انتظرنا ولفترة طويلة اليوم الذي ستأخذ فيه السلطات العامة في البلد قرارا حاسما للاعتراف بوجود ظاهرة الاسترقاق و إعطاء الضوء الأخضر لمحاربة الظاهرة ومعالجة آثارها ومخلفاتها، وبالفعل فقد تقدمت البلاد خطوة في هذا الصدد بإصدار العديد من القوانين المجرمة للظاهرة كان آخرها القانون رقم: 048 - 2007. بالإضافة إلى تجريم الممارسات الاستعبادية دستوريا في التعديل الأخير للدستور الموريتاني، وبإصدار القانون الجديد رقم: 015 – 2012.
لكن رغم إجماع كل الموريتانيين على ضرورة القضاء نهائيا على مثل هذه الممارسات اللا إنسانية لم نكن نتوقع أن يثير القرار الأخير للحكومة الموريتانية القاضي بإنشاء وكالة وطنية لمحاربة مخلفات الرق استغراب البعض وتباين المواقف في الوسط السياسي والاجتماعي بحكم أن الأمر يجب أن يكون هما مشتركا لجميع مكونات الشعب الموريتاني إنصافا للمظلوم وسبيلا لإرساء عدالة اجتماعية تحقق المساواة للجميع، وتضمن الأمن والاستقرار اللذين يعدان ركيزة للسلم الأهلي و الرفاه السياسي لدولة الحق والقانون. لذلك دعونا نتساءل: لماذا تبقى سياسة البناء على الأنقاض هي الحاضر في أذهاننا دائما؟. هل فكرنا يوماً ـ مع اعترافنا بالذنب ـ أن إنصافنا للمظلوم يقتضي منا أن نشركه في ما نعتبره إحقاقاً لحقه، لا أن نعترف له بالخطأ ونُوكلَ أمر إنصافه إلى آخر قد لا يراه مناسبا للمهمة؟. ما الذي يجعلنا نُثمن الخطوة في أصلها أو أن نصدر أحكامنا دون أن نتأمل أفقها الجديد؟.
في الواقع أجدني متفائلا بهذا القرار لمجرد وقعه، لما له من تأثير على الرأي العام الوطني وكذا الجماعات الضاغطة حتى وإن وصفه البعض بـ"الخطوة الخجولة" معتبرا أن إحلال الوكالة الجديدة محل وكالة دمج وإعادة اللاجئين مجرد إعادة لسياسة البناء على الأنقاض، وهنا علينا أن نقف.. للعودة إلى إعلان وزير الدفاع الموريتاني في الأيام الماضية طي ملف الإرث الإنساني على مستوى المؤسسة العسكرية الموريتانية نهائياً بالرغم من تحفظ بعض الزنوج على الطريقة التي تمت بها تسوية الملف، فهل يعني ذلك بداية مصالحة داخلية وإغلاق ملف شائك للبدء في آخر أكثر حساسية وتعقيدا؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه جعجعة بدون طحين وذرًا للرماد ن في الأعين، شأنه شأن القوانين السابقة التي لم تجد تطبيقها على أرض الواقع، وإتباعها بحملات تحسيسية وإجراءات عملية صارمة؟؟.
باحث في مجال القانون والعلوم الإدارية للتنمية
hossaine_81yahoo.fr