لكل منطقة من المناطق المترامية للعاصمة وذلك بإعطائهم جميع الصلاحيات المنصوص عليها قانونيا.

وبدون هذا البعد المحلي و الإرادة السياسية الفعلية فإن واقع المدينة الفتية سيبقى مزريا و هو ما قد يترتب عنه زيادة و تأزم وتعقيد هذا الواقع.

·       جزء من ورقة فنية و علمية ألقيت في المؤتمر الدولي للحركية الحضرية.

( أديسابابا 25 أكتوبر 2012 )    

30. مارس 2013 - 13:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا