مسيرة الحرية أو قصة العبودية في موريتانيا / محمد الأمجد ولد محمد الأمين

altتحيل كلمة عبد على الشخص الواقع تحت سلطة الرق، بينما تحيل كلمة حرطان في اللهجة الحسانية على الحر الذي سبق وأن استرق، أما كلمتي سودان وخظارة فتحيل علي سواد البشرة التي يميز الفضاء الاجتماعي للأرقاء عبيدا وحراطينا.

ولأننا نعتقد أن حرية الحراطين لا ترقي لمستوي حرية الأحرار ممن لم يسبق عليهم رق فإننا نعتبرها داخلة ضمن الفضاء العام للرق.  وقد عبر الميثاق التأسيسي لحركة الحر التي هي أول حركة سياسية موريتانية تصب جهودها حول محاربة الرق عن التداخل والارتباط ما بين كلمتي عبد وحرطان. فقد نصت المادة الأولي من ميثاق الحركة علي ما يلي: تم إنشاء حركة للحراطين الموريتانيين تتعهد بالكفاح الجاد من أجل الانعتاق والمساواة والكرامة والسعادة للحراطين تسمي منظمة تحرير وانعتاق الحراطين. كما يعبر الميثاق في موضع آخر عن نفس الفكرة التي هي تحرير الحراطين: فبالإضافة إلي هدفها الأساسي المتمثل في تحرير الحراطين تهدف الحر أيضا إلى تحرير الطبقات الاجتماعية الأخرى المظلومة (1) إن كلمة حرطان اليوم هي المصطلح السياسي والاجتماعي الدال على الشريحة الاجتماعية التي تشمل الأحرار الذين سبق وأن استرقوا (الحراطين) ومن هم مسترقين (العبيد) سواء كانوا تحت سلطة الأسياد بصفة فعلية أو خارجها بحكم حريتهم التي انتزعوا نسبة منها. يقول الباحث والوزير السابق إسلم ولد عبد القادر: (حرطان وتجمع علي حراطين، وهي رديف لكلمة سوداني التي تجمع علي سودان، وخظري التي تجمع علي خظارة، وكل من الكلمات تعني العبد المحرر أي حر طارئ، ولكن المعني قد ينطبق على أشخاص ليسوا بعبيد سابقين ولا بمنحدرين من هؤلاء. وهناك عائلات مشهورة تنتمي إلي طبقة الحراطين قدمت مع قبائل بني حسان في القرن الخامس عشر والسادس عشر ومن المحتمل أن تكون أصولها صومالية أو إثيوبية أو يهودية. ويواصل الباحث إسلم ولد عبد القادر قائلا: (مهما يكن من أمر فإن مفهوم لحراطين قد ينطبق على فئآت سوسيو اقتصادية مندمجة في مختلف مستويات السلم الاجتماعي، وحيث اكتسب أحد منهم مكاسب مثل الحرية والوجاهة الاجتماعية يتحول إلي حرطاني لكنه يبقي تابعا لأسياده السابقين إن كان فقيرا (2) في أصول الرق: يرى الصحفي والباحث الحسين ولد محنض أن أصول أقدم رقيق يحتفظ بها التاريخ في موريتانيا تعود إلي قبائل إيزكارن وإيرناكن وكناروأغرمان وبافور وبني وارث وقبائل كنكارة السوننكية قبل قدوم صنهاجة، وقبل ظهور الإسلام، حيث مثلت هذه القبائل روافد الرق من خلال استعباد بعضها البعض انطلاقا من قانون الغلبة والسيطرة الذي هو أهم روافد الرق. ويرى الحسين ولد محنض أن كلمة حراطين مشتقة من ممارسة حرفة الزراعة حيث تطلق كلمة "اهرضنن" البربرية على القائمين على زراعة البساتين، وبهذا تكون كلمة حراطين أهرضنن البربرىة تعني الحراثين.  وبذلك ينتفي ما يراه البعض من أن حرطاني هي تصحيف لكلمة حر ثاني أو حر طارئ (3) ويؤصل الحسين ولد محنض الفكرة ويبسطها قائلا: وقد مثلت قبائل إيزكارن شأنهم في ذلك شأن إخوتهم إيرنكانن أول روافد الاستعباد المعروف في هذه البلاد، فقد اصطدمت قبائل إيزكارن بأفواج صنهاجة الأولي التي قدمت بلاد شنقيط مستهل العهد المسيحي، وما زال استعباد إيزكارن موجودا في التقاليد المروية للبيضان حتى اليوم، فيقولون آزكير اعبيد حيث يراد به العبد المنحدر من إيزكارن... وذكرت المراجع الوسيطة هؤلاء الإيزكارن باسم الزغرانيين ولم يزالوا معروفين في بلاد شنقيط باسمهم السلالي (إيثكرن) حتى عهد قريب حيث ذكرهم البرتغالي فرناندس الذي تحدث عن البلاد فيما بين 913هـ و914هـ َــ 15O6م و1507 م كإحدى الفئات الثلاث التي يتكون منها المجتمع الشنقيطي آنذاك، (العرب, أزناكة, إثكرن) (4). ويرى الدكتور حماه الله ولد السالم أن الجرمنت المعروفون محليا باسم اغرمان أغرومن هم أسلاف الكثير من الحراطين (5).  وهو ما يؤكده أيضا المحامي محمدن ولد إشد (6). ويقول الاستاذ والباحث محمد سالم ولد محمد في كتابه الرق في موريتانيا وأبعاده الشرعية والسياسية إن كلمة لحراطين أو (أحرضان) ما تزال منتشرة في الثقافة المخزنية في المملكة المغربية وبعض الجهات الريفية في الجزائر، حيث تعني لدى المغاربة: المجموعات السمراء المشتغلة في الأراضى الزراعية والتي شكلت لا حقا حرسا ملكيا مكين الدور في تاريخ الملوك المغاربة في الفترات المتأخرة، ولا تبعد في الجزائر عن نفس الدلالة (7). أما الرحالة الفرنسي (كاي) فيرى أن الحراطين ينحدرون من آباء بيض وأمهات زنجيات (8). ويعبر الأستاذ إسلم ولد عبد القادر عن الغموض المتعلق بمصطلح لحراطين بقوله: (إن هذا المعني قد ينطبق علي أشخاص ليسوا بعبيد سابقين ولا بمنحدرين من العبيد وهناك مجموعات تشابه الحراطين قد تكون منحدرة من سكان الكنكارة أو من تكوينات امبراطورية سابقة ربما كانت مستعبدة. وباعتبار أن أهم روافد الرق ومنابعه هو قانون القهر والغلبة فإن من المنطقي جدا أن يكون الكثير من الحراطين ينتمون إلي فئات اجتماعية تنتمي لمختلف فئات مجتمع البظان الحرة من زوايا وعرب وإيكاون وأزناكه وصناع تقليديين أخضعوا بعد أن غلبوا علي أمرهم للاسترقاق ليستغلوا في نشاطات وخدمات اقتصادية تدر دخلا على الأسياد، أما انتماء الكثير من هؤلاء الحراطين إلي المجتمع الزنجي بمختلف شرائحه الحرة فهي مسالة لا تحتاج إلي التأكيد، وسنتناول هذه المسألة بشيء من البسط والإيضاح في الفصل المتعلق بأصول الرق، وسنورد هنا على ذلك بالإشكالية الفقهية التي طرح استرقاق الأحرار مثالا على استرقاق الأحرار في هذه المنطقة يقول الفقيه محمد ابن أعمر التنبكتي ردا علي سؤال يتعلق بحكم استرقاق الأحرار: (الحمد لله وحده الجواب في مسألة الرق أما الرق فأصله الكفر وكفار السودان كهؤلاء.... أما من كان منهم مسلما كأهل كر وبعض زكزك وأهل كاشنة وأهل قوبر وماسي من أهل كزر وجميع سنغان كلهوي فلا يجوز تملكهم، وكذلك فلان كلهم لأنهم يتنازعون ويغير بعضهم علي بعض ويبيع بعضهم بعضا كالعرب الذين يعدون على الأحرار المسلمين يبيعونهم ظلما فلا يحل تملكهم بشيء من ذلك، ومن اعترف منهم أنه من تلك البلاد المعروفة بالإسلام كما ذكرنا وثبت أنه من تلك البلاد فيترك سبيه ويحكم له بالحرية حسبما أفتي بذلك فقهاء الأندلس كابن عتاب، فكل من ثبت أنه من تلك الجهة فالقول قوله فيما يدعيه من الحرية، ولم يخالف في ذلك من فقهاء الأندلس إلا ابن لبابة، وبنحو هذا حكم حكام فاس فيما يجلب إليهم من بلاد توات لا يستفسرون رسوم استرعائهم، وبهذا يحكم محمود قاضي تنبكت الآن، وهو يقبل قولهم من دون أن يكلفهم إثبات أنهم من تلك البلاد، ومن يتحري السلامة منكم لنفسه فلا يشتري منهم إلا من يسمي له بلاده وينظر أهو من بلاد الكفر أو بلاد الإسلام وهذه مصيبة عامة في هذا الزمان والله تعالي أعلم (9). قبائل صنهاجة التي استعبدت هذه المجموعات بسبب الحروب وصراع المصالح اجتاحها الأسر والسبي هي الأخرى إبان الفتح الإسلامي الذي قاده عقبة ابن نافع (62هـ ــ 681م) حيث تحولت أعداد كثيرة منها إلي رقيق.  وقد تواصلت الممارسات الاسترقاقية طيلة العهدين المرابطي وعهد الإمارات الحسانية العربية عن طريق الأسر الناتج عن الحرب تارة وعن طريق الخطف والبيع الناتج عن الفاقة والحاجة وتطور النخاسة تارة أخرى. أيديولوجية الرق: تعبر الثقافة الشعبية لمجتمع البيضان بأمثلتها وشعرها الشعبي عن مثال واضح لترسخ أيديولوجية الاستعباد وما يرتبط به من طبقية ونظرة تراتبية طبقية، ومن نافلة القول أن هذه الإيديولوجية هي مركب من مشترك يتزاوج فيه تراث وتاريخ الممارسات الاسترقاقية البربرىة والزنجية والعربية. ــــــــــــــــــــــــــــ المصادر والمراجع: 1- الميثاق التأسيسي لحركة الحر (نسخة شخصية ) 2- اسلم ولد عبد القادر: برنامج انتقاء وحل النزاعات العقارية مابين المجموعات في موريتانيا ص(16) 3- الحسين ولد محنض : الرق في موريتانيا التاريخ والميتلوجيا والفقه  4- نفس المصدر السابق  5- الدكتورحماه الله ولد السالم: تاريخ موريتانيا العناصر الأساسية ص(18) 6- نقلا عن كتاب الرق في موريتانيا وأبعاده الشرعية والسياسية للباحث محمد سالم ولد محمد ص(22) 7- نفس المصدر السابقص(22) 8- الدكتور محمد ولد محمدا : المجتمع البيظاني ص(68) 9- الدكتور يحي ولد البراء : المجموعة الكبري لفتاوي ونوازل غرب الصحراء

4. أبريل 2013 - 18:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا