عبارة(ليس لي حقوق ولكن علي واجبات) أطلقها الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في ميدان التحرير بالقاهرة بعد أدائه اليمين الدستوري أمام ملايين الشعب المصري في سابقة لم يشهد الوطن العربي مثيلا لها وتلقتها قناة الجزيرة بقبول حسن وأصبحت ترددها كرسالة معبرة عن عمق التحول الثوري الذي يبشر به الربيع العربي. فماهي أسسها النظرية ومسوغاتها السياسية ؟
اعتقد المفكر السياسي الإنكليزي توماس هوبز أن الإنسان لم يكن في الأصل إلا (ذئباً لأخيه الإنسان) وأن الحالة الفطرية أو الطبيعية كانت حرباً لا هوادة فيها بين أفراد النوع الإنساني ولذلك احتاج الناس إلى عقد اجتماعي وسياسي لتأسيس حياة مدنية يتنازل بموجبه بعضهم لبعض عن شيء من الحقوق في سبيل أمن وسلامة الجميع.
ولما كانت طبيعة الإنسان - كما يصورها هوبز- هي الشر دائماً استلزم الأمر وجود قوة نفوذها أعظم من قوة العقد تكون مهمتها تنفيذ العقد إجبارياً على الأفراد، وهذه القوة هي الدولة أو الحكومة أو الرئيس
وبغض النظر عن النتيجة الخاطئة التي وصل إليها هوبز وهي تبرير الطغيان بحجة تنفيذ العقد بالقوة،فإن الحق لا يتأسس علي القوة ، وإن كان يحتاجها إلا أن جون لوك استكمل بناء نظرية العقد وخالف هوبز في اعتبار سلطة الحكومة المشرفة على تنفيذ العقد مطلقة، وذهب إلي أن هذه السلطة مقيدة بقبول الأفراد لها، لذلك يمكن سحبها بسحب الثقة من العقد
وتوسعت فكرة هذه النظرية على يد جان جاك روسو الذي رأي أنّ التجمّع البشري أتى نتيجة لعوامل اقتصادية مثل الاختراعات وتطور عوامل الإنتاج وتقسيم العمل وقيام نظام للملكية الخاصة فانقسم الناس إلى أصحاب أملاك و عمّال لديهم، مما أوجد (الطبقات الاجتماعية)فأدرك أصحاب الأملاك أنّ مصلحتهم تقتضي إنشاء (الحكومة) لحماية ملكياتهم من الذين لا يمتلكون شيئا ولكنهم يعتقدون أنهم قادرون على الاستيلاء عليه بالقوّة، ومن ثم كان الغرض الحقيقي من إنشاء مثل هذه الحكومة هو تكريس(اللامساواة) والتي نتجت عن الملكية الخاصة، الشيء الذي يراه روسو السبب في معاناة المجتمعات الحديثة.
هذه النظرية تعاني من قصور شديد بسبب إقصائها للبعد الديني وتأويلاتها الإفتراضية لنشأة الدولة المدنية ولكنها توصلت إلي خلاصات مفيدة شكلت الأساس المتين لبناء الديمقراطيات الغربية الحديثة والمعاصرة .
وهذه الديمقراطيات تقوم علي فلسفة سياسية منبثقة عن العقد الإجتماعي تعتبر أن الحاكم أو الرئيس ليس طرفا في العقد ولكن دوره هو حماية ومراقبة تنفيذه
وفي هذه الحالة لا يتنازل الشعب عن حقوقه لأحد وإنما يتنازل عنها لنفسه (حكم الشعب بالشعب للشعب) والقوة التي تتأسس علي الحق لحماية العقد هي قوة مسخرة لخدمة الشعب
وهكذا تكون النتيجة الطبيعية للعقد الإجتماعي وتطبيقاته في الممارسة الديمقراطية الحقيقية هي أن للرئيس واجبات تتعلق بتنفيذ بنود العقد وهو مستأجر لهذه المهمة وليس له حق أصيل فيها لأن الواجب ليس الحق، فالواجب عمل يقوم به الشخص مقابل أجر يدفع من مال الشعب .والحق معطي ثابت لاتملكه إلا القوة المطلقة وهي الله تعالي الخالق للناس أو القوة العامة المكتسبة من الإجتماع البشري .