صحيح أنه حينما تتسع الرقعة الترابية تصبح السيطرة على الأرض أكثر صعوبة ،خصوصا حينما تكون تلك الرقعة معرضة أصلا للتسيب المقصود من طرف البعض.
في الأشهر الماضية ظهرت في نواكشوط جرائم يندى لها الجبين ،قتل واغتصاب ،البعض منه في وضح النهار وأمام مرأى ومسمع من العالمين،تمنى كثيرون الرحيل عن هذه الأرض المشؤومة والمغضوب عليها، بفعل الجرائم وقتل النفس دون وجه حق.
لكن المتابع للشأن الأمني في نواكشوط يدرك جيدا أن لا شاردة ولا واردة تفوت على الشرطة التي خبرت العاصمة على مدى عشرات السنين وأحصت كل الخارجين على القانون، الباحثين عن لقمة عيش في جيوب الآخرين.
كثر الهرج عن تغافل الشرطة عن هذه الجرائم ردا على تهميش القيادة العليا لقطاع عرف بولائه لأحد رموز معارضة النظام وإن كان ثمت سؤوال غائب؟.
كان إنشاء سلطة جديدة تعنى بأمن الطرق أمر ضروري في ظل سوء العلاقة بين المواطن والشرطة التي أصبحت في فتراتها الأخيرة مجرد محصل لايهتم إلا بما يعود به عند نهاية كل دوام،فجاء أمن الطرق كرد طبيعي وكخروج من مأزق مثله تعدد الجنرالات وغياب أي عمل لهم في جيشنا الصغير المشتت بكثرة جنرالاته وصغر حجمه.
لم يدم أمن الطرق طويلا في انضباطهم فدخلوا هم أيضا في معركة حلب ضرع المواطن البسيط، المنهك فبعل عوامل لعل أبسطها غياب أي دعم من الدولة التي أصبحت تنظر إليه على أنه بقرتها الحلوب.
تصور أمن الطرق أن مهمتهم تقتصر فقط في جمع الإتاوات التي يطلقونها دونما دراية سوى أن هناك أوامر عليا أصدرت قرارها وانتهى الأمر.
لم تتوقف الجرائم ولم يشعر المواطن السائر في شوارع عاصمته المتهالكة بالأمن مع وجود عناصر أمن الطرق بل ازداد الخوف مع اكتشاف العديد من المجرمين الخارجين من صفوف هذا التجمع ـ وإن كان ذلك عائد إلى عدم وجود أية معايير من خلالها يتم تجنيد هؤلاء سوى الزبونية والقرابة ـ هل كان ذلك عن قصد أم........؟
دخلت الدولة الموريتانية معركة استتباب الأمن بكل ماتملك قاذفة بالدرك الوطني المعروف باحترامه للقانون إلى أرضية المعركة الوهمية ،فكانت أصوات سيارات الدرك كل مساء وهو خارج من ثكناته تذكر كل الذين حلموا بدولة يسود فيها العدل والتسامح أن كل ذلك ولى إلى غير رجعة، وأن عهد الأمن والرخاء بعيدا عن حراسته بفوهات المدافع بات حلما يصعب تحقيقه.
لم يكن خروج الدرك من ثكناته مفاجئا خصوصا لما عرف عنه من احترام وتقدير يكنه أبناء هذا الشعب رغم بعض المنغصات في أوامره العليا.
لكن المفاجئة كانت أكبر عندما اتضح فيما بعد أن جميع رجال أمننا من شرطة وأمن طرق ودرك يبحثون عن هدف وحيد،ـ ليس ذاك الذي تضرر منه ساكنة نواكشوط ـ لا فصدقت تلك المقولة الشهير في موروثنا الحساني "يومه ما أتخلي العيل".
لم يتناقص عدد الجرائم ولم يعلن عن إلقاء القبض على المخربين ولا على الذين عاثوا في عاصمتنا فسادا، وإنما أعلن المواطن البسيط حالة الطوارئ ووقع ورقة إفلاسه.
ففي دولة يتضح انهيارها يوما بعد يوم، لاتملك القيادة فيها وهي تخشى من جنرالات باتوا يفرقعون أصابعهم، إلا أن تقدم لهم بديلا يكون فيه دخل يلهيهم ولو إلى حين.
فهل وصل الانحطاط بدركنا الوطني درجة أن يرضى من الغنيمة بالإياب؟ وأن يكتفي بأن يكون محصلا للأتوات التي يدرك أفراده جيدا أنها ظلم في حق شعب لايستحق كل هذا؟.
فهل استكثر الجنرالات على صديقهم في أمن الطرق لقمته فشاركوه فيها؟.
يعز علي وأنا أرى في وضح النهار شيوخا من ذلك الجبل الشامخ وتلك الأسطورة الخالدة وهم يسائلون السائقين على جنبات الطرق عن ضريبة الطرق وعن ضريبة البلدية وكأنه لاشغل ولامشغلة.
فهل نسي هؤلاء أن لهم تاريخا يمنعهم من مثل هذا حتى ولوكان بأوامر عليا؟
أم أنه الزمن الرديء في عام الرمادة دون منازع؟.