عندما تعتقل نخبة المهندسين وخيرة الشباب "الْمُحَلَّفِينَ" أمام القضاء يتاجرون بالأوراق الوطنية يجنسون الأجانب... فاعلم أنك هنا في بلاد السّيْبَةِ... حيث يصل منسوب الشعور الوطني إلى أدنى مستوياته...!
عندما يلقي الرئيس الدوري للمعارضة عشية ذكرى الاستقلال الوطني في جمهور الشباب المؤمن بلغة القرآن المعتز بلغاته الوطنية الحالم بالتغيير المنتشي بانتمائه الوطني خطاب الاستقلال بلغة "غْزَافْيَيهْ كَبُّلَانِي"...فتأكد أنك في دولة "إِمَالْزَنْ"...!
عندما يقال رأس السلطة القضائية بطريقة غير قانونية ويعلن رفضه وطلبه التضامن علنا ثم يبيع مقعده المستحق بسفارة في عاصمة الضباب على حساب أقوات الفقراء... فأنت مازلت هنا في المنتبذ القصي..!
عندما تتورط وزيرة خارجية دولة ما في تزوير جوازات دبلوماسية لأجانب دون محاسبة قانونية أو وخز ضمير أخلاقي... فأنت هنا في موريتانيا..!
عندما يختطف قائد الحرس الرئاسي المقال الرئيس المنتخب بسبب إقالته له... ويعلن زعيم المعارضة المهزوم في انتخابات "نزيهة" اعترف بنتائجها بعد ساعات "دعم الحركة التصحيحية".. فأنت هنا وعلى الضمير السلام..!
عندما يكون عَرَّابُ "الحوار" وزعيم منظمة "لاتلمس حواري" مر على معظم القطاعات الحكومية في عهد الفساد طيلة أكثر من عقدين من الزمن ولا يزال حتى اللحظة مؤمنا بإنجازات العقيد وبالفترة الذهبية "للتغيير في ظل الاستقرار" .. فأنت في نواكشوط..!
عندما يصبح مناضلا وطنيا ومصلحا سياسيا من عقد يوما ما مؤتمرا صحفيا مع "سِلْفَانْ شَالُومْ" وزير خارجية إسرائيل على شاطئ مرابط خيول الفاتحين وعلى أديم بلاد المنارة والرباط دون أن يكلف نفسه عناء الاعتذار للشعب أوحتى الندم على مافات...فأنت تواجه نخبة "تَنْقَرْدَةْ"..!
عندما يصبح رئيس الجمهورية منافسا لرجال أعمال كان لهم الفضل على حساب ديمقراطية الشعب في إيصاله إلى سدة الحكم تمويلا وترويجا وإسنادا فأنت هنا تشاهد أعلى درجات الغدر السياسي والجشع الاقتصادي والغبن الاجتماعي..!
عندما يُطْبقُ العلماء الصمت تجاه الظلم المشاهد يوميا على شرائح واسعة من المواطنين في مقدمتها ظلم "الاسترقاق" و "التمييز" ويزدحمون في "شاشتنا الوطنية" عندما ينطق الرئيس تسبيحا بحمده وتأصيلا لتحريم "زَازُو" فأنت هنا.. تواجه علماء الفتاوى حسب الطلب...!
عندما يتهم رئيس محكمة العدل السامية الرئيس الشرعي المنتخب بأبشع التهم دون محاكمة ويغض الطرف عن جرائم النظام الانقلابي العابث بالدستور بل ويتمادى في دعمه... فأنت هنا وتحت رحمة قانون القوة..!
عندما يكون القضاء جاهزا وبسرعة البرق لإعادة فتح ملف الأرز الفاسد بمجرد مايفكر ولد الواقف في مغادرة الأغلبية.. فأنت هنا حيث العدالة في جيب الرئيس وحيث التخندق في صف الأغلبية والولاء للرئيس براءة من متابعة القضاء..!
عندما... عندما... عندما...
قبل فترة نشر موقع "الأخبار إينفو" معلومات تفيد بعمليات تجنيس وتسجيل واسعة في المناطق الشمالية لمواطنين صحراويين , وقبل أيامعادت القضية من جديد مع اعتقال شبكة كبيرة لتجنيس الأجانب يشارك فيها مهندسون من مسيري مراكز الحالة المدنية.
إن الوقوف على هذه الحادثة المنكرة والمدانة يضعنا أمام واقع مر يتجلى أساسا في غياب الضمير والحس الوطني ليس فقط عند هؤلاء "الْمُحَلَّفِينَ" المختارين بعناية وفق مقاسات "امْرَبِّيهْ رَبُّو" وإنما عند أغلب النخبة الموريتانية من ساسة ومثقفين وإعلاميين..
فكيف يجرؤ من ظل على مدى عشرين عاما مديرا لأمن ولد الطايع يعتقل من يشاء ويعذب من يشاء ويبرر مايريد كيف يجرؤ على السير في دروب التغيير جنبا إلى جنب مع من نالتهم أياديه الباطشة ظلما وعدوانا.. ألم يكن التغيير "المفقود" الذي يبحث عنه الآن في متناوله..
ثم كيف يجرؤ على المطالبة بالرحيل من وصف "انقلاب الجنرال" على الديمقراطية "بالتصحيح".. ألست أول من بايعه وهو الانقلابي أولا وأخيرا.. وإذا سلمنا جدلا أنه خطؤ سياسي وكبوة جواد فلم لم يكلف نفسه تحرير بيان اعتذار للشعب.. إنه الاستخفاف بالمواطن واحتقار ذاكرته الضعيفة..!
ثم كيف يجرؤ من يوصف بأنه أحد قادة الحركات القومية "المؤمنة" بالديمقراطية المنتشية بانتماءها الوطني على الاعتراف نهارا جهارا أنه ظل حتى وقت قريب يتعامل مع دكتاتوريي الدول الأجنبية للتدخل في قضايانا الداخلية أليس هذا مسا بالسيادة الوطنية.. ثم يواصل اعترافاته أنه كان يتعامل مع الجنرالات في السياسة ويتعاطى معهم قضايا السياسية الخارجية للبلد من تحت الستار.. وفي ظل الرئيس المنتخب ..
كيف يجرؤ رئيس الجمهورية حامي حمى الوطن والمواطن بنص الدستور على العمل جهارا للحد من الدور الريادي والدبلوماسي لموريتانيا من خلال مضايقة أطرها الأكفاء الذين أنتدبتهم منظمات إقليمية ودولية لتأدية أدوار نجحوا فيها إلى أقصى حدود , ليعمل هو على إقالتهم والسبب المباشر هو عدم مسايرتهم له حتى ولو لم يعلنوا معارضته لتفقد موريتانيا تلك المناصب والنجاحات الديبلوماسية لصالح دول أخرى والسبب المباشر.. ضيق الأفق وانعدام الرؤية الشاملة.
إنها وببساطة نماذج قليلة مما تعانيه نخبتنا السياسية من احتقار للمواطن وغياب للحس الوطني واستهزاء بالذاكرة الجماعية لهذا الشعب المسكين... يستوي في ذلك المعارض والموالي إلى حدما.. وإن كانت الموالاة اكثر وقاحة وانكشافا وأقل حبكة واكثر فسادا واستهتارا بمشاعر الشعب..
قبل الختام على هذه الصورة القاتمة ثمت رجال مخلصون صدقوا الوطن ماعهدوه عليه من وفاء وتضحية وإخلاص فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. فيهم شباب آمنوا بالوطن ويدفعهم أكثر من أي وقت مضى فساد نخبة "لَخْرُوطِي" إلى الإيمان بحتمية التغيير.
عبد الله ولد اخليفة
06/04/2013