بين العير... والنفير/ سعد بوه الشيخ سيدي محمد

 سعد بوه الشيخ سيدي محمدالمتتبع للمشهد السياسي الوطني هذه الأيام لا بد أن ينتابه شعور بالخوف على مستقبل البلد وهو يتابع هذه التجاذبات العنيفة بين قطبين انقطعت بينهما كل وسائل الاتصال وبات كل واحد منهما يزمجر على باب عرينه ويتوعد الاخر بالويل والثبور وعظائم الامور.

قطب استهوته فكرة الشراكة في العير والحصول على جزء من الغنيمة ،لا يهمه بعد ذلك أن يغرق الوطن في الاوحال ولا أن تجري سفينته على اليابسة، كل همه أن ينال قسطا من الكعكة ويتفيأ طرفا من ظلال القصر وحدائقه الغناء، وهو في مقابل ذلك لا يدفع مجرد الولاء الأعمى لهذا القصر وساكنيه وإنما يذهب أبعد من ذلك إلى تخوين الخصوم وسبهم وتسفيههم وتهديدهم وإن دعت الضرورة فهو مستعد حتى لتسديد اللكمات إليهم حتى لا تنضب موائد السلطان ولا تمتد أيدي الخصوم لتنال من مرقه  أو تجذب السفرة من بين يديه. الوطن عنده متجسد في مائدة السلطان ترتسم حدوده بحدودها ويتمثل حبه والولاء له في الحفاظ عليها من خطري الزيادة والنقصان الدين عنده مختصر في طاعة الحاكم التي هي تجسيد لطاعة الله، فالعناية الإلهية هي التي اختارت هذا الحاكم لهذا المنصب الذي لا  يليق إلا به، والامتعاض من ذلك وإظهار عدم الرضى رفض لمشيئة الأقدار يوشك أن يقود صاحبه إلى الكفر ويدفع به إلى الدرك الأسفل من النار. الديمقراطية عنده هي لعبة الحفاظ على الموجود وغض الطرف عن المفقود حتى يمن به صاحب الفضل والجود، وهي بعد ذلك منة من صاحب المنة إن وهبها استحق الشكر وإن منعها فهو جدير بالمسامحة والعذر. التاريخ عنده يبدأ بيوم خروج الدبابات من القصر لتلقي بسيده المغضوب عليه في الأسر وتخرج بعد ذلك لتعانق حشود الجماهير المستبشرة بطلوع الفجر بعد طول ليل بهيم كان يحجب عنهم طلعة ومحيا هذا القائد الملهم العظيم، الحق عنده ما قالت حذام فهو واجب التصديق لا يجوز الشك فيه وليس مجالا للمناقشة والتعليق، إذ له الأمر وعليهم الطاعة ، يجسد أمره في إنفاذ إرادته أيا كانت ، ويجسدون طاعتهم  بالموافقة والمباركة والتصفيق. استحلوا حقوق الأنام بتأليه الحكام ،لا يدينون بولاء إلا لهم ولا يلتزمون بعهد إلا معهم، من تجرأ عليهم من "الأوغاد" سلقوه بألسنة حداد ،لا يعصون الحاكم ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وقطب لم يرض من الغنيمة بالإياب حينما لم يجد مكانا على مائدة تحلقت من حولها القطط والكلاب فآثر المسير واعتاض عن العير بطلب النفير. الوطن عنده متجسد في محاربة السلطان يتصيد سقطاته ويرى في كل تصرفاته أبشع نواع البطش والطغيان، يتلقف الخبر عنه أيا كان فيصمه بكل صفات الزور والبهتان حتى ولو كان آية تتلى من محكم نص القرآن. الديمقراطية عنده سلم للارتقاء من حضيض المعارضة إلى صولجان السلطة ،لامعنى لها إلا ذاك ، ولا غاية لها إلا دفع الحاكم إلى مهاوي السقوط ومدارك الهلاك. يرى الأبيض أسودا والأسود أزرقا والأزرق بنيا ، ولا يستثني من دعوته للنفير إنسا ولا جنيا. الدين عنده مختصر في رفض بيعة السلطان الذي هو واجب بالكتاب والسنة ، قائم بالدليل والبرهان، من أطاعه أشرك بخالقه ، ومن عصاه تبرأ من الشرك بمالكه ورازقه ، الخروج عليه جزء مما علم من الدين بالضرورة والشواهد على ذلك قائمة والوقائع معلومة مشهورة, التاريخ عنده تتعدد بداياته بحسب تاريخ خروج هذا الطرف أو ذاك من السيرك المحيط بالنظام لينضم إلى مسيرة تحرير الشعوب من طاعة الحكام، لا يذكر من الانقلابات إلا آخرها ولا يرفض منها إلا حاليها وحاضرها، كل ما يعرفه أن الشمس قد أشرقت على هذا البلد ذات يوم، فكسفها هذا النظام المشؤوم، ومن يومها والبلد يسير في طريق الانهيار المحتوم ، لا سبيل إلى إنقاذه إلا بإسقاط الحاكم وإمساك ربقة المحكوم. يتشبث بشعار الرحيل ولا يملك لفرضه أي وسيلة ولا سبيل ، ينادي ملء شدقيه بالنفير ولا يملك من أشراطه مثقال حبة من قطمير. هكذا إذن يتفلت الوطن من بين أيدينا كخيوط الدخان بين "عير" هذا الفريق و"نفير "ذاك الفريق وتسقط الأمة في واد من التيه والضياع سحيق ، تلمح في عيون الفريقين نظرات التهميش والتحقير فتبكي قدرها وتندب حظها وتعلم حين لا ينفع العلم أن لاهي في العير ولافي النفير.

1. أبريل 2013 - 16:13

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا