عندما علمت بقدومكم إلى بلدكم موريتانيا، في إطار اجتماع أمانتكم العامة، كان أول شيء يخطر ببالي هو أني فكرت في أن أكتب لكم هذه البرقية العاجلة، وذلك لأوصل لكم رسالة غير مشفرة لن يوصلها لكم غيري من أبناء هذا البلد، وذلك لأسباب لن تغيب عنكم. ولا أخفيكم
بأني كنت قد عَدلت عن كتابة هذه البرقية بعد أن كنت قد قررت ذلك، ثم عادت لي الفكرة، ثم عَدلت عنها، ثم عادت من جديد، وبشكل حاسم، وذلك بعد أن أقنعت نفسي بأنكم ستقرؤون الرسالة على حقيقتها، ولن تجعلكم صراحتها تشكون ـ ولا لحظة ـ في صدق وعمق الحب والاحترام الذي يكنه لكم كاتبها.
فأن أخاطبكم بنفس الأسلوب الصريح الذي عادة ما أخاطب بها إخوتي الموريتانيين، فذلك بالنسبة لي هو أقوى دليل يمكنني أن أستدل به على أني لا أفرق بينكم أنتم والموريتانيين. أما الدليل الثاني الذي يمكنني أن أقدمه لكم هو أني لن افتتح هذه البرقية بكلمات الترحيب، لأنه لا يحق لي، وأمامكم أنتم بالذات، أن أتظاهر بأني صاحب الدار، وبأنكم أنتم الضيوف الذين يجب عليَّ أن أرحب بهم، وذلك من قبل أن أكلمهم، أو أحدثهم، أو أعاتبهم حتى، فالأخ لا يحتاج ـ في العادة ـ لعبارات الترحيب إذا ما أراد أن يعاتب أخاه على عجل.
واعلموا يا إخوتي الأعزاء بأن هناك خلقا كثيرا في بلدكم الذي يستضيفكم في أيامكم هذه، يعرف عن بلدانكم التي جئتم منها، أكثر مما يعرف عن بلدكم هذا، الذي يستضيف اجتماعكم هذا، في أيامكم هذه.
فهناك موريتانيون يعرفون عن فلسطين أكثر مما يعرفون عن موريتانيا، ويهتمون بتفاصيل ما يجري فيها من أحداث يومية أكثر من اهتمامهم بما يجري في موريتانيا من أحداث.
وهناك موريتانيون يعرفون عن مصر أكثر مما يعرفون عن موريتانيا، ويهتمون بتفاصيل ما يجري فيها من أحداث يومية أكثر من اهتمامهم بما يجري في موريتانيا من أحداث.
وهناك موريتانيون يعرفون عن العراق أكثر مما يعرفون عن موريتانيا، ويهتمون بتفاصيل ما يجري فيه من أحداث يومية أكثر من اهتمامهم بما يجري في موريتانيا من أحداث.
ونفس الشيء يحدث مع موريتانيين آخرين عندما يتعلق الأمر بالمغرب، أو بقطر، أو بليبيا، أو..أو...
وبطبيعة الحال فإن هؤلاء كثيرا ما كانوا يتألمون كلما فاجأهم صحفي عربي بتقديم معلومات مغلوطة عن بلدهم سواء كانت تلك المعلومات المسيئة والمغلوطة ملفوفة في تقرير أو في خبر تبثه قناة شهيرة، أو في مقال تنشره جريدة.
ولا أريد أن أقدم هنا أمثلة محددة..فكم من تقرير حُذفت فيه موريتانيا من قائمة الدول العربية عندما احتلت موقعا متقدما، وقليلا ما تحتل مثل تلك المواقع المتقدمة.
أما في الحالات التي تكون فيها موريتانيا في أسفل اللائحة (الأمية، الفقر...)، وكثيرا ما تكون ـ وللأسف الشديد ـ كذلك، فإن الصحفيين العرب في تلك الحالات لا ينسون عروبة موريتانيا، ولا عروبة الصومال وجيبوتي.
وكم من مرة نسي الصحفيون العرب أن موريتانيا كانت هي أول دولة عربية تجرى فيها مناظرة بين مرشحين للرئاسة، ولكنهم لا ينسون أبدا الوجه الآخر لموريتانيا التي تكثر فيها الانقلابات.
وكم من مرة تألمنا على هذه الأرض بسبب تقرير أو مقال كتبه صحفي عربي في جريدة عربية، وتحدث فيه عن موريتانيا كما يتحدث تلميذ في الصف الأول إعدادي، بل وربما أسوأ مما يتحدث به تلميذ الصف الأول إعدادي.
فموريتانيا الدولة المسلمة 100% قد يحولها صحفي عربي إلى دولة إفريقية ذات أقلية مسيحية.
إنها أخطاء كثيرة ومتنوعة يرتكبها بعض الصحفيين العرب، وأقول بعض الصحفيين العرب، في حق بلدهم هذا، نرجو لها أن تتوقف بشكل كامل.
وتبقى هناك رسالة أخيرة ليست لكم، وإنما هي لرئيسنا، وأتمنى أن توصلوها له لحظة تسليمكم له درع الحرية للعام 2012. وتتلخص هذه الرسالة فيما يلي: ليس من المناسب لرئيس تم منحه درع الحرية أن يختزل وزارة الإعلام في بلده إلى وزارة إعلام خاصة بحزب واحد، وهو حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
فوزير الإعلام هو قيادي في الحزب الحاكم.
والأمين العام لنفس الوزارة هو قيادي في الحزب الحاكم.
والمدير العام للتلفزة الموريتانية هو قيادي في الحزب الحاكم.
والمدير المساعد لنفس التلفزة هو قيادي في الحزب الحاكم.
ومدير الوكالة الموريتانية للأنباء قيادي في الحزب الحاكم.
أما مدير الإذاعة فهو قيادي في كل حزب حاكم، ولا يحتاج لإعلان ذلك.
فهذه التشكيلة التي تدير اليوم وزارة الإعلام الموريتانية، والمؤسسات التابعة لها (تلفزيون، إذاعة، وكالة) ليست هي التشكيلة المناسبة لرئيس تم منحه درع الحرية، كما أنها لا تتناسب إطلاقا مع نتائج الحوار الذي طالما تغنى به أنصار النظام الحاكم.
طاب مقامكم، وحفظكم الله، وحفظ موريتانيا.