المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (IMROP) / حمود ولد محمد الفاظل

على مقربة من الشاطئ في "كانصادو" بمدينة انواذيبو تُطل بناية المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد، تاريخ طويل من العطاء وتجربة علمية حافلة وواقع دون المأمول.

- شيء من التاريخ

 

تمتد جذور المعهد لأكثر من خمسين سنة بالتحديد في الخامس من يناير سنة 1953 حين تم تدشين مختبر الصيد بمدينة انواذيبو ليتطور المسار فيتحول المختبر إلى المركز الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد CNROP وذلك في 23 نوفمبر من عام 1978،تتعمق التجربة العلمية وتتوسع ليصبح المركز في سنة 2002: المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP.

وبالرغم من هذا التاريخ الطويل إلا أن الكثير من الموريتانيين لا يعرفون المعهد ولا مهامه ودوره  في التنمية خصوصا ممن يُتوقع منهم ذلك من المسؤولين والمثقفين ... لقد صَاحَ أحد نواب البرلمان ذات مرة داخل تلك القبة التي يفترض أن تجمع ممثلي الشعب وحُماة الوطن :هذا المعهد ماذا يفعل؟ ما دوره؟ ما أهميته؟ إنها ميزانية كبيرة عليه؟؟؟

وأنا هنا لا ألوم ذلك النائب الذي (لم أعد اتذكر اسمه) بقدر ما ألوم المعهد والقائمين عليه حيث لم يستطيعوا تقديم الصورة الحقيقية للمعهد ودوره الكبير في البحث العلمي والتنمية الاقتصادية فحتى وسائل الإعلام كثيرا ما تكتب اسم المعهد بطريقة خاطئة وأحيانا مضحكة مما يعكس الغياب الإعلامي الكبير للمعهد وما يسببه ذلك من غياب الاهتمام به من لدن الجهات المعنية.

 

2 - المهام

 

المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد IMROP هو مؤسسة بحثية تهتم بكل ماله علاقة بالثروة المائية الحية (البيئة البحرية ،الصيد ،المخزون السمكي ، استصلاح المصايد...الخ).وهو مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تابعة لوزارة الصيد والاقتصاد البحري ويمكن تلخيص مهمته الرئيسة في  إعداد وتقديم المعارف الضرورية لتسيير واستغلال الثروة السمكية وتقديم الاستشارات العلمية للسلطات العمومية للاستفادة منها في رسم سياسات الدولة في مجال الثروة السمكية وبشيء من التفصيل أكثر:

 

- دراسة البيئة البحرية وديناميكية المخزون واستقصاء المعوقات والعوامل البيولوجية والفيزيائية، الاجتماعية والاقتصادية والتقنية لقطاع الصيد - متابعة تطور المخزون السمكي وتحديد مستوى استغلاله

- دراسة التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لقطاع الصيد على المواطنين

- دراسة طرق استغلال واستصلاح المصايد بشكل مستدام وفي هذا المجال تمكن المعهد على مدى سنوات عديدة من تقديم الكثير من الانجازات العلمية المعتبرة منها على سبيل المثال:

- دراسة بيولوجية و إيكولوجية للأنواع السمكية المستغلة في موريتانيا - معرفة حالة الموارد ومستوى استغلالها سواء تعلق الأمر بالمخزون السمكي السطحي أو مخزون الأعماق وحتى تحديد - مستوى استغلال الكثير من الأنواع السميكة الرئيسة

- دراسة الموارد السمكية و الظروف الهيدرولوجية لحظيرة آرغين

- دراسة الظروف الهيدرولوجية و معرفة بعض خصوصيات التيارات الإنبثاقية فى موريتانيا، - أكثر من 20 أطروحة و تقارير للدراسات المعمقة تناولت مواضيع شتى في إطار برامج البحث العلمي أكثر من 38 نشرة علمية وإحصائية و90 أرشيفا لمختلف المعطيات العلمية وكتابان عن الأسماك الموريتانية وعشرات التقارير عن الملتقيات العلمية ومجموعات العمل.

لقد أصبحت تجربة المعهد في شبه المنطقة تجربة مقدرة مقارنة بالمعاهد المماثلة في الدول المجاورة كالمغرب والسنغال وينظم المعهد من كل أربعة سنوات مجموعة عمل تناقش أهم المواضيع والمستجدات العلمية في مجال الصيد والبيئة البحرية يلتقي فيها العديد من الباحثين والخبراء من مختلف الدول والمعاهد والمؤسسات المشابهة وتصدُر في نهاية مجموعات العمل تقارير تُقدم خلاصة الدراسات والأبحاث في هذا المجال وتعتبر من أهم الوثائق العلمية التي تساهم في تسيير مستدام للثروة السمكية كما أن تجربة المعهد في البحث العلمي خصوصا في تسيير الحملات العلمية التي تستهدف استكشاف وتقدير المخزون السمكي وتحديد مستوى استغلاله تعتبر من أهم التجارب في شبه المنطقة وبالذات حملات الجر القاعي التي تستهدف الثروة السمكية القاعية حيث تمت الاستعانة بالمعهد لإجراء هذه النوع من الحملات في بعض الدول المجاورة كان آخرها الحملة العلمية المنظمة في غينيا بيساو سنة 2011 من أجل تقييم المخزونات السمكية لهذه الدولة. كما كان للمعهد دور كبير في الكثير من الإجراءات التي تم اتخاذها من طرف الدولة لحماية المخزون والأنواع السمكية التي تعاني من فرط استغلال يهدد وجودها من ذلك على سبيل المثال ما يعرف بالراحة البيولوجية (أو التوقيف كما هو شائع لدى الصيادين التقليديين)  وتستهدف هذه الراحة البيولوجية ثروة الأخطبوط التي تعاني من فرط استغلال تجاوز 30%حسب التقرير الصادر عن آخر مجموعات العمل المنطمة من طرف المعهد سنة 2010 وتهدف الراحة البيولوجية لحماية إناث الأخطبوط وصغاره في فترتين من السنة وذلك بمنع كافة أشكال الصيد التي تستهدف هذا النوع في فترات زمنية تقابل فترات التكاثر والنمو يتم تحديدها بناء على تحليل البيانات والمعطيات العلمية الدورية من طرف المعهد.

3 - واقع دون المأمول

 

انطلاقا من هذا التاريخ الطويل والتجربة المعتبرة للمعهد في مجال البحث العلمي الذي يستهدف إحدى أهم الثروات الطبيعية في البلاد (الثروة السمكية) إلا أن واقع المعهد اليوم يبقى دون المأمول فقد غادر المعهدَ بعضُ الباحثين ممن راكموا تجربة معتبرة في مجال البحث العلمي إما لدول أجنبية أو للالتحاق ببعض المؤسسات الدولية حيث توجد ظروف مناسبة للحياة الكريمة مما حرم المعهد من الاستفادة من تلك التجربة وتوريثها للباحثين الجدد وتبقى الظروف المادية الحالية متواضعة جدا لا يستطيع أصحابها الانخراط في الهم العلمي البحت والانقطاع فيه وهم مشغولون بالبحث عن جواب لسُؤالِ العيش أكثر من سؤال البحث العلمي ومالم يتم تحسين تلك الظروف والاهتمام بأصحابها فإن مآ لات البحث العلمي في المعهد ستكون محدودة جدا إن لم تكن معدومة. وسيتحول إلى مؤسسة رتيبة غير قادرة على العطاء أحرى التميز كما هو حاله الآن. كما أن الاهتمام بالكادر البشري تكوينا وتدريبا واتاحة الفرصة له من أجل مواصلة الدراسة والتطرق لمواضيع كثيرة لاتزال بحاجة للتناول عن طريق الأطروحات الدراسية  والتقارير العلمية من شأنه أن يساهم في توسيع تجربة المعهد وتزويده بالكادر البشري الفاعل فالمعاهد البحثية مهمتها الرئيسية في التكوين وإعداد الدراسات والوقوف على آخر الأبحاث في هذا المجال فعلى سبيل المثال هناك الآن الكثير من الدوريات والمجلات العلمية العالمية لا يُتيح المعهد خدمة الاشتراك فيها وهذه من أبسط أسباب مواكبة تطورات البحث العلمي التي لاتعرف التوقف. ثم إن الاهتمام بفتح آفاق الشراكة مع معاهد البحث والمؤسسات العلمية والدولية واستقدام المشاريع التي تهتم بهذا المجال سيشكل دعامة أساسية في تطوير تجربة المعهد وتوفير الوسائل الضرورية التي لاغنى عنها في مجال البحث العلمي. وتبقى الرؤية الاستراتيجية التي تترجمها برامج وخطط البحث الخماسية وكذلك خطط العمل السنوية من أهم العوامل التي تساعد في تطوير تجربة المعهد وتحديد المجال الذي يتحرك فيه ورسم أولويات البحث العلمي والتركيز على المجالات الأكثر أهمية. فهل تدرك الجهات المعنية الدور الذي يلعبه المعهد في رسم سياسات الدولة في مجال الثروة السمكية وفي حماية شواطئ كانت توصف بأنها الأكثر غنًى في العالم؟ أم أن الاهمال سيظل متواصلا مما ينذر بعواقب وخيمة تهدد الثروة السمكية ومستقبل الأجيال؟  

22. أبريل 2013 - 15:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا