دأب النظام الموريتاني على أن يدخل فضيحة مدوية، ويخرج منها للشعب وكأن قائده الجنرال قد غزى واشنطن، أو استرد القسطنطسنية، أو على الأقل حرر بيت المقدس بعد أن خاض معارك حطين وعين جالوت، كل ذلك في إخراج مسرحي رديئ، يعكف عليه أُناس مردوا على النفاق، والتفنن في لَيِ عنق الحقيقة وكسرها أحيانا كثيرة.
عندما خطط الجنرال للإنقلاب على الشرعية الدستورية، جيًش الجيوش وحشد أسراب من المرتزقة، ليقوموا بفبركة "مسيرة الجياع نحو القصر"، ليأتي هو على الدبابة وكأنه المنقذ لأهل هذا البلد من هلاك محقق، لكن سبق السيف العذل، وجاء بيان إقالته لقطع الطريق على تلك الخطة، فلم يكن منه إلا أن أقدم على الانقلاب جهارا نهارا وبوجه من حديد.
تربع البطل على العرش، وأقام نظاما من الأشرار الذين كانوا حوله، وأنفق الكثير من خيرات هذا الشعب على تدريبهم وترويضهم على استخدام "سحر العين" كأداة لهزيمة الخصوم، مستعينا بعمالقة السحر والمشعوين الأفارقة.
بداية الفضائح:
بدأت الانتخابات التي كان الجنرال فيها الخصم والحكم، وجاءه السحرة فقالو آإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم وإنكم لمن المقرببين...فجُمع الناس لميقات يوم معلوم، فقالت لهم المعارضة القوا ما أنتم ملقون..فسحرو أعين الناس، وأصبحت الباء تطير من كل حدب وصوب، لتتربع أمام الجنرال، وقالوا بعزة عزيز إنا لنحن الغالبون، فأصبحت الأوراق تقول كلنا عزيزيون...ورجع قادة المعارضة إلى أنفسهم، فقالوا لقد علمتم ما هؤلاء ينطقون، ثم نكسوا على رؤوسهم وانقلبوا خاسرين.
بعد تلك الفضيحة جاءت أخواتها تترى، وكان من أكثرها إثارة للجدل السياسي والتي كان فيها السحرة أيضا هم الغالبون، قضية الرصاصة التي قصمت قولون الجنرال، وهي فضيحة أخلاقية من العيار الثقيل الذي يجعل شعبا متدينا كالشعب الموريتاني، يلقي بصاحبها في اليم ليلقه اليم بالساحل وما أدراك مالساحل في هذا البلد، لكن "السحرة" أعادوا على هذا الشعب الكرة، ليبعثوا لهم الجنرال بعد موته، ويعود عودة الأبطال ويستقبل استقال أوردوكان أثناء قدومه من دافوس وكأنه هو.
محطات أخرى
وعندما اشتد الخناق على الجنرال من طرف المعارصة المطالبة بالرحيل، وقالوا له اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية...نادي في تلك الظلمات على السحرة فقال يأيها الملأ أشيروا على ولا تنظروني، فأشاروا عليه باستخدام "برام"، وكان من قبل فيه من الزاهدين، فاستغله في حرق الكتب والاعتدء على الدين، وحشَدَ له شِيعته ضعاف العقول من المستضعفين، واسترهبوهم وقالوا إن هذا "الجنرال" يشبه الصحابة والتابعين، وبعد أن انفرجت الأزمة تبين أن هذا مجرد مكر مكروه في المدينه ليخرجوا منها أهلها عن صوابهم وكانوا بهم من العابثين.
واليوم تأتي الفضية الكبري والتي من المفترض أن ينقلب فيها السحر على الساحر، لأنها تتجاوز في حدود اعتدائها على الشعب المغلوب على أمره، لتصل إلى كرامة وحريات الآخرين من مؤسسات وبنوك تجارية ودولية، فضيحة تبييض الأموال، وتجارة المخدرات، التي كان يمتهنها الجنرال قبل قيامه بالانقلاب، وكل ما ظهر منها حتي الآن نقطة في جنب ثور، بموازات ما خفيَ، ولا شك أنه في الأيام القادمة ستكشف بعثة البنك الدولي التي سربت معلومات عن قدومها إلى موريتانيا للتحقيق في الموضوع، المزيد من الجرائم.
وهذه المرة سيمرض الجنرال وسيذهب إلى فرنسا لكن ربما يكون الاستقبال هناك من حزب الخضر بدل أولاند، ويكون المقام في السجن بدل القصر، وسيشرب المرً من الكأس التي سقي بها هذا الشعب لسنين مديدة، وبعد فترة يتم رفعه إلى المحكة الدولية، لاستكمال الشفاء من غسيل الأموال هناك، ويتبين الشعب الموريتاني ما كان فيه من كيد السحرة، ومن عبث الفَجَرة، الذين باعوه في سوق النخاسة العسكري.
بقلم: محمد عبدو ولد أحمد