الشرطة مهما كانت نواقصها، جزء من مرافق الدولة وأدوات تطبيقها للقانون.
لكن في زمن عزيز بحجة محاربة ما يعثر عليه من حالات الاسترقاق، أصبحت مفوضية لكصر(1) في سوكوجيم، كثيرا ما تقع تحت طائلة الحصار من قبل بعض عناصر " إيرا" بحجة فرض تطبيق القانون.
ويقول النائب الموالي ولد محم على أمواج الأثير، لا بأس بدور منظمة حقوقية، لدعم النشاط المناوئ للاسترقاق (أو ما معناه ،انتهى الاستشهاد)، ويقف الجميع مشدوها أمام هذه الظاهرة الجديدة.
إيرا تخون المجتمع والقضاء والسلطة التنفيذية، وتدعى محاربة العبودية والحرص على تطبيق القانون المجرم لها!.
وفي هذا الخضم فقدت الشرطة هيبتها، وانتقصت هيبة الدولة أيضا، من خلال هذه المضايقة الصريحة، لمهمة الشرطة وصلاحياتها القانونية فعلا.
إن انتقاد النظام الاستبدادي القائم لا يعني استباحة حرمات ما بقي من الدولة، سواء كان شرطة أو قضاء، أو سلطة تنفيذية أو غيره.
لقد وصلت "إيرا" قمة التحدي والاستفزاز للجميع، شرطة وقضاء وسلطة تنفيذية، والمجتمع في قمة من يدفع الثمن المعنوي الباهظ، استفزازا و احتقارا، وخصوصا شريحة "البيظان" بتهمة الاستعباد، ولا خير في الاستعباد فعلا، ولكن تهمة الاسترقاق، أصبحت وسيلة ومطية، في ظل دولة ضعيفة ونظام هشَ، للوصول إلى مآرب أخرى، في مقدمتها الانتقام من المجتمع "البيظاني" المتهم في حساب تلاميذ (برام) باسترقاق بعض "لحراطين"، وأحيانا دون أدلة كافية، وقرائن مفحمة.
بل إن مجرد الشبهة عند بعضهم، يكفي لتجريم الجميع، دون استثناء، شرطة وقضاة و"أسياد".
وفي مثل هذه الأجواء، كثيرا ما تتحول مفوضية القصر، أو سوكوجيم(1) ،إلى ساحة مواجهة يحاصر فيها مقر الشرطة، ويمنع المتهمون من الخروج، في جو مطاردة، يذكر بأجواء المليشيات اللبنانية، بامتياز مثير، موح ببداية مرحلة مواجهة جديدة ، عنوانها المعلن، مكافحة العبودية ، وفي المقابل استسلام الجميع ،بحجة التريث في منازلة السفهاء، من متطرفي "لحراطين".
لا يهم، لقد أضحت هذه الحرب الداخلية حقيقية متصاعدة نحو المزيد من التطرف، فإما أن نكون في صف مواجهة ما بقي من آثار وحالات العبودية بصيغة حكيمة جادة مسالمة ومتوازنة، وإما الانخراط في فتنة بيرام، وهذا تيار مفعم بكراهية "الأسياد السابقين" أي مجتمع البيظان كله تقريبا، وحرق بعض الكتب الإسلامية، والتقدم تدريجيا نحو التملص من المبادئ الإسلامية المقدسة ، التي هي سر منعة المجتمع، وضامن ما بقي من وحدتنا المهددة.
وهذا الخط البيرامي، خط غير مأمون إطلاقا، لا على الدين، ولا على العلاقات الداخلية، بين مسلمي موريتانيا، مهما كانت بعض آثار العبودية البغيضة أو حالاتها المحدودة المتناقصة، على الأقل بالمقارنة، مع الماضي القريب.
لقد عجزت الدولة والمجتمع، عن مواجهة هذا التطرف الحقيقي المتزايد، في صفوف البعض.
وهذا الصمت لا مبرر له، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والحق أولى بالإتباع، بغض النظر عن دواعي التحفظ السلبي، الذي يتيح فرصا متزايدة، للكثيرين من شذاذ الآفاق، الذين يتحدون الدين والمجتمع، باسم مكافحة ظاهرة مزمنة، ليس السبيل إلى تجاوزها تفجير مجتمع برمته.
إن نشاط زعيم "إيرا"، لا يخلو من علاقات خارجية مثيرة، فولد عبد العزيز مستبد فاشل، لكنه تجرأ في وقت سابق على القطع الظاهري للعلاقات المشينة مع الكيان الصهيوني اللقيط، ونحن ندرك حقد الصهاينة على الموريتانيين ، بعدما قطعت هذه العلاقات السوءة، لأن من ساهم بقوة في قطع هذه العلاقة، هو الشارع السياسي الموريتاني المعارض، بالدرجة الأولى، سواء في عهد معاوية أو غيره، وبعد أن توج ولد عبد العزيز هذه الجهود المناوئة للعلاقة مع الصهاينة، توجه اللوبي الصهيوني إلى موضوع وحدتنا الداخلية ، لدق إسفين الفرقة والشتات في جسمنا الضعيف، الذي تساعد في استهدافه طبيعته الأتنية والطبقية المتعددة، مما يغري بالتركيز على هذه الصبغة الطبيعية ،للدخول منها، نحو مجال واسع من المخططات التمزيقية الخطيرة بالفعل.
فتارة يحركون الزنوج بدعوى حقوق الأقلية الزنجية "المضطهدة"، وطورا يصبون الأموال والدعم السياسي والتأطيري لنفث وساوسهم وتحريضاتهم في أوساط "الحراطين" ، لرفع صيحاتهم التحررية، ضد "أسيادهم السابقين"، وصنعت هذه الأساليب العجب، حتى الآن في ساحتنا السياسية والإعلامية، وربما تتطور الأجواء، نحو مزيد من التفكك والكراهية والتجاذب الحاد، مما قد يؤدي في وقت قريب، إلى مواجهة أكثر صراحة واشتعالا وضررا، إن لم نفكر بجدية وموضوعية وترو للوصول إلى مخرج آمن، من هذه الورطة الحرجة المؤذية.
وقد تكون سبل محاربة آثار الظاهرة أو بعض حالاتها، إن وجدت فعلا، واضحة وبينة ، لمن أراد المجال الإيجابي لمضايقة بقايا الرق، لكن أصحاب الأغراض والأمراض النفسية والمصطادين في المياه العكرة، وداعمي المخطط الصهيوني المفرق، يفضلون طرقا أخرى، أثمرت حصار الشرطة، وكثرة حالات السرقة الليلية والنهارية، وما بينهما، وأشعلت حربا واضحة متزايدة للأسف البالغ، في مجتمعنا المغفل.
إن مثل هذه الدعاوي يدفع الضعفاء من الناس ثمنها ، سواء في وسط البيظان البيض أو السمر، أو الزنوج، ويهتزَ المجتمع اهتزازا متصاعدا متواصلا نحو السقوط.
دون أن يدرك ذلك المغفلون، من جميع أطراف المجتمع.
وستظل وضعيتنا في خطر أمني وسياسي ومعيشي وغيره، ما لم نراجع الحساب بدقة ومسؤولية تامة، في مثل هذه المواضيع الخلافية الحساسة.
التي لو ركزنا على علاجاتها الإيجابية الواضحة، لساعدتنا في الخروج من عنق الزجاجة على الأقل، دون حاجة لللجوء لهذا الكره المتبادل المجاني المفكك.
اللهم سلمنا ، غير فاتنين ولا مفتونين.