مما تفرضه المسؤولية والمكانة الاجتماعية الوقوف في مواقف الحق، والكشف عن زيف الباطل، كلما حدث ذلك، ويصبح ذلك فرض عين ومسؤولية وطنية، عندما يتعلق الأمر بالتجني السافر على التاريخ، ومحاولة تزييف الحقائق، وقلب الوقائع.
وفي هذا السياق، طالعت مؤخرا ترجمة في صحيفة "القدس العربي"، لشبه تحقيق هش المباني والمعاني نشرته "جون أفريك" حول ما أسمته "جون أفريك : "الطريقة التيجانية" مسرح تنافس جزائري - مغربي جديد."
وكما هو معلوم، فقد دأبت مجلة "جون أفريك" على نشر التقارير مدفوعة الثمن، وهو ما أفقدها كثيرا من مصداقيتها المهنية التي اكتسبتها لسنوات طويلة.
*حملة مسعورة مكشوفة*
لقد نشرت "جون أفريك" مقالها المدفوع ضمن حملة إعلامية نفذها المخزن المغربي للتشويش على الندوة الدولية حول شخصية العلامة الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي التي احتضنتها الجزائر برعاية مشكورة من طرف فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون تحت عنوان "الحوكمة واستقرار المجتمعات في إفريقيا"، هذه الندوة التي نرجو أن تكون بداية لاستعادة الجزائر لمكانتها الدينية والعلمية والروحية في إفريقيا والعالم الإسلامي.
وقد حمل التحقيق الكثير من التجني، وزخر بالكثير من الأكاذيب والتلفيقات التي كان هدفها الواضح تلميع المغرب وإعطاءه في التاريخ ما ليس له، على حساب الأدوار التاريخية الناصعة لموريتانيا والجزائر .
وأقل ما يمكن أن يقال فيما نشرته "جون أفريك" هو أنه مادة مهيضة طابعها سياسي مكشوف.
*فرض الأبوة الكاذبة*
ومن أمعن النظر في المقال يجده داعما لما يسعى له المخزن المغربي من هيمنة على الطريقة التيجانية، واستغلال لها ولغيرها من العطاءات العلمية الجزائرية والموريتانية.
ومن المعلوم أن المغرب يسعى منذ زمن طويل لفرض أبوة على الطريقة التيجانية خاطفا أصلها ومنشأها الذي هو الجزائر وقافزا على دور موريتانيا في نشرها المشهور عبر التاريخ داخل أدغال القارة السمراء.
ومعروف أن الشيخ أحمد التجاني مؤسس الطريقة التيجانية جزائري الأصل والمنبت فقبيلته جزائرية وتراثه جزائري وسلفه مدفون كله في الجزائر، وقد وصل وهو في الجزائر إلى مقاماته السنية.
ولا يمكن الالتفاف على هذا بحجة أن ولي الله الشيخ التجاني اضطر تحت
ظروف الأوبئة والحروب للمقام في فاس سنوات عمره الأخيرة.
*عقدة تاريخية*
لم يخجل المغرب في السعي لقلب الحقائق والتجني على التاريخ، وهو دور رافق سياستها التوسعية باتجاه موريتانيا، وأكدته أطماعها المكشوفة والتي من أخطرها احتلالها للصحراء الغربية ومطالبتها المتواصلة بموريتانيا بلاد شنقيط وصحراء الملثمين التي منها انطلقت حركة المرابطين وبالتحديد من منطقة تاركه القريبة من نواكشوط، لتحكم المغرب لقرون وخاض قائدها السلطان الفاتح، وأمير المؤمنين : يوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي الحميري الذي خاض معارك الحروب الصليبية في الأندلس السليبة، التي مددت الوجود الإسلامي في الأندلس بعد انتصارها الساحق في معركة الزلاقة الشهيرة وهي اول معركة كبيرة شهدتها شبه الجزيرة الإيبيرية في العصور الوسطى واحدى ابرز المعارك الكبرى في التاريخ الإسلامي المجيد، استطاع فيها قائد المرابطين إلحاق هزيمة كبيرة بجيش قشتاله مسيحي بقيادة الفونسو السادس.
يقول أحد شعراءنا مفتخرا بتلك الأمجاد الخالدة:
أي مجد يحتاج للتدوين ** أسوة المقتفي وأنس الحزين
خبريني يا أرض الاجداد عنه ** أنا مصغ إليك أن تخبريني
أنت أدرى يا أم منا فهلا*** بحث فينا بسرك المكنون
قد شهدت شم الجحاجح من لمتونة خلف القائد اللمتوني
زمر قادها الإمام أبو بكر تهدت بهديه المستبين
وكماة الى الشمال تولى هديها يوسف بن تاشفين
وأذاعوا بالعدوتين انتصارا ** عند الاسبان منه حق اليقين
وقبل ذلك وحدت تلك الدولة المجيدة شمال وغرب افريقيا تحت راية التوحيد.
وتشكل هذه الحقيقة التاريخية وهي حكم دولة المرابطين ذات المنشأ الشنقيطي، للمغرب كل المغرب عقدة أزلية لدى المغاربة اتجاه بلاد شنقيط، وهو أمر ليس بالجديد، حيث أن موقفهم السلبي معروف إزاء حركة الإمام ناصر الدين الشمشوي في القرن 11 هجري 17 ميلادي في الغرب الموريتاني التي شكلت محاولة جادة لإحياء الدولة المرابطية، والتي تأثر بإشعاعها كل من الزاوية السملالية والجزولية في الجنوب المغربي وهو ما رأت فيه السلطة العلوية تهديدا لملكها.
وتعتبر حركة الإمام ناصر الدين (شهيد المحراب) بترتلاس سنة1085ه-1674م التي يقول عنها العلامة المجدد الشيخ محمد المامي ابن البخاري اليعقوبي (ت 1282هـ/1866م) :
جفت رياض الحسن والإحسان ** في بلدة مخضرة الأفنان
شهداء ترتلاس يسلو ضيفهم ** سلوانه بالأهل والأوطان.
وتعتبر حركة الإمام ناصر الدين حسب أغلب المؤرخين المهتمين بالتاريخ الإسلامي في منطقة الغرب الإسلامي هي الحركة الأم لحركات الدعوة والجهاد والإصلاح في الغرب الإفريقي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ، بدءا بدولة الأئمة في بوندو، ودولة الأئمة في فوتا جالون، بدولة الأئمة في فوتا تورو، ودولة عثمان بن فودي في نيجيريا 1817م-1754م، ودولة العلامة المجاهد السلطان الفاتح الشيخ الحاج عمر بن سعيد الفوتي المعروف بالحاج عمر طال (1796م-1864م)، والطريقة المريدية التي أسسها العلامة الشيخ المجاهد الذائع الصيت الشهير في الآفاق أحمد ابن محمد ابن حبيب الله البكي المعروف بالشيح أحمدو بمبا (1853م-1927م) التي يعد أتباعها بالملايين .
*المنعطف الكبير*
:وقد شكل وصول الزعيم الوطني الرجل الدولة القوي الرئيس محمد خونا ولد هيدالة للسلطة في يونيو 1979م خروجا لموريتانيا من المحور المشؤوم (محور -باريس- الرباط - نواكشوط - داكار)، حيث أعاد الرئيس ولد هيدالة العلاقات مع الجزائر وعادت المياه إلى مجاريها والطيور لأوكارها والاحضان إلى اهليهم وبذلك استعادت موريتانيا موقعها الطبيعي المؤسس على مصالحها واستقلالية قرارها أي إلى محور الجزائر طرابلس محور التحرر والانعتاق. وهذا ماقد بينته في المقال المعنون ب:" الجزائر هي الخيار أو لا خيار " والمنشور في يناير 2012
لقد أزعج ذلك المنعطف حكومة المغرب وأخرجها عن صوابها وقامت قيامة الحسن الثاني،
وقد أطلق الحسن الثاني كما هو معروف حملة ديبلوماسية مضادة لموريتانيا داخل الدول العربية، وتأسست هذه الحملة على خطاب مفاده أن الطرق الصوفية في السنغال يمكن أن تكون بديلا للإشعاع الروحي والعلمي والثقافي لموريتانيا داخل غرب افريقيا.
وفي إطار هذه الحملة، نفذ محور باريس الرباط داكار ، مؤامرة مكشوفة ضد موريتانيا، باركها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران معلنا " أن موريتانيا دولة خيالية مصطنعة، وأن فرنسا نادمة على سعيها في : تأسيس موريتانيا".
وفي نفس الإطار باشرت السنغال العمل العدواني ضد الموريتانيين فزهقت الأرواح وانتهكت الأعراض ونهبت الأموال.
وتمالأت دولة السنغال مع أطراف موريتانية داخلية، ودخل المغرب على الخط حيث صرح الحسن الثاني أمام القمة العربية عام 1989 أن الأزمة واقعة بين بلد جار وآخر صديق وأنه على العرب ألا يخسروا السنغال لأن طرقها الصوفية تقوم
بدور روحي كبير في إفريقيا.
وقد رد عليه خلال المؤتمر الرئيس العراقي شهيد الحج الأكبر صدام حسين المجيد أمطر الله عليه شآبيب الرحمة والمغفرة بقوله: "نحن نهتم أولا بأمن البوابة الغربية للوطن العربي"، ثم انسحب ووفر الأسلحة لموريتانيا.
*الموقف الحازم*
ويجب أن نؤكد هنا أن الذي أوقف المؤامرة على موريتانيا وأفشلها هو الموقف العراقي الحازم، وكذلك الموقف السياسي والدعم العسكري الجزائري الذي لم يكن مترددا كالعادة:
لكل امرئ من دهره ما تعودا ** وعادة سيف الدولة الطعن في العدى
فقد أوفدت الجزائر إلى نواكشوط وزير خارجيتها السيد بوعلام بن السائح رحمه الله الذي صرح بلغة لا لبس فيها ولا شية : "أنه جاء إلى نواكشوط محملا برسالة اخوة وتضامن مع الشقيقة موريتانيا وأن الجزائر لن تبقى مكتوفة الأيدي اذا ما تطورت الأمور".
وهذه مواقف من ضمن أخرى خالدة في الذاكرة الجمعية الموريتانية من بينها أن الجزائر كانت أول دولة تستجيب للنداء الذي وجهته موريتانيا في أحداث 1989لإجلاء رعاياها من معرض ومطار داكار الذين كانوا يعدون بمئات الآلاف، حيث نظمت جسرا جويا تولت الطائرات الجزائرية خلاله نقل 80% من الموريتانيين العالقين والمهددين في السنغال.
وقبل ذلك كانت الجزائر قد لعبت دورا كبيرا في فرض عملية اعتراف المغرب بموريتانيا خلال القمة الإسلامية بالمغرب عام 1969م حيث اشترط الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين أمطر الله عليه شآبيب رحمته ومغفرته حضوره لتلك القمة باعتراف المغرب بموريتانيا وهو ما تم بالفعل .
*الجزائر هي الاصل والمنبع*
ولا يمكن لمزوري التاريخ ولا لإعلام المخزن طمس الحقائق التاريخية التي تؤكد أن الجزائر هي المنبع الأول للمدارس الفقهية والعلمية والروحية التي انتشرت في موريتانيا وإفريقيا، وحافظت على بيضة الإسلام.
وتعتبر الجزائر من أهم المشارب التي دخل منها التصوف الطرقي إلى بلاد شنقيط، وأكثر الطرق الصوفية التي دخلت المنطقة انتشارا، لما أخذ بها من الناس ولما عمت من الجهات هي الطريقة القادرية و الشاذلية والتجانية وإن اختلفت الثلاث في شكل انتشارها وفي طبيعة ممارساتها وفي ترتيب أولوياتها وفي قوة تأثيرها وسعة مدى الأخذ بها والانضواء تحتها.
وكانت الطريقة القادرية أول ما دخل من الجزائر إلى موريتانيا وذلك في القرن العاشر الهجري بفرعيها الكنتي والفاضلي حسب تصورنا، وربما تكون الطريقة الشاذلية بفرعيها الناصري والغظفي قد زامنتها أو جاءت عنها متأخرة قليلا، ثم التجانية بفرعيها الحافظي والحموي حسب ما جاء في المقال التأصيلي والغير مسبوق الذي كتبه الدكتور الباحث يحي ولد البراء تحت عنوان "العلاقات الفكرية والروحية بين بلاد شنقيط والجزائر "، وكاتب المقال المذكور هو مؤلف "المجموعة الكبرى الشاملة لفتاوي ونوازل وأحكام أهل غرب وجنوب الصحراء".
*مهد التيجانية هو عين ماضي*
وتعد الطريقة التجانية أحدث الطرق الصوفية الكبرى نشأة وإن لم تكن من أقلها حيوية وانتشارا ففور قيامها بدأت تعرف مدا متناميا وسريعا ربما يساعد في تفسيره الرجوع إلى طبيعة الطريقة نفسها، وإلى محيطها الديني والاجتماعي الذي ظهرت فيه وإلى الظرف التاريخي الملابس لها .
وتنسب هذه الطريقة إلى سيدي أحمد التجاني بن محمد (ابن عمر بن المختار ، أحمد بن محمد بن سالم (1150هـ / 1737م 1230هـ/1815م).
ولد بعين ماضي بالجزائر ودرس بها ثم رحل إلى فاس حيث استكمل تكوينه العلمي وأخذ عدة من الطرق الصوفية كالقادرية والشاذلية وبعد ذلك شد الرحال إلى زاوية الشيخ عبد القادر بن محمد الأبيض ومكث بها خمس سنوات ثم توجه إلى تلمسان حيث كان فتحه الأول ثم سار ميمما شطر الديار المقدسة.
وتضم الطريقة التيجانية كما هي منتشرة اليوم عدة مدارس من بينها المدرسة الحموية التي يعود تأسيسها للشيخ سيدي محمد الأخضر بن عبد الله (توفي 1327هـ/1909م) وهو صوفي صالح تتلمذ على سيدي طاهر أبو طيبه التلمساني الذي يعد من أكابر تلامذة الشيخ التجاني المباشرين ممن نال الإذن المطلق في الأوراد والأسرار والآداب وسمي خليفة عاما.
*المدرسة التيجانية "المولودفالية" اليعقوبية*:
وعكسا لما يسعى المغرب لتزويره بطرق الدعاية، فإن الطريقة التجانية ذات الأصل التاريخي الجزائري، إنما انتشرت عبر موريتانيا، حيث تولى الدور الأكبر في ذلك الشيخ سيدي مولود فال بن محمذن فال اليعقوبي الموسوي الشنقيطي (1187- 1267 هجري) سليل العلامة القاضي الأشهر المختار بن ألفغ (الفقيه) موسى الشمشوي اليعقوبي الذي عده أحد المؤرخين في تعداد أعلام وعلماء وأفراد الجزء الغربي من هذ الفضاء الواسع الذي عرف بعدة مسميات من أشهرها صحراء الملثمين وبلاد شنقيط قبل أن يطلق عليه الاداري الفرنسي كبولاني منظر ما يسمى "التوغل السلمي" في أرض "البيظان" : موريتانيا اليوم حيث يقول:
ومنهم المختار نجل ألفغا .. موسى المحاكي في العلوم أصبغا
وقد ولد الشيخ سيدي مولود فال ونشأ وتربى في تنيافيل بمنطقة "تاركه" (ترقى) التي تعني باللغة الصنهاجية واد السقاية الواقعة على بعد 45 كلم شمال شرق العاصمة نواكشوط) حيث كانت مضارب قومه.
يقول أحد شعرائنا المبدعين :
أحن إلى ترقى ووادي أضائها .. وهل لي إلى وادي الإضاء سبيل
ربوع بتنيافيل منهم محيلة .. حنيني إلى أيامهن طويل
*أسانيد عمت إفريقيا*
وإلى الشيخ سيدي مولود فال الموسوي تعود أسانيد معظم المشايخ التجانيين الذين برزوا بالدعوة إلى الله والذين ما زالت أمدادهم الربانية سارية في الخلق إلى اليوم فإنما أخذوا عن سيدي مولود فال رضي الله عنه إما مباشرة أو بوسائط (راجع في هذا الباب "كتاب طوالع السعود في حياة أبي السعود سيدي مولود فال"، لمؤلفه الشيخ عبد الله الشيخ الهادي).
ومن أبرز المتصلين بسند الشيخ سيدي مولود فال في السنغال وغينيا ومالي الشيخ الحاج عمر طال الفوتي والشيخ عبد الكريم الناقل الغيني والشيخ الحاج عبد الله انياس والشيخ معاذ كاه والشيخ شيرنو عمر جالو والشيخ سعيد نور تال، والشيخ نيبو الطوري.
وفي موريتانيا يرتبط به الشيخ بان أم ولد حم ختار الحاجي الواداني ومن ضمن المرتبطين بهذا السند الشيخ سيدي محمد ولد الصغير مؤلف الجيش الكبير وأخوه سيدي عبيدة مؤلف ميزاب الرحمة والسيد سيدي العربي ابن السائح الشرقي العمري والشيخ العلامة محمد فال بن باب.
وفي السودان يوجد سند سيدي الخليفة ود دوليب عن الشيخ سيدي مولود فال وما زال هذا السند قائما منتشرا في السودان في ولاية كردفان وفي غرب دارفور داخل منطقة جنينة وعلى مستوى مناطق الفاشر ونيالا والضعين.
ومن المرتبطين بهذا السند سيدي العلامة المحدث الشيخ محمد الحافظ المصري امام ومقدم الطريقة في مصر رحمه الله .
وفي نيجريا والكامرون والتشاد ما يزال سند السيد مودوبو أحمد راجي عن سيدي مولود فال قائما في نواحي آدوماه ويولا والمناطق الغربية من نيجيريا، وفي المناطق الشرقية من الكاميرون.
*التيجانية الحديثة (الفيضة)*
مؤسسها هو الشيخ إبراهيم بن الحاج عبد الله نياس السنغالي (1900-1975)، وهي أقوى فروع الطريقة التجانية اليوم ولها انتشار كبير في إفريقيا وفي العالم حيث يقدر عدد أتباعها ب 80 مليون شخص ويقدر عدد زواياها ب 40 ألف زاوية حية.
وكان للشيخ الهادي بن السيد حفيد الشيخ سيدي مولود فال آنف الذكر دور كبير في هذه المدرسة حيث ينتشر أتباعه في نيجريا ومالي والنيجر واتشاد والكمرون والسودان واتشاد.
*الجزائر هي الأصل*
وخلاصة القول إن الجزائر، باعتبارها في مركز العالم الإسلامي، كانت مرشحة أكثر لأن تكون مصدرة للعلم والثقافة والتصوف، فمكتباتها الضخمة وحواضرها العامرة بالعلم والعلماء الأفذاذ كل ذلك كان منارة إشعاع استفاد من نوره جنوب وغرب الصحراء بعمومه بما في ذلك موريتانيا عبر محور القوافل :(توات: آدرار حالا بالجزائر، تيمبكتو، ولاته، شنقيط).
كما تزخر المكتبات الموريتانية بالمؤلفات التي قام بها علماء جزائريون من شراح الرسالة ومختصر الشيخ خليل وغيرها من الكتب والمتون في العقيدة والفقه والتصوف التي تبارى علماء شنقيط في تدارسها وتحقيقها بالنظم والشرح والمحاذاة.
*نظرة للمستقبل*
تعتبر الظروف اليوم مؤاتية لتلاحم موريتاني جزائري من استرداد الأدوار التاريخية وإعادة ربط الصلات وتكامل الأدوار في مختلف المجالات وبخاصة في مجال محاربة التطرف داخل الساحل الإفريقي الذي يوليه فخامة الرئيس عبد المجيد تبون اهتماما خاصا حيث أعلنت الجزائر في قمة الاتحاد الإفريقي بأديس ابابا عن تخصيص مليار دولار لحل المشكل التنموي في الساحل، كما أنها توظف خبرتها وتجربتها لتجميع الجهود من أجل ساحل إفريقي آمن ومستقر .
ويدخل في هذا الإطار استقبال الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا لقادة الحركات الأزوادية من أجل تنشيط اتفاق السلم والمصالحة الموقع بالجزائر عام 2015، حيث عبر الزعيم الاژوادي السيد بلال آغ الشريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد و أحد أبرز الموقعين على ذلك الاتفاق في تصريح له لصحيفة "القدس العربي" الدولية، عن ثقته الكاملة في الجزائر وعن تثمينه لدور الجزائر.
وحدث ذلك بينما كانت الطغمة العسكرية الحاكمة في باماكو تحاول التملص من الاتفاق ومن الوساطة الدولية، وبينما سعت أوساط معروفة للتشويش على الدور الجزائري الذي لا يمكن القفز فوقه بأي حال من الأحوال؛ والجزائر في كل هذا ليست بدعا وانما هو استعادة لمكانتها الريادية التاريخية المشهودة على المستويين الإقليمي والدولي.
والله المستعان .
* *بقلم محمد سالم ولد محمد اليعقوبي* كاتب وناشط
في المجتمع المدني، وباحث متخصص في قضايا الصحراء الكبرى.