مما لا شك فيه ان التغيير في موريتانيا اصبح ضرورة ملحة نظرا للظروف الراهنة التي تعيشها البلد، فمنذ استيلاء عزيز على سدة الحكم بانقلابه سنة 2008 و اطلاق مشروعه الذي اسماه " موريتانيا الجديدة "، زادت الاوضاع من سيئ الى اسوأ على صعيد جميع المجالات الاقتصادية و السياسية و الامنية.
كل ذلك نتيجة لرعونة هرم السلطة الذي يحكم البلد بعقله الضعيف و بنفسه المملوءة بالحقد و الشره، فسخر جميع سلطاته لملئ جيوبه من خيرات الوطن و ثرواته و ذلك بمساعدة مقربيه، و انتقم من اعدائه و حلفاء الامس و كل من يرى رأيا يخالف رأيه، و لم يتعظ من " رصاصات صديقة " التي تعرض لها، فبعد عودته من فترة علاج و نقاهة بدأ في الانتقام الفعلي من الجميع بلا استثناء. المشكلة ان آلية التغيير في موريتانيا متعطلة بفعل غياب الارادة الفعلية بضرورة اتخاذ موقف حاسم مما يجري في البلد، فالشعب يعلم جيدا كل ما يجري في البلد من فساد السلطة و ظلمها و تعديها على حقوق المواطنين البسطاء، و المعارضة لم تفلح حتى اللحظة في تحريض الرأي العام و فرض ارادة شعبية تطالب بتغيير اوضاع البلد و اسقاط هيمنة الاقلية " العسكرية " المتنفذة و المسيطرة على البلد. علة التغيير في موريتانيا انه لم ينتقل بالفعل من النظرية الى التطبيق بفعل اتكالية كل طرف على الآخر، فالشعب ينظر الى اطراف المشهد السياسي من معارضة و ما يسمى " بالاغلبية " لعل و عسى ان يتوصلوا لحل يؤدي الى حلحلت الاوضاع المتأزمة.
و المعارضة بدورها تسعى الى حلول سياسية عقيمة مع نظام متعنت لا يفقه علم الاختلاف و حل الخلاف، و تسعى لركوب موجة و التسلق على ظهر الشعب في حال ان هب و انتفض مطالبا بالتغيير مما قد يؤدي الى تدخل العسكر و قلب هرم السلطة و البدء بمرحلة انتقالية جديدة.
و العسكر المنتشي بفعل امتيازات التي يمنحها عزيز لجميع القادة و كبار ضباط الجيش لا يميل بالمرة الى قلب الوضع الراهن، بل يتم استخدامهم لفرض طغيان السلطة و ظلمها و فسادها ف" حاميها حراميها"
الشعب يتحمل جزء مما يجري في موريتانيا لانه تنازل عن حقوقه و حبس نفسه في زنزانة الخوف و فضل الهروب من تحمل المسؤولية، فالحقوق تنتزع و لكن تنتزع بالقوة و بجميع الوسائل السلمية المتاحة و هذا هو الطريق الذي اتبعته اغلب شعوب الارض التي ثارت من اجل الحرية و الديمقراطية و سيادة القانون.
فالسلطة في موريتانيا استأثرت بالقرار السياسي و واجهت كل من خالفها الرأي بكافة انواع الجبروت و القسوة و استخدمت القضاء و سيسته من اجل قهر كل من يخالفها، و أستأثرت بالثروة فقبعت في أيدي قلة تسيرها كأنها تسيير اربطة احذيتها، فلا هم لها ان ارتفعت الاسعار او هلك الناس من الجوع او العطش، ما يهمها ان تملئ جيوبها من خيرات البلد بكافة الوسائل.
و لم تسلم السلطة من كل ذلك حتى قبعت في مستنقع الفضائح التي كشفت عن الوجه المافيوي الحقيقي لهرم السلطة من تلاعب برواتب الموظفين و الجنود و من صفقات مشبوهة و منح و تراخيص للمقربين و لمن يدفع اكثر، مما كشف زيف ادعائه للشفافية و محاربة الفساد و المفسدين و ماخيف اعظم لان ما كشف ليس الا قليل القليل من كثير من الفساد الموحش المتوحش الذي لم يكشف بعد لرأي العام.
ان الهدف الرئيسي ليس اسقاط عزيز او ابعاده عن الحكم بل يكمن في وضع نظام جديد يجعل من نشوء ديكتاتورية جديدة شبه مستحيل، فالحاكم الديكتاتوري يستمد قوته من مصادرة كافة انواع الحرية من افراد الشعب. و ان كانت اعمال الرفض الرمزية التي يقوم بها الشباب الموريتاني في الآونة الاخيرة و التي اكتست بطابع اجتماعي سلمي قوبلت بقمع النظام و همجيته من اعتقالات بين صفوفهم و ضربهم و تنكيل بهم على مرمى و مسمع من وسائل الاعلام المحلية منها و العالمية انما هي خير دليل على عجز هذا النظام و سلبيته في مواجهة جميع المشاكل التي تعصف بالبلد.
ان ما يحتاجه البلد هو وحدة الصف و الجهود، و ان يتفق الجميع على الصواب خير من ان يختلف على الاصوب، فتشتت الجهود يصب في صالح اعداء الاصلاح و التغيير في موريتانيا، فان خلصت النوايا و توحدت الجهود و تضافرت الطاقات ادى ذلك الى فرض ارادة عامة يفرض بها الشعب نفسه على السلطة.