كلمة ســـــــــــــــــواء / سعدبوه الشيخ سيدي محمد

يكاد يجمع أهل الرأي وسدنة الحرف في هذه الأيام على انتقاد حالة الاستقطاب الحاصلة بين المعارضة والنظام حتى صار الاثنان ومواقفهما محل استهجان وتندرأغلب هؤلاء على أعمدة الرأي وصفحات التواصل،بل إن الجيوش المجيشة أصلا من قبل هذا الطرف أوذاك لتسويق آرائه والدفاع عن وجهة نظره توشك أن تتحول إلى شاهد إثبات ودليل إدانة على مواقفهما المتحجرة وعجزهما عن التقدم خطوة للخروج من المأزق وتجنيب البلاد تبعات استمراره ومخاطر تطوره.

والحق أن أداء الطرفين هذه الأيام لايمكن أن يقنع صاحب فطرة سليمة يقوم الأمورعلى أساس من مراعاة المصلحة العامة للبلد إذ من ذا الذي يرضى لبلده أن يبقى رهين صراع ديكة ينقر كل واحد منهم الآخر حتى يدميه ثم يخلد إلى الراحة برهة ليعود إلى المعركة من جديد ؟

إننا نفقد كل يوم جزءا من أمل دولة العدالة والديموقراطية التي ننشدها ونحلم بأن نتفيأ ظلالها ذات يوم بفعل حالة المراوحة هذه والأخطر من ذلك أننا نقتل هذا الأمل في قلوب شبابنا المتحفز للحاق بركب الانسانية السائرإلى عوالم الحرية والانعتاق،وبناءعلى ذلك فنحن نعتقد أنه حان الوقت لنرفع معا الراية الحمراء في وجه الطرفين ونفتح عيونهما على حجم الإساءة التي يوجهانها للأمة بفعل سياسة "صراع الديكة" التي ينتهجانها ويسوقان بها البلد إلى المجهول.

من هنا تأتي هذه المشاركة  المتواضعة تعبيرا عن جهد المقل للمساهمة في البحث عن موقف وسط يمكن أن نجر إليه الطرفين لكسر حالة الجمود الراهنة وتجنيب البلاد نذر مخاض عسير يمكن أن يدفع بها ـ عكس التيارـ في أتون صراع يجعل العجلة تدور إلى الوراء بما يعنيه ذلك من احتمالات السقوط في وهدة سحيقة من التخلف والاضطراب.

و التشخيص الذي نقدمه في هذا المجال يستلزم في البداية توصيفا للمشهد بغية التذكير بالأرضية التي يقف عليها الطرفان لنخلص بعد ذلك إلى خطاب للطرفين يتضمن مانراه مواطن خلل في مواقفهما على أن نحدد بعد ذلك ما يجب أن يكون"كلمة سواء" يمكن بل يجب الإلتقاء حولها لحلحلة المواقف والعبور بالبلاد إلى برالأمان.

1ـ في توصيف المشهد

إن أي محاولة لتوصيف خلفيات الصراع السياسي الحاصل اليوم ستقود لامحالة إلى انقلاب 2008 الذي رسم خريطة سياسية يتجاذبها طرفان أولهما مثلته جبهة الدفاع عن الديمقراطية التي تداعت إلى تأسيسها الأطراف الر افضة للانقلاب ممثلة أساسا في الأحزاب المشاركة في أغلبية الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله الموؤودة، بينما مثل الطرف الثاني جنرالات الجيش الخارجين من ثكناتهم لإحكام قبضتهم على المشهد السياسي بعد أن أقالهم الرئيس المخلوع ، وقد كان المشهد من البداية لصالح الجبهة بما تمتلكه من شرعية الدفاع عن النظام الديموقراطي الوليد على حساب جنرالات الجيش المجردين من أي شرعية إلا شرعية السلاح وسارت الجولة الأولى من هذا الصراع على هذا النحوإلى أن انتهت باتفا ق دكار الذي وقعه الطرفان على أنه نهاية للأزمة ، ثم اتجه الطرفان إلى تطبيق بنود الاتفاق وما إ نتهت الانتخابات الرئاسية حتى عاد الطرفان إلى الصراع من جديد بنبرة تهبط تارة وترتفع أخرى إلى أن وصلت إلى ماهي عليه اليوم.

2ـ عن المنسقية

لقد ارتكبت جبهة الدفاع عن الديمقراطية خطئا استراتيجيا جسيما تمثل في قبولها لاتفاق دكارالذي أعطى للانقلابيين شرعية كان من دونها خرط القتاد ، لكن خطأ منسقية المعارضة ـ الوريث الشرعي للجبهة ـ عندما حاولت التملص من استحقاقات اتفاق دكاربعد أن قبلته الجبهة ووقعت عليه وروجت له على رؤوس الأشهاد، كان أكبر و أعظم ،ذلك أن الحفاظ على الديموقراطية الناشئة في هذه البيئة الموبوءة يتطلب شجاعة من المنسقية في تحمل المسؤولية والاستعداد لدفع ثمن خطيئة اتفاق دكاركاملا ترسيخا للقيم الديموقراطية وإعلاء للمصلحة العليا للبلاد، لكنها للأسف لم تفعل بفعل وقوعها تحت تأثيرإغراءات الربيع العربي وتعطشها الزائد للسلطة وعدم تجانس وانسجام مكوناتها ،وهي أشياء دفعتها إلى مزيد من الأخطاء السياسية الجسيمة أوصلها في النهاية إلى رفع شعار الرخيل والمطالبة بإسقاط النظام.

إن رحيل النظام في ثورات الربيع العربي لم يكن مطلبا وإنما كان استحقاقا فرضته ظروف وتراكمات كثيرة على ذلك فالرحيل ليس شعارا يحمل وإنما واقع يفرض عندما تنضج أسبابه وتتهيأ ظروفه ومتطلباته ، وعليه فإن رفع منسقية المعارضة لهذا الشعار كان خطئا كبيرا طالما أنها لم تستطع أن تجعل منه استحقاقا من خلال الاستغلال الجيد لحماس جماهيرها واستعدادها للتضحية مما سبب لها حرجا كبيرا وجعلها محل سخرية وتندر.

3 ـ عن النظام

ولعل خطأ نظام الجنرالات الأكبراعتقاده عندما كسب جولة اتفاق دكار أنه قد كسب المعركة كلها وبالتالي فقد خلا له الجوليسرح ويمرح تحت عباءة كونه نظاما ديموقراطيا منتخبا متجاهلا بذلك التطور الهائل  في عقليات المحكوميين فضلا عن استحقاقات المرحلة،أضف إلى ذلك استخدامه لنفس أساليب ووسائل الأنظمة السابقة في تسيير الحكم مما فتح عليه نارا من الغضب توشك أن تجعل مصداقيته أثرا بعد عين.

إن النظام الديموقراطي ليس مجرد شعارات فارغة يحملها هذا الطرف أوذاك،إنه تربية وممارسة وسلوك قبل أن يكون شعارا وترشحا وانتخابا، والاحتكام الزائف إلى صناديق الاقتراع الذي تقرع لأجله طبول حاشية النظام هذه الأيام لايمكن أن يخدع أحدا بالمرة لأن شعبنا خبرأنظمة الزيف الديموقراطي منذ سنين وأصبح عصيا على التغرير به وتزييف إرادته فقد شب عن الطوق وصار باستطاعته أن يفرض على أي نظام أن يحسب له ألف حساب.

4 ـ كلمة سواء

إن على منسقية المعارضة أن تتخلى عن مطلب الرحيل وإسقاط النظام إذ هي عاجزة عن أن تقنع به جماهيرها فأحرى أن ترغم النظام عليه،وإن عليها أن تعتاض عن هذه المطالب بمطالب إصلاحية واقعية تخدم البلد وتسهم في ترسيخ تجربته الديموقراطية، كما أن على النظام أن يتخلى عن صلفه وغروره ويعمد إلى إشراك خصومه والتشاور معهم بشفافية تامة ،إن وقائع الأحوال تثبت اليوم أن مصداقيتهما تنزف بشكل مستمروإن لم يبادرا إلى وقف ذلك النزيف فإن طرفا ثالثا ستمتد يده أثناء جولة من جولات "صراع الديكة" ليخطف ثمرة أنضجتها المعارضة بنضالها اليائس والنظام بصلفه وغروره ولن ينفع النظام عندها ترقية الجيش بأكمله إلى جنرالات ولن تجد المعارضة يومها في رحيله ملامح الحل الذي تريد.

10. أبريل 2013 - 10:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا