مسكينة هي مقاطعة أوجفت المنسية، و مساكين سكانها المقاومون لقساوة الطبيعة و ظلم التاريخ، أو جفت (مقاطعة الواحات) حيث تحتل الصدارة من حيث عدد النخيل و الأهم أنتاج للتمور على المستوى الوطني، و هي الأكبر من حيث المساحات الصالحة لزراعة الخضروات و الزراعة المطرية على مستوى ولاية آدرار،
أوجفت مقاطعة السياحة حيث يشكل جمال أوديتها و دفئ واحاتها و تشكلتها التضاريسية الساحرة أداة جذب للسائح من الداخل والخارج، أوجفت (مقاطعة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي) بإمتياز، حيث تم التخطيط لمعركة تجكجة التي قتل فيها العدو الفرنسي كبولاني في واحة (أمحيرث) المجاورة لأوجفت العاصمة، وكان جميع المشاركين في تلك المعركة من سكان المقاطعة، أوجفت مقاطعة العلم و الورع و الكرم و الحفاوة و مثال المثابرة والصبر.
وبالرغم من تلك المؤهلات الاقتصادية و البشرية الضخمة فإن تلك المقاطعة منذ فجر الاستقلال مازالت ترزح تحت وطأة الإهمال حيث لم تشفع لها مكانتها التاريخية ومواقعها الأثرية بالالتحاق بالمدن التاريخية في البلاد، مع أنها أقدم من بعضهم كما اثبتت ذلك بعض الدراسات المختصة.
أوجفت هي الأكبر تضررا من مساوئ سياسة الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، صاحب أكبر تجربة حكم ديمقراطي في البلاد، حيث ملئ شعابها بالصراعات و بؤر الأحقاد التي عكرت صفو الأهالى و لطخت براءتهم، و مازالت تلك المقاطعة حتى الآن نضمد جراحا لم تندمل بل ظلت من حين لآخر عرضة لتأثرات مختلفة.
اما اليوم وفي ظل بوادر تنموية واعدة على المستوى الوطني، و على وقع اكتشاف معالم أثرية مهمة ، تدل على أوجفت القديم ، حيث يأمل السكان أن تصنف أوجفت ضمن قائمة التراث الانساني العالمي، أنعقد مهرجان اوجفت للثقافة والتراث، كفرصة للتعريف بمقدرات تلك المقاطعة على شتى المستويات، و معرفة مشاكلها التنموية و كيفية معالجة تلك المشاكل، حلم ظل يراود أهالي أوجفت لكنه للأسف (كان حلم أحولْ)، بالمفهوم الشعبي، و هكذا مرذلك المهرجان مرور سحب أوجفت التي لا يستفيد منها المواطن سوى عواصف الرياح.
لم يكن مهرجان اوجفت للثقافة والتراث (كما يسمونه)، اكثر من وسيلة خلقها عمدة أوجفت الموقر ول أحمين أعمر لتخرجه من منتجع المعارضة (الذي يبدو أن منابعه بدأت تنضب) بمفهوم (سياسة التمصلح)، لينتقل عبر هذا المهرجان الى أحضان الأغلبية (إن كان سيسمح له الازدحام الشديد هناك) بتبؤ مكان بديل، فهذا العمدة الرجل المخضرم، وهو يتجهز للرحيل، يضع عينه على الانتخابات القادمة و ما يصاحب ذلك (عادة) من انتعاش الجيوب و التموقع السياسي المرموق.
لم يذق ولد أحمين أعمر النوم منذ عزمه على تنظيم المهرجان، و بدء يمركز الأمور في يده و يحيط تنظيم المهرجان بعنصرية سياسية و (مصالحية) واضحة فلم يتشاور مع اهالي المقاطعة (منتخبون ـ مجتمع مدني ـ تنظيمات مهنية ـ شخصيات مرجعية ... الخ) في تنظيم المهرجان بل اكتفى بالإدارة المباشرة له مستعينا بأفراد تربطه بهم صلات قرابة ومنفعة مكشوفة.
و من حيث مصادر تمويل المهرجان كانت النواة التي بني عليها ذلك التمويل هي الاعانات التي حصل عليها ول احمين اعمر من لدن رجال اعمال (من بني عمومته وجواره ومعارفه)، إضافة الى دعم بسيط الدولة و المنظمات المهتمة بالمجال، وتم ذلك في ظروف غامضة حيث لم تشكل لجنة على مستوى المقاطعة تكلف بجمع و تسيير تمويل المهرجان و هو ما يشير لي شخصيا الى ريبة في كيفيات الصرف على ضوء قراءتي لتحصيل للمداخيل.
هذه الأخطاء في مجملها كان لها تأثيرها السلبي على الحضور الرسمي للمهرجان مقارنة مع ما كان يروج له المنظمون، كما غاب عنه كل من نائب المقاطعة و شيخها و رئيس قسم الاتحاد من أجل الجمهورية في المقاطعة،وبعض العمد، و سط غياب كبير لأطر المقاطعة إضافة الى غياب ممثلين للكتل السياسية التقليدية المعروفة في المقاطعة، و غياب حضور منوع للزعامات التقليدية الممثلة للأطياف الاجتماعية مما يطرح نقاط استفهام عديدة.
فعاليات المهرجان لم تكن غنية كما كان يتصور الجميع بل تمحورت حول حدثين أساسيتين: أوهما اعلان ولد أحمين اعمر لتحوله من المعارضة الى الموالاة و هو حسب المحليين بيت القصيد، والثاني زيارة شكلية للآثار التاريخية للمقاطعة و الوقوف على معرض ضم بعض الآثار القديمة.
و من وجهة نظري الخاصة و مع أني لست محللا سياسيا بقدر ما اهتم بقضايا أوجفت، الفت انتباهكم الى النقاط التالية التي كشف عنها هذا الحدث:
1 ـ المهرجان كشف عن عمق الصراعات السياسية في المقاطعة و تأثيرها السلبي على التنمية المحلية؛
2 ـ غياب الاهتمام لدى النخب السياسية في أوجفت بالقضايا المحورية و المشاغل الحقيقية للسكان، و الانكباب على الأمور السطحية التي تعكس الصراعات الشخصية بين جهات معينة؛
3 ـ هشاشة الطبقة السياسية للمقاطعة و صعوبات تجديدها، رغم النداءات المتكررة للقيادة الوطنية بتجديد النخب السياسية وإدماج الشباب في مراكز اتخاذ القرار المحلي كخطوة جادة و معلنة لرفع التحديات التي تواجه تنمية البلد كجزء من السياسة العامة للدولة.
في نهاية هذا المقال أوجه نداء عام الى كل الغيورين على تنمية مقاطعة أوجفت لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية و واجباتهم التنموية لمكافحة ظواهر (التسول العصري) و سد الطريق أمام التلاعب بمصالح المقاطعة و سكانها الخيرين، و تجنبهم كوارث اصطدامات المصالح الشخصية بين الساسة.
أما كلمتي لرجال الأعمال و فاعلي الخير من أبناء المقاطعة و محبيها، فأقول لهم أن عليهم أن لا ينفقوا أموالهم الا في تنمية المقاطعة لا في تفرق أهاليها المشتتين، و اوجه الانفاق لا تحصر و احتياجات السكان بادية للعيان، و أذكرهم بأنهم سيسألون عن مالهم من أين اكتسبوه و فيما أنفقوه.
كما أذكر المنتخبين المحليين بواجبهم اتجاه المواطن المسكين الذي اسدى اليهم جميل التصويت حتى اوصلهم لمناصبهم بلا حول منهم و لا قوة، فعليهم أن يتحملوا كامل مسؤولياتهم التنموية و يستحضروا دوما أنهم أمام الله و أمام الشعب و أمام التاريخ.
عبدي ولد البشير ولد امحيحم
قانوني و مهتم بقضايا التنمية
46907260