لم أكن أتوقع إطلاقا بأنه ستمر بي لحظات أجدني مضطرا فيها للتعاطف مع الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدأحمد الطايع، لم أكن أتوقع ذلك إطلاقا، ولكن المصيبة أن ما لم أكن أتوقعه قد أصبح واقعا يتكرر كثيرا.
إنه يتكرر كلما تم تعيين أحد وزراء ولد الطايع، وما أكثر وزراء ولد الطايع الذين تم تعيينهم في عهد الرئيس عزيز.
إن ما يدعوني للتعاطف مع ولد الطايع هو أن ولد الطايع لا يملك إلا منزلا واحدا في السبخة حسب شهادة خصومه، عكس وزرائه الذين عينهم الرئيس عزيز المحارب للفساد، والذي ادعى بأن انقلابه الثاني إنما جاء من أجل الوقوف ضد عودة رموز الفساد الذين حاول الرئيس السابق سيدي ولد الشيخ عبد الله أن يعيد بعضهم إلى الواجهة.
لقد تعاطفت مع ولد الطايع يوم تم تعيين أحد وزرائه المتهمين بأبشع أنواع الفساد (تسريب الباكالوريا) على رأس أسمى وظيفة دستورية في البلاد (رئاسة المجلس الدستوري).
ولقد تعاطفت مع ولد الطايع يوم تم تعيين أحد وزرائه المتهمين بأشهر عملية خداع للمؤسسات الدولية (تزوير أرقام البنك المركزي) على رأس الوظيفة الأكثر أهمية في مجال محاربة الفساد (مفتشية الدولة).
ولقد تعاطفت مع ولد الطايع يوم تم تعيين أحد أكثر وزرائه تقلبا بين الوزارات والمتهم في العديد من ملفات الفساد، على رأس أهم مؤسسة تم تأسيسها في ظل هذا العهد ( المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء).
فلماذا تم تعيين أولئك وغيرهم وحُرم ولد الطايع الذي كان أقل سرقة للمال العام من كل وزرائه؟
ولماذا لا يتم تعيين ولد الطايع وزيرا أولا في حكومة توافقية كالتي تدعو لها مبادرة مسعود ما دام أركان نظامه هم الذين يتصدرون السلطة وأغلبيتها، والمعاهدة ووئامها، والمنسقية بأغلب أحزابها، وبأغلب شخصياتها المستقلة، وأيضا ما دام هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يحصل عليه أجماع في الوقت الحالي نظرا لتصدر أركان نظامه للأقطاب السياسية الثلاثة التي تتصدر المشهد السياسي الآن؟
أليس من الظلم أن يتم استثناء ولد الطايع لوحده من الدمج في الحياة الحكومية والسياسية رغم أنه كان الأقل نهبا للمال العام، وذلك في الوقت الذي تم فيه دمج كل أركانه نظامه الفاسد والمفسد؟
فمن الذي يتصدر الأغلبية والسلطة اليوم؟
ومن الذي يتصدر حزب الوئام الذي يعد من أهم مكونات المعاهدة ؟
ومن الذي يتصدر واجهة الكثير من أحزاب المنسقية؟
لن يغيب رموز نظام ولد الطايع عن أي جواب على أي واجد من تلك الأسئلة الثلاثة.
المؤلم حقا هو أن هذا هو حصيلة انقلابين على نظام ولد الطايع، وهو أيضا حصيلة حرب معلنة على الفساد وعلى رموزه بدأت افتراضيا منذ فجر السادس من أغسطس من العام 2008.
فلماذا كانت هذه هي الحصيلة؟
إن الحرب على الفساد كانت خدعة كبيرة، وكان يجب أن تستبدل بالانتفاضة الشعبية ضد الفساد، لأن الانتفاضة الشعبية هي وحدها التي كان بإمكانها أن تقضي على الفساد. فيا أيها الضحايا ـ والشعب الموريتاني كله ضحية للفساد ـ انتفضوا الآن ضد الفساد، وإلا فابشروا بمزيد من الفقر وبمزيد من البؤس الذي لا تستحقون غيره إذا أنتم لم تنتفضوا الآن ضد الفساد. واعلموا بأن الحرب على الفساد هي من المصطلحات الخاطئة والمضللة، فالشعار الذي كان يجب علينا أن نرفعه هو الانتفاضة الشعبية ضد الفساد، لا الحرب الرسمية عليه، وذلك لأن الحرب لها أسلحتها الرسمية التي تحتكرها السلطة. أما الانتفاضة فهي شعبية، تتيح للجميع المشاركة، كما تتيح لهم إمكانية استخدام كل ما هو متوفر وتحويله إلى أسلحة فعالة لضرب الفساد والمفسدين. فيا أيها الضحايا انتفضوا ضد الفساد، وذلك باستخدام كل الوسائل المتاحة لديكم، والتي لن يكون أقلها: أن تحتقروا في داخلكم الفساد والمفسدين، وأن تحاولوا بعد ذلك أن تعبروا عن ذلك الاحتقار بكل ما هو متاح من وسائل. وعليكم يا أيها الضحايا أن تعلموا بأنه لن يكون هناك من هو على استعداد لأن يخوض بالنيابة عنكم حربا على الفساد، ما دمتم أنتم ضحايا الفساد ترفضون أن تكونوا في الصفوف الأمامية، وما دمتم تخافون من إعلان انتفاضة شعبية ضد الفساد والمفسدين.
ولا تصدقوا ـ يا أيها الضحايا ـ بأن نائبا يسكن في منزل فاخر، ويركب سيارة رباعية، ويتسلم في نهاية كل شهر راتبا بمئات الآلاف من الأوقية سيعتبر الحرب على الفساد هي حربا مصيرية بالنسبة له، لن يعتبرها كذلك، مهما كان مستوى حبه لهذا البلد، ومهما كانت درجة وطنيته، ومهما كان مستوى تعاطفه معكم.
هذه الانتفاضة أو هذه الحرب إذا شئتم لا يمكن أن يعتبرها حربا مصيرية إلا أنتم الضحايا الذين تعيشون فقراء على أرض تكتنز من الخيرات والثروات الشيء الكثير.
وأعلموا ـ يا أيها الضحايا ـ بأنكم ستموتون فقراء، ما دمتم ترفضون أن تنتفضوا ضد الفساد، وما دمتم تنتظرون من يخوض نيابة عنكم حربا بالوكالة ليست حربه.
واعلموا في الأخير بأنكم تستحقون الواقع البائس الذي تعيشون فيه، بل تستحقون أسوأ منه ما دمتم تقبلون بمواصلة التفرج على الحرب الوهمية على الفساد، وما دمتم ترفضون أن تعلنوها انتفاضة شعبية ضد الفساد والمفسدين سواء كان ذلك الفساد في الأغلبية أو في المعارضة أو في البرزخ بينهما.
حفظ الله موريتانيا..