صحافتنا وصمتها المحيِّر / ابو داوود

 ابو داوودمع تقدم التكنولوجيا و سهولة  الحصول علي المعلومة، وتعدد الطرق في تعضيد المقول والمكتوب بالأدلة الملموسة المسجلة بالصوت او بالصورة، او بهما معًا، فان جل صحافتنا ما زال قاصرا و مشلولا وعاجزا عن تأدية مهمته.

ان التذبذب في المواقف، والطمع ، والحاجة الدايمة، ثم الخوف من المجهول الذي يظهر في زي الحكومة أحيانا، وفي زي القبيلة والوجهاء والسياسيين والأغنياء أحيانا أخري، هو الذي يرهّل عود صحافتنا، ويُضْـعف أداءها.. فهي تظهر وكأنها لا حول لها ولا قوة في الغالب الأعم ، 

وبذلك تكون مهمتها الخنوع والخضوع لهذه السلطات التي تشدها من أطرافها في اتجاهات متعاكسة، تكاد تُـقطّعها إربا بسبب تبَـنّـيها ثقافة الاستسلام والتبعية، مع دوام الشكوي والحاجة.. هل تدرك صحافتنا عظم وثقل ونُبْل مهمتها؟ ام انها مجرد جزء من المنظومة الخربة، المريضة القلب، العمياء البصيرة ، العديمة الروية؟ ماهو مدي استيعاب صحافتنا  لحساسية موقفها من الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتي التاريخية في البلد؟ ام ان الصحافة عندنا هي مجرد ظلال لدُمًي تحركها اياد خفية من وراء ستار مسرح نهاياتُ قصصه مأساوية دايما ؟. يقول احد عمالقة الصحافة الأمريكية اسمه "ادولف. س" وهو المدير الناشر لجريدة  "نيوورك تايمز" ذائعة الصيت:  "إن الصحافة مهنة لا تَسْتَمِـيلها الصّداقات ولا يَـرهبها الأعداء. وهي لا تطلب معروفاً، ولا تقبل امتناناً، إنها مهنة تتغاضى عن العاطفة والتحيز والتعصب إلى أبعد الحدود. فهي مكرسة للصالح العام، ولفضح الألاعيب والانحرافات، والقصور في الشؤون العامة، وتتعامل بروح العدل والإنصاف مع أصحاب الآراء المعارضة. مهنة شعارها "ليكن هناك نور"". وكانّ "ادولف" اراد ان يقول ان مهنة الصحافة هي شبيهة بالمشي علي الحبال، فلا بد من الدقة والحذر مع التركيز، وهامش الخطأ يجب ان يكون معدوما. هي لعبة تتطلب كثيرا من التجرد والوسطية ، والتأني في إصدار الأحكام، والتنجيز في ابداء الحقائق. ومن الواضح أيضاً انه أراد القول بان هذه المهنة لا يصلح لها كل من هبّ ودبّ ، وإنما هي للفئة النادرة التي حازت قدرا من المعرفة والوعي، ولها موقف واضح من الامور السياسية والاجتماعية،  ومن الشان العام والخاص في البلدان.. نَعم، "ليكن هناك نور" ، وهل لمجتمع ما - كمجتمعنا يريد ان يتغير ويلتحق بركب العالم- مناص من ان تكون له صحافة علي ذلك المستوي من الحرفية والحيادية. رغم اقتناعي ان البناء لا يكون الا بتضافر الجهود، و الاتحاد والاخلاص والاجتماع علي الراي الواحد، والقلب النابض الحي، والفكر المنفتح غير الاقصائي ولا الانطوائي. فاني اومن في الان نفسه انه لن يصلح لنا بال، ولن نكون أمة لها كيانها، وأرضها وجوّها، وبحرها، وكرامتها، وبيوتها المبنية ، وشوارعها المعبدة، وكهرباوها التي لا تنقطع، وأحياوها المخططة، واقتصادها المزدهر، وباصاتها النظيفة المصانة، وحكومتها المنتخبة الواعية العاملة بما ينفع الناس والوطن.... لن نكون كذلك الا إذا كانت هنالك رقابة ومتابعة وتمحيص، ثم محاسبة يؤدَّي  فيها لكل ذي حق حقه، فيُحتفي بالمتميزين الذين بذلوا جهدهم، وخدموا شعبهم. ويعاقب الجناة وَلَـو كانوا أولي مناصب عُـليا، بل يجب ان تُـغلّظ لهم العقوبة كلما علت مناصبهم ، وكبرت خياناتهم؛سواء كانوا  من المعارضة او الموالاة او غيرهما. و لن نستطيع تحقيق ذلك حتي تكون لنا صحافة غير منافقة ولا متملقة، لا يهمها الا المصلحة العامة، تعرف كيف تكشف الجناة وتساعد  السلطات القضائية والتنفيذية في القبض علي المخالفين، ثم معاقبتهم بالقانون.. يجب علي صحافتنا ان تدرك ان مهنتها ليست مهنة مصالح، ولا صداقات او تَـرْبِـيتَات منافقة علي أكتاف الحكام، ولا هي في الان نفسه مهمة إثارة النعرات، والعزف علي أنغام التفرقة. مهمة الصحافة ليست طلبا لمدح او انتظارا لشكر علي واجب؛ لكنها مهمة لاتتغاضى عن الخطا، ولا تتباهي او تتعالي ولا تتكبرُ او تتجبّر... فوظيفتها أكبر  واشرف من مناصب الوزراء، واعظم من مهام الروساء، أولئك يتغيرون  ويتبدلون، والصحافة باقية بقاء الشعوب و الاوطان، راسخة رسوخ الجبال العاتيات إذا ما كانت حيادية في علاجها للمواضيع، دقيقة في اعطايها الاخبار، ملتزمة بالصدق والشجاعة. ان ما تشهده بلادنا هذه الأيام من شح في المعلومة، وصعوبة في فهم ما يحدث، لَـيَجْعلنا نشكّ في كل ما  يجري حولنا، بل انه يُحولنا الي مُعادين لمن كنا نثق فيهم من حكام ومسؤولين ، وصحافة. امِنَ المعقول ان نظل نسمع عن مسؤوليـنا القصص والروايات، وصحافتنا واجمة جامدة، تلتزم الصمت وتفضله علي قول الحق، وكانّ الأمر لا يعنيها. اهو تعتيم مقصود من طرفها لانها مشاركة في تلك الذنوب؟ ام انه عدم الحرفية والتخصص؟ ان ما تشهده مهنة الصحافة اليوم من متطفلين علي المجال و من مرتزقة همها الكسب والتطبيل ليس الا، هو الذي يُصعّب المهمة، و يزيد من اتساع الهوة وعدم الثقة بين الصحافة والمجتمع ، و قد ثقّل  المهمة علي كاهل الشرفاء العاملين والمتمرسين بالمهنة العارفين بها؛ فاصبح همهم الاول هو اعادة تلك الثقة بينهم وبين الشعب  دون جدوي. ليست الحكومة بمعزل عن الأمر ، إذ شدت علي ايدي أولئك المنافقين المتمصلحين، الذين لبسوا عباءة الصحافة زورا وبهتانا، فاجزلت لهم العطاء وقلدتهم المناصب العليا. وذلك لعمري هو المعرقل الاساس والسبب الجوهري لتلك الاخطاء، والزلات التي طالما أُخذت علي صحافتنا. تخرج حكومتنا الي الشعب لتدلي بالبيانات، ولتوضح للمواطنين ما يشكل عليهم ، فتبدو وكأنها خرساء، لا تُصرح الا بما هو في مصلحتها، وما يبيض وجهها . أليس من حق الشعب ان يطلع علي حقيقة ما يجري في بلده، وعلي ارضه ووطنه؟ أليس الشعب هو من وظف هولاء المسؤولين، وصوت لهم في الانتخابات، وأعطاهم الثقة التامة لإدارة البلاد، وتسيير أمور العباد؟ ان المعارضة وما تصبو اليه من حب للوصول الي السلطة، وسرعة في إصدار الأحكام لَـيَنْزع منها الثقة هي الأخري، ويشكك في مصداقية ما تذهب اليه من تهم وادعاءات.. وكأنهم كلهم جميعا ضدّ الشعب المغلوب علي أمره ،المغصوب في رأيه.. فما اري هذا الشعب الأبي الصابر الا كرةً يتلاعب بها ثالوث الحكومة، والمعارضة ، والصحافة؛ كـلّما وصلت يد احدهم رماها الي الآخر، فليس منهم من يتحمل المسؤولية ويرفع الراية، ويتقدم ليقود حق القيادة، انه تهرب سافر من اداء المهام والواجبات، وتخلٍّ مخزٍ عن الشعب الذي هوانا و انت  وهم ، وهن، انه (نحن جميعا) الذين  نبحر في المركب نفسه؛ فيا ليتهم يدركون ذلك.. لقد اصبحنا في هذه الأيام  كقطيع من الماشية في ليلة ظلماء، ماطرة، هرب عنها راعيها، وتركها للذئاب تنهشها وتأكل صغارها.. ايمكن ان يكون بعضٌ من صحافتنا يعلم بما ما يحدث، ولكنهم يفضلون الصمت؟ أهي شراكة في الخفاء، وعداوة علي الهواء؟   جل صحافتنا يخافون من مجرد اللوم ، فكيف بهم اذا هم هُددوا بالتنكيل او السجن؟ اعْلَمِي أيتها الصحافة الموقرة الفاسدة انك قد متّ منذ ان تخليت عن الشعب ، واخترت سهولة المهمة مع الراحة، علي علو الهمة مع التعب. ولتعلمي أيضاً، ان الخطأ متدارك التصويب، فما عليك الا التوبة من الذنب والعمل علي ما ينفع هذا الوطن وجميع الشعب سواء بسواء، وبذلك تسلمي وتحوزي قسطك الأساسي من ثمار النجاح الآتية لا محالة..  

3. أبريل 2013 - 11:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا