الإعلام بين ضعف الأسس، إكراهات الحاضر و ضبابية المستقبل/ الولي ولد سيدي هيبه

فيما يشبه المعجزة اجتاز، عند مطلع التسعينات من القرن المنصرم، المتحمسون و المهتمون بالإعلام و مجالاته و تطبيقاتها في موريتانيا مرحلة التأسيس الصعبة وسط غياب تام لأية منطلقات مهنية أو علمية. و هم في ذلك لم يختلفوا عن من سبقوهم من الرعيل الأول بعيد إعلان الاستقلال الوطني بداية 

الستينات اللهم في الفرصة التي أتاح لهم إياها، كمتأخرين، تحول عميق جرى على حين غرة في حال العالم الذي أفلت حينها من وطأة الحرب الباردة القائمة بين معسكري الشيوعية و الرأسمالية و أعطى الإعلام فرصة التحلل من تبعية كانت قائمة بحكم الواقع آنذاك و إكراها ته؛ فرصة، بل و أكثر من ذلك ميزة كانت لتغير خارطة الوعي الوطني لو لم تحاصرها:

- قبضة الجيش القوية و إن في بعض المراحل تحت ـ"قفازات من حرير" ،

- و هرم الطبقة السياسية على عقم ،

- و غلبة قضيا العرقية المعقدة و الاسترقاق المزمنة و خيبة سياسات التعليم و الصحة و العجز عن توزيع خيرات البلد بعدالة على كل جهاته، دون ما عدى كل ذلك من القضايا التي ما زالت عالقة تنتظر استحكام دولة القانون القوية.

طبيعي أن لا يحقق إعلام ناشئ في ظروف غير صحية البتة الأهداف التي وجد لأجلها و تحت مظلة عقلية موشحة بدثار ما زال يحمل من الماضي بعض خيوط الرجعية و الطبقية، كما هو طبيعي أن يظل بهذا المنطق الأعرج يعاني من جهة سقطة المحتوى و المنتج الضعيفين و من جهة أخرى سقطة الشكل المفتقر إلى مقومات الإسهام المميز أفقيا في التغيير البناء على صعيدي الحكامة الرشيدة و عموديا في الوعي المستنير للشعب الذي ما زال بعد أكثر من نصف قرن في أحضان الدولة المستقلة لا يقوى على تلمس مكانه في القرية الكونية؛ زد على ذلك أن الأطر المنظمة لهذا المجال من الناحية القانونية و التنظيمية و المهنية لم ترق لحد الساعة إلى المستوى الذي يضمن له المصداقية و يحميه من زلات التأرجح بين استقلالية قد تكلف ثمنا قاضيا و بين انصياع يبقي في مدارك "اللادور" كما هو الغالب.

من هنا و بجمود هذا الوضع فإن الإعلام كما هو جلي قاصر عن لعب الدور الكبير المنوط به و هو الأمر الذي ظهرت تجلياته عمليا في وجهين اثنين أولهما على مستوى ما يلقاه من استهجان و استخفاف لدى كل الجهات الوازنة سواء على المستوى الرسمي و العمومي أو المستوى الخاص و الشعبي و ثانيهما على مستوى تعاطي الطيف السياسي و المجتمع المدني معه حيث لا يكترث كثيرا في الأغلب الأعم بمحتوياته النقدية و التوجيهية و التحليلية و صبغته الإخبارية على قلتها و ضعف جودتها. فماذا كان ليصبح عليه الأمر لو استطاع هذا الإعلام الذي استفاد نظريا بشكل كبير عموما من التجربة العالمية من حوله و من تلك المحاذية في شبه المنطقة على وجه الخصوص؟ و ما الجواب إلا أنه كانت لتصبح الأوضاع أحسن بكثير أو على الأقل كانت القضايا المزمنة كالفساد و غياب العدالة الاجتماعية و دفع التعليم إلى المستوى المطلوب و غير ذلك من متطلبات دولة العدل قد وجدت نصيبا من المواجهة العملية و جرأة في الإقدام على الحلول التي تتطلبها في ظل ديمقراطية تفرض نفسها مبتدءا وعلى القوالب الجامدة منتهى بخلفية قوامها احترام الإعلام بوصفه مرتكزا و شريكا أولا فيما تفرزه هذه الديمقراطية من حكامة رشيدة و قيام راسخ و دائم لدولة الجميع على أسس القانون.

و لا يكمن ضعف الإعلام الملحوظ في القدرة العالية للأفراد فيه على أداء وظائفه المادية من تحرير و تحليل و غيرهما بقدر ما يكمن الخلل كل الخلل في  غياب القناعات المتوازنة المفصلة على مهمة الإعلام المبدئية و الوقوف بما تتطلبه دوافعه على مسافة متساوية من كل الأطراف التي تصنع الأحداث الوطنية و الرؤى و السياسات التي تفعل هذه الأحداث و تنعش و تثري الحوارات من أجل الوصول إلى الحلول القوية و خلق توازنات الاستقرار و السلم و البناء والتطور و بسط قوة القانون و نشر العدالة.  

نظرة سريعة على خارطة كل التجمعات الصحفية، سواء تعلق الأمر منها بالنشر بالنسبة للصحافة الورقية أو المواقع الالكترونية و المرئية من ناحية أو بالتجمعات ذات النزعة التنظيمية كالروابط و النقابات من جهة أخرى تفصح بكل أسف عن هشاشة  لا تخطئها العين المجردة من حيث البعد عن الإحاطة بالميدان و ضعف التنظيم و غياب استراتيجيات الضبط و التوجيه و الإرشاد و تفعيل الدور الأساسي للحقل حتى ينصهر في بوتقة واحدة و يبتعد الفاعلون في هذه التنظيمات و الأطر عن الخلافات  و الصراعات النمطية على الريادة  و القرب من مركز الحكم غاية. و ما اللقاءات العديدة و التظاهرات التي تقام بين الفينة و الأخرى، في انفصام عن بعضها مع أطراف عربية و إقليمية قارية و غربية و التي يعقدها القائمون على هذه التنظيمات، إلا ذرا في عيون أهل الميدان المحسوبين عليهم بحيث لا يجنون من ورائها أية فائدة ترفع من مستواهم أو توطد أركانهم.

في ظل هذه الوضعية المتسمة بالركود  و انعدام الفاعلية المطلوبة من الإعلام بكل أوجهه جملة و تفصيلا تظل أهداف دولة القانون للجميع بعيدة عن التحقيق و تبقى الارتجالية سيدة الموقف تلقي بظلالها على كل ديناميكية البلد و تسخر الإعلام في ذلك لإحكام قبضتها و تمرير مقتضيات سيطرتها. 

13. أبريل 2013 - 12:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا