طالعت كغيري من المتابعين للشأن الوطني الوثيقة الصادرة بعد الإجتماع الذي ضم اغلب أطر شريحة " لحراطين " يوم امس بمباني دار الشباب القديمة وممالاشك فيه بأن وثيقة صادرة عن نخبة شريحة من أهم واكبر شرائح هذا المجتمع تستحق أن يقف معها المتابعون ويحللها المحللون لما قد يتربت عليها من بلورة للمشهد الوطني المنهك وقبل إبداء وجهة نظري المتواضعة في - الوثيقة - و - اللقاء - عندي ملاحظتين أحب ان ابدء بهما ,
الأولى :
هي انني لست بمتطفل حين أبدي وجهة نظري في وثيقة صادرة عن " لحراطين " نظرا لأواصر القربى والخؤولة التي تجمعني بهم وقد لايكون غيري من ابناء هذا الوطن متطفلا اذا قام بنفس الفعل فمن المعلوم أن ابناء الدين والوطن يجمعهم أكثر مما يفرقهم وهذا الدافع الأبرز الذي جعلني اتناول الوثيقة من باب النقد ,والإشادة ,والتقويم ,والوطنية.
الملاحظة الثانية :
من الجميل أن تجتمع نخبة شريحة وطنية من أجل تقويم المسار ورسم ملامح الطريق تحت يافطة المطالبة بالحقوق وإرساء دولة القانون وإن كنت اتمنى ان يكون الإجتماع إجتماع أبناء الوطن الواحد من أجل تدارس مستقبل البلد وشاء الله أن لايكون ذلك وليس من العيب مطلقا أن يجتمع قوم من أجل المطالبة بحقوقهم المشروعة وهو مانتفق معهم جميعا فيه ولكن الناظر من بعيد إلى الإجتماع مساء أمس يوحي اليه الشكل الخارجي للقاعة بكثير من الرسائل الممزوجة مابين السلبية والإجابية فقد حوت القاعة من بين ماحوت كثير من المتناقضات " الحرطانية " إن صحت العبارة فإلى جانب العميد " محمد سعيد ولد همدي " جلس المناضل المثير للجدل " بيرام ولد اعبيدي " وغير بعيد من ذلك جلس المناضل " أبو بكر ولد مسعود " وإستطاع لحراطين في ذلك المساء الصاخب رسم لوحة لم تكتمل معالمها الفنية !ولاحظ ابرز المراغبين غياب "الحراطين " المقربين من النظام دون معرفة الأسباب .
ساهم اللقاء في جمع نخبة هذه الشريحة بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية وظهر الكثير من الخلاف بين الارقاء السابقين مما يبعث برسالة واضحة مضمونها أن نخبة " لحراطين " لم تتفق بعد على بلورة وجهة نظر مشتركة من اجل الرفع من شأن الشريحة التي جمعتهم أو إنتزاع بعض الحقوق لمستصعفيها وبدى جليا أن كل أبناء هذه الشريحة يغني على ليلاه النضالية التي قد لاتشكل محل إجماع عند ابناء الشريحة وكانت محاولة " بيرام " الإنسحاب من القاعة بعد المشادات الكلامية التي حصلت بينه وبين "ولد مسعود " اهم ملمح من ملامح الإختلاف بين "لحراطين" ولولى تدخل عقيلة ولد مسعود لخرجت الأمور عن السيطرة وغادر - بيرام - القاعة ومما لاشك فيه انه كان سيكون لمغادرة - بيرام - الأثر البالغ على مثل هكذا لقاء فبيرام هو حامل لواء النضال ضد العبودية والغبن في هذه الفترة في الوقت الذي يقول فيه بعض ابناء "لحراطين" ان الرعيل الأول إختار النكوص الى الدنيا والتخلي عن النضال وهي وجهة نظر يفسرها كلى الفريقين على هواه ,
بعد الشد والجذب وحالة الإرتباك التي سادت لقاء - لحراطين - خرجت عن اللقاء وثيقة مهمة وهي مربط الفرس في هذا المقال وقد اطلعت على مختلف جوانب هذه الوثيقة التي شخصت واقع هذه الشريحة بنوع من الشرح والتفصيل والتأصيل والأرقام وقبل الغوص في ثنيا الوثيقة قد لايكون هنالك ضرر اذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء محاولين سبر اغوار النضال الذي قادته نخب " لحراطين " من أجل إنتزاع حقوقها فمن المعلوم أن حركة - الحر - شكلت نواة ذلك النضال قبل ان تعصف بها عاتيات الزمن وتتقاذفها أمواج الانظمة العسكرية المتعاقبة على حكم البلد محدثة بداخلها حالة من عدم الإستقرار وإحداث الإنشقاقات حتى أعلن بعض رموزها حلها وأعلن البعض الآخر تمسكه بها فيما تركها البعض الآخر في اول وهلة لاأحد يستطيع ان ينكر بأن نخب " لحراطين " بنضالها المرير من أجل نيل الحقوق إستطاعت تحقيق بعض المكتسبات المشاهدة وفشلت في تحقيق بعض ماكانت ترنوا اليه ,وكان للعامل السياسي دور بارز في رسم معالم حركة "الحر" وللحظوظ النفسية والانتصارات الذاتية ايضا دورها الذي اثر سلبا على تلك الحركة الحقوقية في فترة من الفترات والحزب السياسي في فترة أخرى ليظهر بعد ذلك الكثير من الحركات الحقوقية المطالبة بحقوق شريحة لحراطين الرافضة للعبودية ولعل أهم ماحققته تلك الحركات هو خلق وعي وطني على مستوى النخب رافض للعبودية وداع للحرية .ولعل من أبرز تلك المنظمات حركة " إيرا " المثيرة للجدل و " منظمة نجدة العبيد " بالإضافة إلى خط موازي شكله ابناء هذه الشريحة الموالين للأنظمة المتجاهلين لهموم وتطلعات شريحتهم حسب الطرف الآخر إلا ان إجتماع الأمس أظهر نوعا من التماسك على الاقل الظاهري بين مكونات هذه الشريحة بمختلف مشاربهم .
مضامين من الوثيقة :
من الواضح أن الوثيقة اعدت بعناية فائقة وتطلب إعدادها بعض الوقت فقد تم في وقت سابق من العام المنصرم تسريب بعض مضامينها لوسائل الإعلام قبل أن يكشف النقاب عنها في الأمس المتأمل في " الوثيقة " يدرك أن من قاموا بإعدادها قاموا بدارسة مطولة وبحث مستمر اعطاهم مجموعة معطيات يكاد الكل يجمع على حقيقتها وهي للأسف حقيقة مرة تنبئ بمستقبل غامض يتهدد هذا البلد إن لم يبادر الخيرين من أبناء هذا الوطن إلى مساعدة المهمشين من اخوانهم فمن المجحف ان يكون من بين اكثر من خمسين حاكما لايوجد سوى حاكم واحد من شريحة معتبرة ومن بين تسعة عشر جنرالا لايوجد سوى جنرال واحد من نفس الشريحة ونفس الشيئ حين يتعلق الامر بالأطباء و الأساتذة والإدارين !!ناهيك عن التسرب المدرسي والغبن الذي يعاني منه ابناء هذه الشريحة .
دعوة للحراطين :
إن تشخيص الداء ليس هو الحل لمشاكل ابناء هذه الشريحة بقدر ماهو خطوة مهمة في طريق الإصلاح المجتمعي النابع من تظافر مجموعة عوامل قد تحافظ على تماسك النشيج المجتمعي في البلد الواحد إن الناظر اليوم الى شريحة " لحراطين " يجد نوعا من الإنفصام بين مثقفي هذه الشريحة ومسحوقيها وفي أحيان أخرى يجد نوعا من التنكر والتخلي من طرف بعض ابنائها الذي حالفهم الحظ واحتوتهم الانظمة وانستهم الوظائف هموم طبقتهم المسحوقة واصبحوا سيفا مسلطا على المطالب المشروعة التي قد يطلقها بعض الذين لم يبلغهم الحظ بعد لاخلاف في ان الدولة هي المطالبة بتوفير الحقوق لكل المستضعفين وفي " لحراطين " مستضعفين كما في " البيظان " وفي " الزنوج " ولكن نخب هذه الشرائح مطالبة هي ايضا بإشاعة الفكر التوعوي والعمل على قدر الجهد في أوساطها حتى تساهم ولو من بعيد في رسم نوع من البسمة والامل على وجوه مساكين حاصرتهم الهموم وانهكتهم المتاجرة والمساهمة الحقيقة في صناعة جيل قادر على المساهمةفي بناء البلد نعم للمطالبة بالحقوق ولاللفتن :
اتفق مع الوثيقة الصادرة في كثير من مضامينها العادلة ومطالبها المشروعة وتطلعاتها التي لاضرر فيها ولكن بين المطالبة بالحقوق والسعي للفتن مساحة شاسعة فمن حق " الحراطين " الصدع بمطالبهم ومن حقهم مزاحمة الآخرين في كل مايتيحه الوطن ولكن الحذر الحذر من ان تتحول المطالب المشروعة إلى قنابل موقوتة يستخدمها المخربون ويستغلها المتآمرون من أجل زعزعت أمن هذا الوطن المختطف من طرف طغمة عسكرية فاسدة هي سبب الظلم الذي تعاني منه كل شرائح هذا المجتمع ويبقى الأمل بعد الله في نخبة واعية وشباب مثقف سيتعالى بحول الله على الجراح من أجل الوطن والرسو بسفينته على بر الأمان حيث الحرية والكرامة والعدل والدين الجامع الموحد عندها تسقط دعاوي الجاهلية وترفرف الراية التي ارتضى الله لعابده وننعم جميعا بتلك العدالة الربانية التي لامعيار فيها لغير التقوى والتقوى فقط .