فتبينوا ... / سيدي يحيى ولد محمد ولد عبد الوهاب

altطالعتنا بعض المواقع الأسبوع قبل المنصرم بنشر بعض الأخبار والأراجيف المشفوعة بتسجيلات لا يرقى الجميع إلى أبسط مستويات المصداقية ،حاول أصحابها النيل من عرض فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، والعجب كل العجب ليس في نشر المواقع لهذه الأراجيف – فقد عودتنا الكثير

 من مواقعنا على نشر الغث والسمين والقوي والضعيف – بل الأعجب أن ينبري بعض الكاتبين والمعلقين - ممن يقطر عيوبا – ليرتب على أساس تلك الأخبار بعض التحليلات والفرضيات ،كما لو كان خبرا منقولا بالتواتر في جميع طبقات ناقليه . ومما لا يخفى على ذي لب أن البرامج الألكترونية الحديثة التي يعرفها الصغار في عصرنا الحاضر قبل الكبار ،والمبتدءون قبل المتخصصين يمكن من خلالها فبركة الصوت والصورة بطريقة عجيبة ، فمثلا بإمكانك تحويل صوت الرجل إلى صوت امرأة والعكس ، وبإمكانك أن تجمع كثيرا من التسجيلات والكلام لشخص ما ، فتنتقي منه بعض الكلمات والمفردات وتصوغ منها كلاما لذلك الشخص على حسب ما يحلو لك... لذلك فإن التسجيلات والصور لا يعتد بها دوليا في إثبات معلومة أو نفيها عن شخص إلا بعض عرض تلك البيانات على أجهزة ومختصين يميزون مدى صدقها من زيفها .

وعلى فرض صحة نسبة تلك التسجيلات إلى أصحابها فليس فيها ما يكفي من الأدلة لاتهام أو إدانة شخص ما ، إذ من المعروف عند الأصوليين ان الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل الاستدلال به ، لا سيما إذا كان مدار الرواية كلها على ذلك الراوي المزعوم الذي يقر على نفسه بالعمالة والجاسوسية.... وربنا عز وجل يقول في محكم كتابه ( يأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندمين ) وفي قراءة حمزة والكسائي وخلف من القراء العشر (فتثبتوا ) قال الإمام الشافعي رحمه الله في تفسير هذه الاية  :أمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون متثبتاً قبل أن يمضيه ، وقال الحسن البصري : والله لئن كانت نزلت في رجل (يعني قوله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء . (معرفة السنن والآثار7/356 )  وقال أبو بكر الجصاص : مقتضى الآية إيجاب التثبت في خبر الفاسق والنهي عن الإقدام على قبوله والعمل به إلا بعد التبين والعلم بصحة خبره (أحكام القرآن5/278)  .

إن من رزقه الله قلبا سليما ودينا قويما لا يحمله الاختلاف في وجهات النظر مع شخص ما على أن يحاول النيل من عرض المخالف وشرفه وأمانته بغيرعلم ولا هدى ولا بينة ، ولكن البعض – للأسف – يجادلون في الحق بعد ما تبين ،وترى نفوسهم الموت من قبوله أهون ، لا يعجبهم العجب ولا الصيام في محرم أورجب ، فلكأنما عناهم قعنب بن أم صاحب بقوله :

إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحا    عني وما سمعوا من صالح دفنوا

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به      وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

أو من قال :

إن يعلموا الخير أخفوه وإن علموا    شرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا

أما أنا فأقول – لا تكلفا ولا تزلفا – إن فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد دخل التاريخ من بابه الواسع لكونه بحق أول رئيس لموريتانيا ينشأ إذاعة للقرآن الكريم في بلاد شنقيط ،وأول رئيس يؤسس جامعة إسلامية متكاملة بكلياتها وأقسامها ،وأول رئيس يطبع المصحف الشريف بالخط الشنقيطي المغربي العتيق على الرواية المقروء بها في الغرب الإسلامي رواية ورش ،وأول رئيس سن بناء المساجد وتشييدها واستحدث لذلك بندا في ميزانية الدولة الموريتانية ،وأول رئيس رتب رواتب شهرية للقائمين على بيوت الله تعالى ،وأول وأول .... ناهيك عن مشاريع البنى التحتية العملاقة كمشروع مطار نواكشوط الجديد ،ومشروع المركب الجامعي ،ومشاريع الطرق والمدن الجديدة التي أنشأت... .وليس هذا معرض تعداد الإنجازات في عهده ،لكن الذي أكاد أن أجزم به أن صاحب هذه الإنجازات ليس هو الذي تتكلم عنه ألسنة وأقلام بعض من ملأ الله قلبه ووطابه حسدا وضغينة إبان هذه الزوبعة القائظة :

تصامم عن الهاجين صفحا فلم يجد     هجاهم إلى تدنيس عرضك سلما

وقال آخر :

هجوك ولم يعلق بأثوابك الهجا            فأنت نضار إنما يصدأ الصفر

ولئن كانت الحرية المطلقة للكلمة وحرية الصحافة مكفولة في عهد فخامته بدرجة الصدارة عربيا ،فليعلم كل كاتب وكل متكلم أنه سيسأل بين يدي الله عن كل كلمة فاه بها أو سطرها يراعه ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )

وما من كاتب إلا سيفنى      ويبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء      يسرك في القيامة أن تراه

وليس معنى أن يكون الشخص رئيسا أو مسؤولا ما ،أن عرضه مباح مشاع بين الناس فتجد بعض الكتاب والمعلقين يجعل سب ولاة الأمور فاكهته اليومية في وسائل الإعلام ، ويعدون ذلك جرأة وصعدا بالحق، وهو من الحق أبعد ، إذ كيف يكون صدعا بالحق وهو مخالفة صريحة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي عنهم ، أخرج ابن أبي عاصم في كتاب السنة بسند جيد (1015) عن أنس بن مالك رضي الله قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تعصوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب .

وفي الختام أهيب بنا جميعا حكاما ومحكومين كاتبين ومطالعين... أن نتقي الله في أوطاننا ولنعلم أن موريتانيا لنا جميعا ، وكل واحد منا مرابط على ثغر من ثغورها فعليه أن لا تؤتى من قبله ، وانتماؤنا إلى وطننا غير مرتبط بأشخاص ولا مناصب ،غنم وغرم هذا الوطن لنا وعلينا ، ولا ننتظر أن يأتي إلينا الصينيون أو اليابانيون ... ليبنوا لنا أوطاننا ، فلنترك السباب والشتائم والمزايدات .. وكل ما لا ينفعنا في الدنيا ولا في الآخرة ، وليقدم كل واحد منا من موقعه أقصى ما يبلغ وسعه في سبيل تحقيق بناء الوطن ، حفظ الله بلاد شنقيط وساكنيها من كيد الكائدين وحقد الحاقدين ، انه ولي ذلك والقادر عليه  .

  [email protected]

6. أبريل 2013 - 19:46

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا