الدولة الموريتانية تعيش في ظل القبيلة / الحسين ولد محمد عمر

الحسين محمد عمرعقد في مدينة نواكشوط قبل فترة قصيرة اجتماع لقبيلتين على خلفية نزاع على قطعة أرضية في عرفات، ويعتبر هذا الاجتماع كغيره كثير يجري في السر، دليلا واضحا على اللامدنية واللاتقدم الذي تقبع فيه موريتانيا، الغريب في الأمر أن أغلب هذه الاجتماعات تجري في عاصمة البلاد وكأن لا سلطة قائمة ولا هم يحزنون،

 أضِف إلى ذلك أن بعض هذه الاجتماعات يقرر منْ مِن أبناء القبيلة سيتم ترشيحه لتقلد المنصب كذا أو غيره ، أي أنه الشخص الذي ستقدمه القبيلة للحكومة ليتم تعيينه في منصب كذا، ولا غرابة أن تسمع مثلا يوم الخميس(يوم التعيينات بلا منازع)، لقد تم تعيين فلان للقبيلة الفلانية وهكذا دواليك، والغريب أيضا أن أول سؤال يطرحه عليك "أحد مثقفي البلد" هو من أي الناس هو؟ (يقصد الشخص الذي تم تعيينه) وعندما تنتقد ذلك السلوك يقابلونك بسخرية مبطنة على أقل تقدير أو يقول لك أحدهم لا تتعب نفسك الدولة هكذا،ويرسم على وجهه ابتسامة باهتة كاذبة. فما هو السبب يا ترى؟

يعتبر ظهور القبيلة بهذه الطريقة الفجة والفاضحة دليلا واضحا على فساد الأنظمة العسكرية الحاكمة المتعاقبة ، فأقرب مثال على ذلك هو الحادثة الأخيرة في عرفات والتي جاءت نتيجة عدم القطع فيمن تعود له ملكية القطعة الأرضية، مما تسبب في ظهور هذه الاجتماعات للعلن، ومن ناحية أخري يعتبر اعتماد النظام الحاكم على سلطة الزعماء التقليديين لتقويته خصوصا في الفترات الانتخابية ، مساعدا فعالا في استمرارية هذا السرطان الذي ينخر هذه الدولة التي تعتبر متخلفة على مختلف الصعد، وبكل المقاييس.

كما أشرت سابقا يعتبر الظلم وغياب العدالة والمساواة سببا مباشرا في تجذر الممارسات القبلية، ولدينا أمثلة على ذلك، فبغض النظر عن مشروعية أو عدالة ما يقوم به النظام الحاكم إلا أن أول ما يظهر لك عند اعتقال مسؤول ما بتهمة الفساد، هو اجتماع لقبيلته أمام القصر الرئاسي وأمام قصر العدالة وفي الشارع وحتى يقومون بتنظيم مظاهرة تنديدا باعتقاله، هذا المظهر لا يمكن تفسيره إلا بمعطيين اثنين، أولهما غياب العدالة وتخبط النظام في رميه التهم جزافا على الأشخاص ،إذ سرعان ما يتم الإفراج عنهم بعد فترة دون معرفة الحقيقة وراء هذا الاعتقال الذي يكون في غالب الأمر سياسي، المعطى الثاني هو ظهور القبيلة التي تعتبر الضامن لإطلاق سراح أي شخص تم اعتقاله سواء كان مذنبا أم كان ضحية لحسابات سياسية.

ويرى البعض تغاضي النظام الحاكم عن القبيلة بما صارت تمثله من تحد لهيبة الدولة إلى كونه هو نفسه نتيجة لاجتماعات القبيلة وتحالفاتها ومحاولة بعضها فرض سيطرته على الدولة الموريتانية نفسها ومن منظور عنصري بحت، كما يقوم هذا النظام ، مهما يكن، في المواسم الانتخابية تحديدا – ونحن على أبواب ذلك- باللجوء إلى القبيلة لدعمه انتخابيا خاصة لما يتمتع به الزعماء التقليديين من سلطة على العامة الذين يتميزون بالغالب بالجهل والتعصب وضيق الرؤية بالنسبة لمن يرون أنهم مثقفي تلك القبيلة.

إذا كان النظام جاد فعلا في تقزيم النشاطات التي تنظمها القبائل فعليه بالتركيز على الجانب التعليمي وتطبيق سياسة فعالة تتمثل في إدراج توجيهات في النظام التربوي يحث من خلالها المعلمين التلاميذ على حب الوطن وكره الإطار القبلي باعتباره ندا وضدا لقيام دولة عصرية تتمتع جميع مكوناتها بالمساواة والعدالة الاجتماعية.

وما لم يحدث ذلك فإن الدولة تدعم هذه التجمعات السرطانية بالسكوت عنها وبالسماح لها بتنظيم هذه الوقفات والتظاهرات المشينة والمعيبة، والغريب في الأمر أنه إبان الأزمة الأخيرة التي وقعت بين رئيس الدولة الجنرال عزيز وولد بوعماتو بخصوص الضرائب والتي تناولها الإعلام باستفاضة حيث رأى أنها تسوية حسابات بين الرجلين ، من الغريب أن يعقد اجتماع قبلي لمحاولة التوفيق بينهما وكأن لا وجود لشيء اسمه الدولة الموريتانية وسبب الخلاف لا يتعلق بأموال خاصة بها أيضا.

المشكلة الكبيرة التي ترزح تحتها موريتانيا وتمنعها من التقدم والتطور هو التعصب القبلي والعنصرية القبلية المقيتة، هذه المشكلة هي التي تغذي الانقلابات المتتالية السبب الآخر في تدمير الدولة الموريتانية ، فتخيل كيف ستتقدم دولة تكالبت عليها القبائل وقيادات عسكرية همها الوحيد هو جمع أكبر قدر ممكن من المال وتعيين مثل ذلك من الأقارب ومن أبناء القبيلة نفسها. كل ذلك في ظل تعليم فاشل ومخترق، علما أنه السبيل الوحيد الذي يمكن أن يعمل على تثقيف العامة بأهمية دولتهم ومصلحتها العليا.

27. أبريل 2013 - 23:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا