تعريب إجراءات الصفقات العمومية : واجب دستوري ومطلب تنموي / محمد الأمين الفاضل

يشكل تعريب إجراءات الصفقات العمومية مسألةً بالغةَ الأهمية بالنسبة لنا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، ولذا فقد وَجهنا بعد أقل من شهر من الإعلان الرسمي عن انطلاق الحملة رسالتين، إحداهما إلى رئيس مجلس سلطة تنظيم الصفقات العمومية، والثانية إلى رئيس اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية، وقد طالبنا في الرسالتين بالمسارعة في تعريب كل إجراءات الصفقات العمومية احتراما للمادة السادسة من الدستور الموريتاني، وصونا لقواعد الإشهار للعموم، وعملا بشفافية الإجراءات، وبحق الولوج للطلبية العمومية.
للأسف الشديد لم يتغير أي شيء بعد عام ونصف تقريبا من توجيه تلك الرسائل، فما زالت القطاعات الحكومية، وبما في ذلك الوزاراتُ السياديةُ، تشترط إلزامية استخدامَ اللغة الفرنسية فقط في كل مراحل إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية (العروض؛ العقود؛ المراسلات ...إلخ).
وما زال الموقعُ الرسمي لسلطة تنظيم الصفقات العمومية ينشر باللغة الفرنسية فقط، والموقع الرسمي للجنة الوطنية لرقابة الصفقات العمومية توجد على واجهته الآن أكثر من 17 محضرا ( حصيلة ما مضى من العام 2023)  لم يترجم منها محضر واحد إلى اللغة العربية ( اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية).
إن هذا التعامل الذي لا يليق باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية في كل إجراءات الصفقات العمومية يَفرضُ علينا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية أن نتحركَ، وأن نستخدم كلَّ الوسائل المتاحة لنا من أجل تصحيح هذه الوضعية الغريبة، خاصة وأنها لا تشكل فقط انتهاكا لروح الدستور الموريتاني، بل إنها زيادة على ذلك تخل بمبادئ الشفافية ومحاربة الفساد، وتؤثر بشكل سلبي على الكثير من المشاريع التنموية.
إن واجب الإشهار والنشر الذي يعد من المبادئ التي تقوم عليها الصفقات العمومية لن يتحقق إلا باستخدام اللغة العربية، فاستخدام اللغة العربية هو ما سيُمكن الجمهورَ من أن يطلع على ما يجري في الصفقات العمومية، الشيء الذي سيفعل الرقابة الشعبية على الصفقات العمومية، في حين أن إبقاء اللغة الفرنسية كلغة وحيدة في إجراءات الصفقات العمومية سيحرم أكثر من 90% من الموريتانيين من الاطلاع على تلك الإجراءات، وهو ما سيعني الغيابَ الكاملَ للرقابة الشعبية، والتي تشكل شرطا أساسيا في أي محاربة جادة للفساد.
كما أن اشتراط اللغة الفرنسية لوحدها في إجراءات الصفقات العمومية ( ولا ندري لماذا يتم اختيار اللغة الفرنسية لوحدها دون بقية لغات العالم؟) يخل بمبدأ هام من مبادئ الصفقات العمومية، ألا وهو حقُ الولوج إلى الطلبية العمومية، هذا فضلا عن كونه سيحرم حملةَ الشهادات باللغة العربية من العمل في مجال تُنفق عليه في كل عام من ميزانية الدولة مئاتُ الملياراتِ من الأوقية القديمة.
إنه لمن المستغرب حقا أن يستمر اشتراطُ اللغة الفرنسية كلغة وحيدة للصفقات العمومية، في بلد تعتبر اللغة العربية هي لغته الرسمية الوحيدة، ومما يزيد الأمر استغرابا:
1 ـ  أن مكتب الدراسات الذي يكون رؤساء وأعضاء لجان الصفقات في موريتانيا هو نفس المكتب الذي يقوم بدورات تكوينية في بعض البلدان العربية باللغة العربية. مما يعني أن المكتب قادر على التكوين على إجراءات الصفقات باللغة العربية، ولكن المشكلة أن الوزارات والإدارات والقطاعات المعنية لا تطلب التكوين للجان صفقاتها إلا باللغة الفرنسية؛
2 ـ أن شركاءنا في التنمية، وخاصة البنك الدولي يشجعون على أن تكون اللغات الوطنية هي اللغات المستخدمة في الصفقات العمومية المحلية، ولذا فقد تكفلت بعض تلك المؤسسات بتعريب بعض الوثائق النموذجية للصفقات العمومية. في بلد كالسنغال نجد مثلا أن المحاضر المتعلقة بالصفقات العمومية تتم ترجمتها إلى اللغة الولفية؛
3 ـ أن تمويلات الصناديق والهيئات العربية والإسلامية تمثل نسبة 60% من محفظة التمويلات الخارجية، حسب ورقة أعدها "تجمع كفاءات"، وأن بعض هذه الهيئات أصبح يشترط  تعريب كل الوثائق المتعلقة بالمشاريع التي يمولها، وهو ما ترضخ له في النهاية القطاعات المستفيدة من تلك التمويلات.
بناء على ذلك فيمكننا أن نستخلص ودون عناء أن تعريب لغة الصفقات العمومية يشكل مطلبا ملحا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، ولترسيخ الشفافية، وأن كل الوسائل متاحة لتحقيق هذا الواجب الدستوري والمطلب التنموي، وتبقى الجهات المعنية بالصفقات العمومية هي من يقف عقبة أمام تعريب لغة الصفقات العمومية، وإن استمر الحال على هذا الحال فإن الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية ستلجأ إلى القانون، وستستخدم كل ما هو متاح لها في هذا المجال، لتصحيح هذه الوضعية المخلة.
كانت تلكم كلمتي في الندوة التي نظمته الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية عن تعريب إجراءات الصفقات العمومية.
حفظ الله موريتانيا 

 

5. مارس 2023 - 10:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا