ذاكرة التاريخ اليقظة والتي لا تنام هي أشبه بالشفرة الالكترونية في حفظ تفاصيل ودقائق الأمور، لقد حفظت للمرابطين أثارهم، أمجادهم في البر والبحر تماما كما حفظت لغيرهم فهي حاضنة الأمانات مأمونة الودائع :
حفظت تاريخ ابن ياسين ورباطه في جزيرة نائية في مصب نهر متدفق جارف
حفظت لأبي بكر ابن عمر اللمتوني شجارا دار بينه وبين زوجته زينب، وبينه وابن أخيه يوسف ابن تاشفين ، تماما كما حفظت انتصاراته المدوية ودكه الحصون والقلاع .
حفظت لحظة خروج محمد ابن الحسن المعروف بالإمام الحضرمي - من اليمن – تقفت أثره خطوة خطوة إلى أن أهدت إلي ضريحه في الجانب الأقصى من الصحراء الموريتانية ، حفظت هذا وذاك وأكثر
لكنها اليوم تقف عاجزة حائرة غير قادرة إطلاقا على حفظ ماء وجوه ألئك الذين يقفزون فوق أسطح منازل التاريخ، ممن يفترون الأحداث التاريخية، ويروجون لتقنية التشويش على الحقائق كبدائل عن الوقائع مستخدمين سياسة (إن البقر تشابه علينا) ظانين أن الوقائع التاريخية ليست أكثر من مجرد ظواهر تتأثر سلبا أو إيجابا ببعض الملكات العقلية أو الخوارق التي يمتهنها بعض أساطين الرقية الشرعية في غرب البلاد .
ولو سلمنا جدلا : أن الملكات العقلية والرقيا ولو كانت شرعية قادرتان على لي عنق التاريخ رغم فلاذية هذه الأخيرة وتحصينها واستعصائها
فهل هي شرعية في جانبها المتعلق بتزوير الأحداث وقلب الحقائق ؟ وهل هي عقلانية إزاء ذالك ؟ وما هو موقف الشرع من قول الزور والعمل به وما هو قول المشرع الموريتاني هو الآخر ؟
هذا فضلا عن تنظيم الحفلات ، والمنتديات ، وابتكار احدث تقنيات المراسيم وبشهادات كل الفاعلين : من أساتذة ومثقفين وخبراء ودبلوماسيين ووجهاء ومدعوين من داخل وخارج الوطن ومن من يحمل هموم الأمة وممن لا هم لهم سوى تقبل الدعوات ألليلية بأريحية فهي بالنسبة له لا تعدو أكثر من سمر ليلي يبعد فيه المرء هم المكتب وينزوي عن أجواء العيال المليئة بالصخب المشحون بالملاسنات.
ومن المفارقات أن ذالك كله تم بدعوة كريمة واستضافة أريحية من دار الثقافة الموقرة، ولا عار فهي الجهاز المكلف بمهمة تأدية الواجب الثقافي ولا عبرة بمصداقية هذا الطيف أو ذاك، فالعبرة بالكم لا بالكيف فهي تستضيف كل الألوان وفي كل المناسبات خاصة نجوم السينما والمسرح ، والفن والإبداع، فالمهم هو إثراء الساحة المسرحية، ولا بأس أيضا إن كان في الجيب فضل من الدراهم.
وهذه السهرة من ذالك النوع الذي يسمى الصيد الثمين الذي لا يمنحه غير الله أو أحد عباده الصالحين المجربين في رقيا السلطات العمومية.
* وأبطال هذه المسرحية ما بين عقيد تتوهج نياشينه بطلا مغوارا في تسيير المؤسسات العمومية
*ومابين سفير لدولة صديقة أشقيقة أتخمه فائض الذهب الأسود وتلعق أنامله خوفا وطمعا .
* ومابين مرق ( حجاب ) نفثت فيه السلطات العمومية روحها ورحيقها.
ولاغرو أن يحضرها أكابر المثقفين، والمبدعين وحملة أقلام الرصاص وأقلام الحبر والسفراء والساسة، ومن له عقل ومن ليس له عقل : فالدكاكين مفتوحة والعروض قيمة .
ولو كان الإمام الحضرمي نفسه حيا لحضر هذه المسرحية باعتبارها تجربة رائدة في ميدان المسرح الحديث والناشئ في البلاد : حيث تظهر لك شخصية العسكري إلى جانب الدبلوماسي، وشخصية المثقف إلى جانب المتسكع لتضع هذه الرباعية علامة استفهام كبيرة أمام إشكالية بطل هذه الرواية؟
لكن الشيء المخيب للآمال في هذه السهرة هو ما أشار إليه بعض المثقفين من (حملة الضمير) هو غياب مبادئ الإمام وغياب أهل الإمام وكذالك درع الإمام.
ولاشك أن أذهان طاقم دار الثقافة غابوا أيضا بفعل أجواء الاحتفال ، فلو كانوا حاضري الذهن لأبلغوا الحضور الكرام بأن هذا الدرع تم تسليمه سلفا منذ أكثر من ثلاث مئة عام تزيد أو تنقص.
ولو أراد العقيد ولد أييه بهذه المسرحية أن تكون واقعية وذات جاذبية ومصداقية لاتصل بأصحاب الدرع الحقيقيين لكن ولد أييه يعلم علم اليقين أن هذا الدرع تم برؤيا صالح بين الإمام الحضرمي والإمام عبد الفتاح الملقب أعبيدن وهنا تشابه عليه البقر كما يقال فظن أن صلاح ولد محمودن بوسعه منح هذا اللقب الرمزي .
ورغم احترامنا وتقديرنا للشيخ فإنه لا يعرف عن الإمام الحضرمي أكثر من أسمه ومن هنا يكون لا حرج عليه في تسليم درعه، أو سيفه أو فرسه للعقيد أو للعريف – فمنحة ما لا تملك لا خسارة فيها كما يقول المثل.
لكن يـــــــــــا ولد محموذن: أليس ذالك تمزيقا لرداء تاريخي ألبسه الله أقواما مثلك في الصلاح والورع والزهد والبعد عن السلطان وحاشيته .
أليس ذالك استهتارا ، وازدراء ، بتاريخ أمة بأسرها؟ ولعبا بأدوار ومراكز شخصيات ذات مكانة تاريخية مرموقة – ليس ذالك لأن ولد أييه لا يستحق درعا فنحن نمنحه دروعا إن شاء- لكن من باب فعل ما لا ينبغي.
وفعل ما لا ينبغي لا ينبغي لتندغ، ولا لغير تندغ.