الإصلاح ليس مجرد عمل سياسي معارض يعمل خارج المنظومة الحاكمة بل هناك ما يسمى بالإصلاح من الداخل و هو ليس أقل أهمية فكما أن المعارضة لها جدواها أحيانا فللعمل القريب من السلطة الحريص على الصالح العام العارف بفرص الإصلاح و طرق التأثير جدواه هو الآخر وفوائده الكثيرة .
و قد نظر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لهذا النوع من الإصلاح حين سئل عن حكم من يعمل مع سلطان جائر و لكنه يرده عن بعض المنكرات و يرد الظلم عن بعض الناس و يرتكب أهون الشرين هل يجوز له العمل معه فأفتى رحمه الله بأن ذلك لا بجوز فحسب بل هو واجب إذا لم يجد من ينوب عنه و يقوم مقامه .
و تعدد طرق الإصلاح في السياسة من الإصلاح الخارجي إلى الإصلاح من الداخل يجعل من واجب الحركات الإسلامية أن تدرس سائر الخيارات و في حال اختيارها للإصلاح من الخارج يكون من واجبها أن لا تغلق الباب أمام الطرق الأخرى بل يجب أن تفتح لها الباب و ذلك بإقرارها حرية المبادرة السياسية لأفرادها لمن شاء منهم أن يعمل من خارج الحركة و يتخذ مبادرة سياسية و يدخل في عمل سياسي آخر غير عمل الحركة الرسمي .
لو نظرنا في التاريخ الإسلامي البعيد و القريب لوجدنا أن مخالطة بعض المصلحين و أهل الخير لرجال الحكم قد أثمرت و كان نفعها أكثر من ضرها و حسناتها أكثر من سيئاتها و نحن نقرأ قديما عن مخالطة رجاء بن حيوة لخلفاء بني أمية و قيامه بواجب النصح من الداخل و نرى أنه في جميع العهود كان وجوده خيرا من غيابه فقد نصح جميع الخلفاء و فعل ما يستطيع ثم أثمر وجوده الطويل داخل الدولة الأموية نفوذا و تأثيرا و صار من أهل الرأي والمشورة و الحجابة عند سليمان و هو من أشار عليه بعمر بن عبد العزيز و من حنكته أنه لم يثر موضوع عمر قبل ذلك بل تركه حتى وجد له الفرصة المناسبة و أثاره بطريقة أقنعت سليمان رحمه الله بأنه بات الخيار الوحيد خاصة وهو يشعر بقرب لقاء الله ويعلم يقينا بانتهاء ملكه .
و تجربة عمر نفسه كانت إصلاحا من الداخل و عملا من داخل الدولة و لولا قربه من بيته الأموي و مشاركته للخلفاء في حكمهم و قبوله للإمارة مرات لما كان مؤهلا أصلا لتولي الخلافة .
و لو واصلنا قراءة تاريخ المسلمين لوجدنا أن بطانة الحكام في مختلف الدول والعصور لم تكن كلها بطانة فاسدة و في العصر الحديث لا جدال في أن بعض ما تحقق من مصالح و بعض ما نراه من إيجابيات قلت أو كثرت عند الدول يرجع لوجود أفراد من داخل الدولة نفسها يقترحون أحيانا برامج نافعة و قرارات مفيدة و يأمرون ببعض الإصلاحات هنا أو هناك .
إن تعلم صنعة الحكم و معرفة أسرار الدول واجب المصلحين والغيورين على مستقبل الإسلام عقيدة وهوية و لا يكون ذلك بالفرار و العزلة و الزهد في القرب من السلطان .