الكذب وستار أبريل / عثمان بن جدو

لقد أمر الإسلام بالصدق لأنه فضيلة ونهى عن الكذب لأنه رذيلة ,ومن المعروف أن مجتمعنا يعاني كثيرا من هذه الظاهرة بصورة عامة وفي إبريل خاصة ,شأنه في ذلك شأن المجتمعات الأخرى في شتى العصور والأزمنة .

- ولقد ذهب جل الباحثين إلى أن كذبة إبريل تقليد أوروبي قائم على المزاح ,يقوم به البعض في اليوم الأول من إبريل ,  حيث يطلقون الإشاعات والأكاذيب ويكون الضحية من يصدقها (ضحية كذبة إبريل)

وبدأت هذه العادة في فرنسا عندما تم تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام :1564م وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا  التقويم,وقبل ذلك كان الاحتفال برأس السنة يبدأ في يوم .21.مارس وينتهي 1.إبريل بعد تبادل هدايا رأس السنة ,وعندما تحول إلى الأول من يناير, ظل البعض كالعادة يحتفل به في الأول من إبريل ,وأطلق عليهم ضحايا إبريل ,وأصبحت عادة رائجة للمزاح مع الأصدقاء والأقارب في فرنسا ,ومنها انتشرت إلى البلدان الأخرى على نطاق واسع وخاصة إنكلترا,

وكان الضحية في فرنسا يسمى السمكة ,وفي اسكتلندا.نكتة إبريل.

ويرى آخرون أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول إبريل وبين عيد "هولي" المعروف في الهند ,والذي يحتفل به الهندوس في 31.مارس من كل عام ,حيث يقوم فيه بعض الناس بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعاية ولايكشف عن حقيقة كذبهم إلى في اليوم الأول من إبريل .

ويرجع بعض الباحثين أصل الكذب في إبريل إلى القرون الوسطي إذ أن شهر إبريل في تلك الفترة كان وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول ,فيطلق سراحهم في أول الشهر ويصلي العقلاء من أجلهم وفي ذلك الحين نشأ العيد المعروف باسم عيد المجانين أسوة بعيد القديسين.

بينما يرى آخرون أن كذبة إبريل لم تنتشر بشكل واسع بين غالبية شعوب العالم إلا في القرن التاسع عشر.

تعددت الأقاويل ومهما كانت صحيحة أم عكس ذلك فالأكيد أن قاعدة الكذب كانت ولاتزال تشهد رواجا كبيرا في أول أيام إبريل ,وطبعا هو اليوم الذي يباح فيه الكذب عند شعوب العالم عدا الشعبين الإسباني والألماني ,لأن اليوم مقدس في إسبانيا ,ويوافق ميلاد "بسمارك" الزعيم الألماني الشهير.

ومن المؤسف جدا أن نلحظ في مجتمعنا المسلم غالبية الشباب بل الكبار يتأثرون بهذه الظاهرة ويحاكون هذه العادة السيئة ويتعمقون في التعاطي معها ,ويعهدونها في غير إبريل إن لم يكن العام كله,ومن المعروف أن الكذب لا يجوز أصلا ولقد حذر منه الإسلام مزاحا كان أوغير ذلك .

وكل منا درس وهو صغير (في الابتدائية) وتردد على مسامعه وهو كبير ,الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ).

وروي عنه صلَى الله عليه وسلم :(ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك الناس ويل له ويل له) سنن أبي داوود.

وكل صفة يمكن أن يتصف بها المؤمن عدا الكذب ,وجاء في حديث أبي الدرداء  قال: يا رسول الله ـ صلى الله عيه وسلم ـ هل يسرق المؤمن ؟ قال :{قد يكون ذلك} قال فهل يزني المؤمن ؟ قال{ بلى ,وإن كره أبو الدرداء} قال :هل يكذب المؤمن ؟ قال :{إنما يفتري الكذب من لايؤمن ,إن العبد يزل الزلة ثم يرجع إلى ربه فيتوب ,فيتوب الله عليه} ليس هذا استسهالا لتلك الذنوب والكبائر وإنما إظهار لخطورة الكذب واستنكارا لممارسته من طرف المؤمن,فالكذب داء خبيث يؤثر وقعه على العقل ويحدث الخلل في الاتَزان الشخصي ,وقد يؤدي بصاحبه إلى الكذب على ربه وعلى نبيه والعياذ بالله

ولم يرخص في الكذب إلا في حالات ثلاث (كما قال ابن شهاب) {الحرب . الإصلاح بين الناس .حديث الزوجين}

قال القاضي :لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور,واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو ؟

فقالت طائفة : هو على إطلاقه ,وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع  للمصلحة , وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة,واحتجوا بقول إبراهيم عليه السلام (بل فعله كبيرهم )(إني سقيم).وقول منادي يوسف {أيتها العير إنكم لسارقون}

قالوا :لا خلاف أنه لوقصد ظالم قتل رجل وهو عنده متخف وجب عليه الكذب في أنه لايعلم أين هو,وقال آخرون منهم .الطبري.لا يجوز  الكذب في شيء أصلا ,قالوا وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية , واستعمال المعاريض ,لا صريح الكذب ,مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وكذا ,وينوي إن قدَر الله ذلك ,وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة ,يفهم المخاطب منها ما يطيب خاطره وإذا سعى إلى إصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا.

وكذا في الحرب:كأن يقول مات قائدكم الأعظم ,وينوي في الأزمان الماضية ,أو سيأتينا مدد: أي طعام,أو على هذا النحو من استخدام المعاريض المباحة ,فكل هذا جائز وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء فيهما من المعاريض وأما كذب الرجل لزوجته وكذبها له فالمراد منه إظهار الود بما لا يلزم  ونحو ذلك ,لا المخادعة في منع ما عليه أو عليها ,أو أخذ ما ليس له أولها فهو حرام بإجماع المسلمين .

ومن المعروف أن أغلبية شبابنا ,يأخذ بالكذب ممازحة أحيانا وامتهانا أحايين أخرى ,دون الربط بالمعاريض ,ودون استخدام للتورية استجابة لضرورة دافعة,وإنما استسهالا ولامبالاة ,ومن قبيل عدم الاكتراث لا غير دون التفريق طبعا باعتراء أحكام الشرع للكذب ,بل وقوفا في غالب الأحيان على الحالة المحرمة أو المكروهة على الأقل ,ومن هذا المنطلق بات لزاما علينا جميعا كبارا وصغارا أصحاب رأى أم غير ذلك ,أن نقف في وجه هذا الداء العضال, الذي نخر جسم هذه الأمة وأفسد طباعها وأتلف قيمها,وشوه صورتها أمام العالم ,ومزق روابطها الاجتماعية,وأفقد بعضها الثقة بالبعض الآخر.

_عثمان جدو_كاتب وناشط حقوقي_

[email protected]

4. أبريل 2013 - 17:55

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا