في وقت متأخر من الليلة الماضية انغرزت سيارة الرئيس رباعية الدفع في الرمال، في أحد الأحياء العشوائية، وانشغل أربعة من الحراس كانوا يرافقونه بإزاحة الرمال ومحاولة إخراج السيارة.
ونزل رئيس الفقراء من قمرة القيادة صوب الكثيب المطل على بعض المساكن والأعرشة ليتفقد أحوالهم ريثما تكون السيارة جاهزة للإقلاع من جديد.
كانت السيارة لحداثتها تشبه طائرة من النوع الذي يطير في الجو ويعوم في البحر. كان الرئيس يسير بخطوات سريعة، كعادته، يحمل معه كيسا به بعض المواد الغذائية منتهية الصلاحية، إلا أن التجار قاموا بتحديث تواريخ انتهاء صلاحيتها ـ وهي عادة دأب عليها بعض تجارنا وأثريائنا الجدد لفرط جشعهم ـ لتبدو كما لو أنها صنعت قبل أشهر قليلة. كانت امرأة تقف أمام مساكن من الصفيح، بعد سماعها لأصوات غريبة على المكان الهادئ، في انتظار ابنها الذي يأتيها في هذا الوقت بما تيسر من طعام.. ـ الوالدة كيف حالك؟ ـ...... ـ مالك تقفين هكذا في هذا الوقت؟ ........كيف حالكم؟. ـ حالنا كما ترى..لا ماء ولا مرعى، أنا في انتظار ولدي، أطفاله بكوا حتى شبعوا بكاء وناموا وأنا نفسي جد جائعة ..(بطني يسخنوا اعليه أهل مكة).. دلف إلى أحد المساكن مشعلا مصباح هاتفه (السامسونغ) وشرع يخرج بعض المعلبات والخبز من الكيس، وسألها: ـ أين المرجل؟ ـ لم نعد نستعمله منذ قرابة أربع سنوات. ـ لا بأس توجد معلبات بها أسماك السردين.. طعم أهل البيت الصغير وشربوا وهم يستمعون إلى أحاديث الرئيس، المنبعثة من الهاتف المضيء، ووعوده بأن الأراضي سيتم توزيعها و تزويدها بالماء والكهرباء، وستفرش الخضرة الخصبة على الصحراء المجدبة، وسيوزع السمك على الجميع، أما الطرق المعبدة فستصل هذه الكثبان.. و"سنكافح الرمال والفساد والإرهاب..ونسير الإدارة برجال جبلت أنفسهم على حب المال.." وفجأة دخل رجل أعمال غاية في الأناقة مفتول العضلات، كما لو أنه كان يستعد لهذه اللحظة منذ أكثر من عامين، وفي يده سلاح أبيض؛ والشرر يتطاير من عينيه. ـ أنا رئيس الفقراء جئت أتفقد الرعية وأطعم الجائعين. وأزاح الرئيس لثامه ليقطع الشك باليقين. إلا أن الفتى قال : ـ لا.. الجميع يميز بين الرئيس والتاجر الصغير؛ وإن كنت خرجت للتو من زنزانة عشت بها سنين عددا؛ لكن الرئيس يعرفه حتى "اذويب اليَ تل غانا !"؛ هيا أسكت هذا الهذيان (مشيرا إلى الهاتف الثمل)..لدي حبوب سأرغمك على ابتلاعها الآن؛ كما فعلوا بي في السجن؛ وحينها ستعقد مؤتمرا صحفيا على هذا الكثيب تقول فيه أنك هو الخليفة الراشد عمر.. وتغادر الحكم لتتفرغ للخلافة أو التجارة !!(قالها بتهكم) ضغط الرئيس على أحد الأزرار لإيقاف الصوت المنبعث من الهاتف؛ فأقلعت مركبة خضراء ـ تحمل قمرا بائسا وحزينا ـ ونجمة صفراء لتحلق فوق سماء انواكشوط المرصعة بالنجوم، وتبدأ بإنزال الحراس لإنقاذه الرئيس من ورطته... وأيقظني الصراخ والضجيج؛ لأكتشف أننا في مطلع ابريل شهر الغبار والأكاذيب..