احتضنت قرية انفني التابعة لبلدية علب آدرس في مقاطعة بتلميت ليل السبت الجمعة أعمال الدورة الخامسة عشرة لملتقى الطريقة التجانية الذي تنظمه أسرة الشيخ محمد مختار بن دهاه بحضور وفد حكومي رسمي بقيادة وزير التعليم العالي والبحث العلمي وزير الشؤون الإسلامية وكالة، ومدير التوجيه الإسلامي في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وأعضاء بعض البعثات الدبلوماسية المعتمدة في موريتانيا، وبحضور الخليفة العام للطريقة التجانية في غرب إفريقيا السيد عبد المطلب التجاني وعدد من أحفاد الشيخ سيدي أحمد التجاني وبمشاركة عدد كبير من أتباع الطريقة التيجانية في موريتانيا وفي عموم إفريقيا.
وقد تم تنظيم نسخة هذا العام تحت عنوان: "دور التصوف السني في التخفيف من الفوارق الاجتماعية بين الشعوب " بحضور ممثلين عن الطريقة التجانية بأسانيدها المتنوعة (السند الحافظي، السند الفوتي العمري، السند السائحي، السند الحموي، السند الإبراهيمي) وبالتعاون مع الحضرات الصوفية في موريتانيا وغرب إفريقيا: (الطريقة القادرية الفاضلية، الطريقة الشاذلية الغظفية، والطريقة المريدية).
وقال الدكتور محمد الحنفي دهاه المتحدث باسم الخليفة الشيخ محمد الكبير بن دهاه إن تطبيق التعاليم الصوفية بما تحمله من تربية وتزكية ومحو للفوارق الاجتماعية، هو صمام أمان الأمة، والأمل الوحيد في اعتماد منهج وسطي يسهم في غرس الأخلاق الفاضلة، والسعي المرضي في طلب الأرزاق، ويعمل على إحياء الشعور الدّيني، وإذكاء الوُجدان الرّوحيّ، من أجل الرقيّ إلى درجات الكمال الإنسانيّ.
وثمن الدكتور محمد الحنفي إطلاق رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لمشروع المدرسة الجمهورية الذي قال إنه يعول عليه في التحفيف من الفوارق الاجتماعية بين مكونات الشعب وتوفير تعليم نموذجي لجميع أبناء الوطن، مقدما شكره للسلطات الموريتانية على دعم ورعاية هذا الملتقى العلمي المهم.
وبدوره قال الشريف سيدي علال التجاني المتحدث باسم خليفة الطريقة التجانية في غرب إفريقيا إن المسؤولية تقع على أهل التصوف أكثر من غيرهم في توجيه المجتمع نحو مزيد من التآخي ونبذ العنف والكراهية، والسعي في استغلال نعمة الأمن والاستقرار من أجل البناء والتقدم.
وألقى الشيخ مصطفى بن الحاج مالك سي من حضرة الشيخ الحاج مالك سي بمدينة تيواون السنغالية كلمة باسم الوفود الإفريقية المشاركة في الملتقى ثمن فيها موضوع الندوة العلمية، وأثنى على حسن التنظيم وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، كما شكر السلطات الموريتانية على التسهيلات التي قدمتها للوفود المشاركة والتي مكنتهم من الوصول إلى مقر انعقاد الملتقى في حضرة انفني بكل أمن واطمئنان.
وافتتحت الندوة العلمية بكلمة لمعالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وزير الشؤون الإسلامية وكالة السيد محمد الأمين آبي الشيخ الحضرامي قال فيها : "إن تنظيم مثل هذه الملتقيات وجمع نخبة علماء ومفكري المنطقة لمناقشة مواضيع هامة مثل موضوع هذه الندوة العلمية يدخل في صميم برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني "تعهداتي" الذي تعهد فيه بإحياء الدورالريادي لموريتانيا في نشر تعاليم الإسلام الوسطي ونبذ التطرف والعنف وهذا هو ما تسهر حكومة معالي الوزير الأول محمد ولد بلال مسعود بكل الوسائل إلى تطبيقه على أرض الواقع من خلال دعم ومواكبة وتثمين كل الجهود العلمية والعملية التي يقوم بها علماء ومشايخ الطرق الصوفية المتعددة المشارب والأسانيد، من أجل نشر ثقافة المحبة والسلم والوئام بين شعوب القارة الإفريقية.
وقدمت على منبر الندوة العلمية محاضرات قيمة ألقاها علماء ومشايخ يمثلون مختلف الحضرات الصوفية تناولت موضوع: "دور التصوف السني في التخفيف من الفوارق الاجتماعية بين الشعوب" من مختلف جوانبه وأظهرت إسهام كل طريقة من الطرق الصوفية في تجسيده وأهم الوسائل المتبعة لذلك.
وجاءت هذه المحاضرات على الترتيب التالي:
- المحاضرة الأولى: كانت محاضرة تأصيلية للموضوع ألقاها الدكتور ميمون الشيخي من المملكة المغربية، وركز فيها على التعريف بحقيقة التصوف والأدلة العلمية التي تثبت شرعية المنهج الصوفي السني، والعلاقة بينه وبين مقام الإحسان، وناقش مجموعة مهمة من أقوال سادة الطرق الصوفية التي تحث على التمسك بالشريعة وتدعو إلى الوحدة والأخوة بين الشعوب الإسلامية وذلك منذ نشأة التصوف مع البدايات الأولى للإسلام وحتى اليوم.
- المحاضرة الثانية: كانت باسم الطريقة المريدية وألقاها الشيخ مرتضى بوسو المبعوث الخاص لخليفة الطريقة المريدية، واستعرض فيها بإيجاز منهج التربية الصوفية عند الشيخ الخديم أحمدو بمب رحمه الله، مركزا على علاقاته بمعاصريه من مشايخ مختلف الطرق الصوفية في موريتانيا.
- المحاضرة الثالثة: كانت باسم الطريقة القادرية الفاضلية التي حضر منها وفد كبير يقوده الشيخ عبد العزيز ولد الشيخ آياه ولد الشيخ الطالب بوي، واستعرض فيها الدكتور الشيخ سعد بوه ولد الشيخ محمد فاضل تاريخ ونشأة الطريقة القادرية الفاضلية ومنهجها في التربية وخصوصيتها في المنطقة وأهم النتائج التي تحققت بسبب ظهورها في موريتانيا وشبه المنطقة.
- المحاضرة الرابعة: كانت باسم الطريقة الشاذلية الغظفية وألقاها فضيلة الشيخ الدده ولد مفتاح الدين ولد الشيخ محمد الأغظف، وأوضح فيها بعض خصوصيات هذه الطريقة ومنهجها الخاص في التربية وما لقيته دعوتها من تجاوب في موريتانيا وفي إفريقيا، حيث امتد إشعاعها إلى تركيا والسودان وعدة بلدان أخرى.
- المحاضرة الخامسة: كانت باسم الطريقة التجانية، وتناول فيها الدكتور محمد الحنفي دهاه منهج التربية عند الشيخ أحمد التجاني، وخاصة ما يتعلق بدعوته لمحو الفوارق الاجتماعية وعدم الالتفات إليها والاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتسليم لأهل الفضل بفضلهم دون النظر إلى نسبهم وأصلهم، وعدد نماذج تدل على التزام مختلف فروع الطريقة التجانية لهذا المنهج القويم الذي تدعمه مجموعة كبيرة من النصوص الشرعية الصريحة في الدعوة إلى التسامح والتآخي والتحابب بين جميع المسلمين.
وترأس جلسة أعمال الندوة العلمية للملتقى الدكتور يحي ولد البراء الذي يعتبر من أبرز الباحثين المهتمين بالشأن الديني في إفريقيا ومؤلف موسوعة المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوى ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب غرب الصحراء وتعد من أكبر موسوعات النوازل والفتاوى في التاريخ الإسلامي المعاصر حيث ضمت 6800 فتوى ونازلة لعلماء ومشايخ المجال الجغرافي المدروس.
وتخللت أعمال الندوة العلمية إلقاءات شعرية أنعشها عدد من كبار الأدباء والشعراء مثل الشاعر الكبير محمد الحافظ ولد أحمدو ، كما ألقيت نصوص من الأدب الشعبي، وإنشادات لفرقة صوفية من منتسبي الطرقة التيجانية من جمهورية مالي الشقيقة.
وقد جرى تنظيم نسخة الملتقى هذا العام بالتعاون مع هيئة الشيخ محمد مختار بن دهاه للثقافة والتنمية، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالثقافة والتنمية والعمل على صيانة تراث الشيخ محمد مختار بن دهاه وزواياه في موريتانيا والسنغال وتثمين التراث الروحي الصوفي بشكل عام.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الملتقى حضرته وفود من بلدان إفريقية متعددة هي بالإضافة إلى موريتانيا، المغرب، الجزائر، السنغال، مالي، نيجيريا، النيجر، غينيا الإستوائية، ساحل العاج، جمهورية بنين، وتشاد، غينيا كوناكري.