لايجافي المرء الحقيقة بالقول إن الدبلوماسية الموريتانية في كل أرجاء المعمورة فاشلة لدرجة أنها أصبحت مثل "أظفار الكرعين" في المثل الحساني لأنها لاتنزع الشوك ولا تحك الجلد...حيثما ذهبت تجد السفارة الموريتانية عبارة عن بناية متهالكة تحتاج للترميم تماما كالسفارء الذين يتم تعيينهم بالوساطة والصداقة والتزلف وأشياء أخرى...
لقد عشت في أكثر من دولة عربية وغربية وفي كل منها أحاول قدر الإمكان تجنب أي شيء يؤدي الي السفارة والسفراء..
طبعا، أنا هنا لا أعمم في حكمي على عمال السفارات، فهناك استثناءات دائما متمثلة في بعض الأشخاص الذين يبذلون دائما قصارى جهدهم في مساعدة المواطنين. لكن هؤلاء الضعفاء غالبا يعيشون على خط التوازن بين المسؤولية والنفوذ...
لاأريد أن أذكر أسماء لكن من يعيش في المغرب والإمارت وفرنسا والسعودية وماليزيا وتركيا سيدرك أن هناك دائما شخص يساعد الآخرين تماما مثل مايعرف الموريتانيون القاطنين في أمريكا أن هناك صديق واحد بالسفارة يمكن الوثوق به...
اليوم كلفني صديقي بمهمة نيابة عنه بالسفارة الموريتانية في واشنطن. أخذ مني البحث عن مكان السفارة وقتا أطول من المفترض لأني لم أكن قد زرتها قط وأنا الذي أعيش في نفس المنطقة منذ أكثر من فترة. وصلت أخيرا دار السفارة المتهالكة والتي هي في حالة يرثى لها وتكاد تتساقط على حافة الشارع الضيق الذي أنتصبت عليه شامخة شموخ المسؤولين الموريتانيين المفتعل...
تساءلت في صمت: لماذا لم أزر هذا المكان من قبل؟ لماذا لم أسمع ابدا ان السفارة دعت أي فرد من الجالية لأي نشاط ثقافي ولا سياسي؟ وحتى عيد الإستقلال الماضي مر بصمت مخز وكأنه لايعنينا ولاننتمي لأي دولة...
والأدهى من هذا والأمر هو أن سعادة سفيرنا في واشطن يفتخر أمام بعض أفراد الجالية أنه أرجع فائض الميزانية للحكومة الموريتانية في نواكشوط كدليل على "إستقامته"..
لم يعرف سعادة السفير أن الميزانية اقتطعت للسفارة لتستثمر في تشييد جسور المودة وتحسين العلاقات الدبلوماسية الثنائية أو المتعددة الأقطاب بين الدول وعقد المؤتمرات الثقافية والسياسية والجلسات التفاعلية بين مسؤولي الدولة المضيفة وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأخرى في المنطقة...وليس إرجاع الميزانية دليل على إنجاز وإستقامة بل هو علامة على العجز عن التسيير وفشل في تحقيق الأهداف الدبلوماسية..
في كل دولة تجد السفارة الموريتانية تعج بالموريتانيين المتسولين والقادمين من نواكشوط للتجارة أو التبضع أو غير ذلك وكأن السفارة فندق للضيافة...
لكن، لعل سفيرنا الموقر لايعلم أن المرافق العمومية هنا في أمريكا عندما يكون لديها فائض في الميزانية تجدها ترمم الشوارع وتهدم بعضها لتضيف رصيفا أجمل أو لتوسيع الطريق أو بناء حديقة لإستجمام الكلاب.. المهم ان الميزانية تستثمر في أي شيء يعود بالفائدة على الدولة والمواطن..
أما عندنا فلا يهتم السفراء والمدراء والوزراء إلا بأنفسهم وقبائلهم وحاشيتهم المقربة ولا تجدهم يقومون بأي دور دبلوماسي على الإطلاق سوى تقديم أوراق الإعتماد عند القدوم. لكن المشين حقا هو أن تجد سفيرا في دولة أجنبية لايتكلم لغتها ويجهل أبجديات ثقافتها ولايعرف من مسؤوليها أحدا ولا يحسن تمثيل بلاده لاثقافيا ولا سياسيا. إن سفراءنا، إلا من رحم ربك، يعانون من عقد يمكن إجمالها كالتالي:
• السفير يمثل قبيلته ووزنه وعلاقاته السياسية هناك في موريتانيا.
• السفير ليس متعلما ولامتطلعا على ثقافة البلد الذي يعين فيه غالبا.
• السفراء تتحكم فيهم علاقات الصالونات السياسية أكثر من المهنة والتكوين.
• السفراء مجرد ظلال للحكومة السائدة فإن زالت زالوا.
• السفراء لايعكسون وجه الدولة المشرق ولايشاركون في الندوات والنشاطات.
• السفراء لايعقدون جلسات وحوارات مع الجالية للإستشارة والإستفادة من آرائهم.
إن البعثات الدبلوماسية الموريتانية في الخارج هي إنعكاس جلي للكساد السياسي و الإفلاس الثقافي في الوطن. معظم سفرائنا ودبلوماسيينا عبر العالم ليست لديهم أي خلفية ثقافية عن دور الدبلوماسية...
حكى لي صديق يعيش منذ فترة في منطقة واشنطن دي سي أنه كانت لديه بعض الأشغال مع عجوز من الأمريكيين يقع بيتها قبالة السفارة الموريتانية في العاصمة الأمريكية وبحكم جيرتها مع سفارتنا أصبحت لها دراية كبيرة بالسفراء والعمال فيها...
عندما علمت العجوز ان صديقي من موريتانيا طفقت على السفارة الموريتانية بالنقد وقالت له إن "أفضل سفير تم تعيينه من طرف بلدكم هنا هو السيد محمد ولد مينشل الذي قام بترميم البناية وكان يقوم بالنشاطات الدبلوماسية وكان للجالية حضور لابأس به. على العكس من سفيركم الحالي الذي يعجز حتى عن ركن السيارة بطريقة صحيحة بين الخطوط البيضاء"...
لكن هل المشكلة في الدبلوماسية الموريتانية فقط؟ بالطبع لا. فالمشكل متجذر في عقول النخب السياسية التي ولدت قبل ميلاد الوطن ولازالت تحاول جاهدة كالقطط المتشبثة برداء النافذة خوفا من السقوط، سيسقط هؤلاء العجزة وتلد الأرض من جديد جيلا من الأخيار الذين سيحملون ميلادا وغدا مشرقا لبلد غابت عنه شمس عشتار لأكثر من نصف قرن...