تحل اليوم ذكرى " يوم الأرض" (30 مارس).. وهي ذكرى يذكر فيها الفلسطينيون العالم، بمظلوميتهم وما تعرضوا ويتعرضون له من ظلم وتنكيل وإذلال وإبادة جماعية ، على يد عصابات، تنتمي إلى قوميات ودول وقارات مختلفة.. قرروا ترك ديارهم، بغية الإستيلاء بالقوة على أرض، هي في الأصل وقف إسلامي، مستخدمين الترهيب وإلإبادة الجماعية، ليستأثروا بغلات مزارع الفلسطينين ويستولوا على بيوتهم وينتزعوا ممتلكاتهم ويزورون كل شيء في تلك البلاد.. حتى تاريخها، بحجة أن بعض اليهود سكنوا في منطقة من فلسطين قبل ءالاف السنين.
قصة يصعب على من له ضمير حي أن يرويها، دون أن يهتز كيانه، لهول الفاجعة التي حلت بشعب، كان يعيش ءامنا مطمئنا في أر ضه، التي باركها الله في محكم كتابه، ثم يجد نفسه فجأة مرميا في الشوارع والأدغال، هربا من الموت المحتوم، تاركا جثث رجاله ونسائه وأطفاله تملأ الشوارع والمدن والقرى، فتشرد واقتلع اقتلاعا من منازله وممتلكاته ومزق وقذف به باتجاه كافة أنحاء المعمورة، يواجه ظلم ذوي القربى قبل الأعداء..تاركا خلفه بلدا يحتضن قبلة المسلمين الأولى، وبه ولد عيسى ابن مريم ثم رفع، وبأرضه دفن عدد كبير من الرسل والأنبياء وصحابة رسول الله (ص)، وإليها تفد كافة طوائف أهل الكتاب، تبركا واستمتاعا بجمالها وما أو دعه الله فيها من أسرار..
أرض جمعت بين البركة والتوسط المكاني والعطاء الوفير والخير العميم وبين كونها مهبط الوحي وقبلة الرسل.. ومن "أقصاها" عرج برسول الله (ص) إلى السماء، ليلة الإسراء والمعراج.. كل ذلك جعلها عرضة للغزو الخارجي، كلما تمزقت الأمة الإسلامية وضعف العرب- ورغم ذلك، ظلت عصية على الغزاة.. وفي كل مرة كانت تتحول إلى مقبرة لجميع الوافدين المحتلين.
درس لم يستفد منها شذاذ الأفاق الصهاينة، فتركوا بلدانهم وبيوتهم وجاؤوا لفيفا، مدعين أنهم شعب بلا أرض جاء لأرض بلا شعب.. فرية تجندت لها الدوائر الإستعمارية، من أجل تمزيق العرب وانتقاما من التاريخ وإضعافا للمسلمين، بغية استنزاف خيراتهم واستبقائهم تبعا ذليلا، غثاء كغثاء السيل، فكان لهم ما أرادوا: مزقوا خريطة العالم الإسلامي وعاثوا في أرض العرب فسادا، وحولوا بلدانهم إلى قطعة شطرنج يمارسون عليها ساديتهم، نكاية بالإسلام والمسلمين، مجمعين على أن ذلك ضمانتهم الوحيدة، التي لا غنى عنها لتكريس هيمنة الغرب وعلوه وإخضاعه لكافة شعوب ودول العالم.
واليوم وقد وقع ما وقع وتحولت بلاد العرب إلى ساحة لإذلال حكامهم ونخبهم، يمارس فيها الغرب شذوذه وعريه وعهره، تحت يافطة "فوائد السياحة الإقتصادية"، وتتفاخر كافة البلدان المسلمة بأنها قبلة "للسواح"، وتنتشي بعدد الوافدين إليها من ديار الغرب، متجاهلين بالمطلق ما يحملونه من قيم تفسد الخاصة والعامة وتسيء لقيم الإسلام ومبادئه الأخلاقية.
واقع شوه صورتنا وأبعدنا عن قيم ديننا وأخلاق شعوبنا الراسخة، فصرنا أضحوكة ومسخرة بين دول العالم، لا يقام لنا وزن ، ينهب الغرب خيراتنا، ويذل حكامنا وشعوبنا، يجاهر بمناصرته للعصابات الصهيونية ويعلن أنه لو لم يكن هذا الكيان موجودا لوجب استنباته في أرض العرب، نكاية بهم وبالمسلمين وتمزيقا لتواصلهم الجغرافي ومنعا لتقدمهم وتطورهم العلمي والتقني.. حق تمتعت به كافة شعوب الأر ض ومنع منه العرب والمسلمون.
إخضاع جعلنا نقبل بالدنية في ديننا وأرضنا المستباحة أمنيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأخلاقيا.. رضيت في ظله حكوماتنا بتكبيل أي نشاط، أو فكرة، تغير واقعنا إلى الأفضل، فقبلت صاغرة بأن تتحول إلى مجرد تابع ذليل، يؤمر فيطيع وينهر فيزدجر.
فإلى متى ونحن نعيش هذا الزمن الدائري والتبعية القاتلة والمذلة؟ أين عزة العرب وكرامة المسلم؟ ألا يدفعنا هذا الواقع الإليم إلى الإنخراط الجماعي في عمل جاد يرفض الذل والهوان والتبعية لبلدان ظاهرت على إخراجنا من ديارنا، وسلحت عدونا وحمته بالسلاح والمال والرجال؟
بأي منطق لا تستفزنا السياسات الرسمية البريطانية، التي انتزعت منا ظلما بيت المقدس وأكنافه، لتدنسهم بعصابات، ضرب الله عليها الذلة والمسكنة، لا يجمعها عرق ولا تاريخ ولا بلد واحد.. فقط الطمع والجشع و وحب الربا وامتصاص مقدرات الشعوب، هي العوامل التي توحدهم وتدفع بهم إلى ترك ديارهم وبلدانهم الأصلية، ليلعبوا الدور المطلوب منهم غربيا، مقابل "الأمن والخير العميم"..في منطقة شكلت خريطتها ليتحول حكامها إلى حماة بالوكالة لهذا الكيان المسخ، المسنود بفيتو غربي، موفرا له كافة أنواع الدعم العلني والخفي.. في مقابل خطاب معسول، يجمع كل أصناف النفاق، مدعيا أن بلدان الغرب صديق لا غنى عنه للعرب ولكافة المسلمين.
ونفس الشيء بالنسبة للولايات المتحدة، التي تقدم مصالح الصهاينة على مصالحها الوطنية ويؤكد رئيسها الحالي أنه لو لم توجد إسرائيل لأوجدها، حقدا على العرب وإمعانا في احتقارهم وإذلالهم.
إننا اليوم أم خيارين لا ثالث لهما: إما أن نسعى لتجميع عناصر قوتنا، فندفع الصائل ونلقن المحتل دروسا أتقنها ءاباؤنا وأجدادنا، فنالوا بها العزة والشرف بين الأمم.
وإما أن نترك الأقصى رهينة في يد غير أمينة ومعادية، تدنسها- كما فعل الصليبيون من قبل، حين حولوها إلى إصطبل لخيولهم- ونستكين لواقع نحن فيه أذلاء تحتقرنا الأمم والشعوب.. نعيش خارج الزمن، نكرر أخطاءنا في ظل دونية واحتقار، نتفرج على الشعب الفلسطيني وهو يصارع وحيدا أعتى قوى العالم، دافنين رؤوسنا في الرمال.. وعندها سيستبدلنا الله بقوم ءاخرين لن يكونوا أمثالنا.. سيسومون الصهاينة المحتلين سوء العذاب.. وعندها، سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
محمد المختار ولد محمد فال- كاتب صحفي
30/03/2023