يطرح نظام أو قانون التمييز الايجابي مجموعة من الأسئلة الجوهرية، منها بالأساس مدى موافقته للدستور والقانون، ومدى قابلية تجسيده بشكل يمنع الحيف والجور في حق بعض المجموعات أو الأعراق، ورغم أنه تم العمل به في بعض البلدان لتعويض الأقليات عن خسائر عرفتها في أزمنة ما، بسبب التهميش والغبن، أو لمساعدتها معنويا في تجاوز بعض العقد المتأتية عن ذلك الحيف الذي خضعت له.
لكن سؤالا يظل عالقا بهذا الخصوص يتعلق الأمر هنا بمن هم المستهدفون الحقيقيون بنظام التمييز الايجابي في بلادنا، وهل هم أقلية بالفعل؟ وهل تعرضوا للحرمان والتهميش فعلا في ظل الدولة المدنية؟ وإن كان فما هي تجليات ذلك الظلم وما طبيعته؟ وهل شمل الحرمان من التعليم أو التوظيف مثلا؟ أو الولوج للخدمات الصحية أو الاجتماعية؟ أو حال دون المشاركة السياسية؟ أو تسبب في منع الآراء مخالفة أو موافقة؟ أو شكل عقبة دون تسنم المناصب العليا، أو منع من التموقع العملي داخل كل المرافق والهيئات الوطنية؟!
هنا طبعا الحديث عن بلادنا..!
ولأن الحديث عن موريتانيا حديث مغاير خصوصا فيما يتعلق بنظام التمييز الايجابي، وحتى قانون النوع شقيقه الآخر، لأسباب عدة يضيق المقام عن ذكر غالبيتها، مع أنه لا بأس بالاشارة إلى بعضها، لمزيد من التوضيح، وذلك في سياق تساؤلي دائم، مثلا هل المستفيدون أو المستهدفون من قانون النوع أو نظام التمييز الايجابي هم أقليات بالفعل؟ وهل تعرضوا للظلم والتهميش بشكل ممنهج ومتعمد؟ أم إن معوقات ذاتية وأسباب خاصة وقفت عائقا أمامهم دون أن يكون للمنظومة الاجتماعية ولا للجمهورية كنظام أو للسلطة كأداة تنفيذ للبرامج والمشاريع التنموية أي دور في ما حصل؟
ثم هل ما تنتهجه بلادنا حاليا من تمييز "إيجابي" هو نتاج رؤية استشرافية وعمل استراتجي ينتظر أن يفضي لنتائج ذات قيمة؟! أم إنه تنطع سياسي وفعل مراهق ينجذب أصحابه للتمثل بالآخرين، الذين يختلفون عنا في كل شيء؟ وهل نستطيع ونحن أمام نظام مصادم للدستور ومناف للقوانين ويكسر مبدأ قاعدة التساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات أن نؤمن مصالح مواطنين آخرين تضرروا بفعل نظام غير قانوني وغير عادل ولا يساعد كثيرا في تقليص الفوارق المزعومة؟ وهنا نختم بالسؤال الأكبر، هل نحن فعلا أمام قانون ونظام غايته العدل والمساواة؟ أم أننا مجبرون للرضوخ للابتزاز السياسي باسم العدل؟ وهنا يظهر سؤال فرعي، هل المعنيون بهذا النظام هم أقلية بالفعل؟ وهل يتصفون بصفات الأقليات؟ وكيف نستطيع استعاب ذلك، والمعنيون أنفسهم يحسبون أنفسهم أغلبية ويطالبون بالمحاصصة على ذلك الأساس، إلى حين الوصول لإجابة هذه الأسئلة استودكم الله، وأملي أن نعمق البحث والتشاور في مدى ملائمة هذه النظم والإجراءات لدستورنا وقانوننا وحتى لواقعنا وطبيعة تركبتنا الاجتماعية والاثنية..!