تقـديــم :
لقد أكد الدستور الموريتاني لعام 1991 - الذي تم تعديله مرتين كانت الأولى في العام 2007 والثانية في العام2011 - في مادته العاشرة بأن الدولة تضمن "لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص: حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب
الجمهورية؛ حرية دخول التراب الوطني وحرية الخروج منه؛ حرية الرأي وحرية التفكير؛ حرية التعبير؛ حرية الاجتماع؛ حرية إنشاء الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة سياسية ونقابية يختارونها؛ حرية التجارة والصناعة؛ حرية الإبداع الفكري والفني والعلمي. لا تقيد الحرية إلا بالقانون" .
وجاء في المادة الأولى من الفصل الأول من القانون رقم: 034/2006 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2006 والمعدل بمقتضى القانون رقم: 026-2008 المنشئ للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصريةالتأكيد على أنه " لا يمكن الحد من ممارسة حرية الصحافة و حرية الاتصال السمعي البصري اللتين يقرهما الدستور و قوانين الجمهورية إلا في الحالات التالية:
- عدم احترام الإسلام وكرامة الإنسان وحرية الآخر ومكانته والطابع التعددي للتعبير عن اتجاهات الرأي و الفكر؛ - الحفاظ على النظام العام و الوحدة الوطنية والحوزة الترابية؛ حاجات الدفاع الوطني؛ضرورات المرفق العمومي،المتطلبات الفنية الخاصة بوسائل الاتصال و ضرورة ترقية صناعة وطنية في مجال السمعيات البصرية".
كما نصت المادة الثالثة من القانون([1])رقم : 045/2010 الصادر بتاريخ 26 يوليو 2010م والمتعلق بالاتصال السمعي البصري في موريتانيا على أنه " يرمي هذا القانون إلى تحرير قطاع السمعيات البصرية وإلغاء احتكار الدولة والمصادرة الإعلامية وتحويل وسائل الإعلام العمومية إلى وسائل إعلام خدمية " كما نصت نفس المادة على أن " الاتصال السمعي البصري حر على امتداد تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية" .
إن هذه النصوص على قيمتها وأهميتها القانونية الكبيرة ورغم تواترها على على تأكيد احترام المشرع الموريتاني للحق في حرية التعبير وعلى تحرير الفضاء السمعي البصري ، قد لا تكفي من الناحية الواقعية للحيلولة دون إمكانية أن نطرح التساؤلات التالية:
هل يكفي مجرد النص على حرية التعبير والصحافة والإعلام حتى يتأكد ويترسخ البعد السياسي والواقعي لهذه الحرية؟ وهل يمكن بناء على النصوص السابقة فقط قياس مدى وحجم منسوب هذه الحريات لدينا، بعبارةأخرى هل يمكن التسليم بأن التشريعات المنظمة للمجال السمعي البصري في بلادنا كافية لوحدها لتكريس الحرية الإعلامية مضمونا وجوهرا في هذا المجال، وماذا عن الملاحظات والتحديات التي تعترض من حين لآخر أداء هيئات ومؤسسات الإعلام السمعي البصري ، وبشكل يستوي فيه عموميها وخصوصيها ؟.
ثم ماذا عن الطبيعة القانونية للإطار التنظيمي لهذا الفضاء؟ وما مدى مروننته، وخاصة من حيث الأساليب التي المعتمدة لتنظيم ممارسة حرية التعبير . وماذا أيضا عن دور السلطة العليا للسمعيات البصرية "الهابا" في مجال ضبط وتوجيه ممارسة هذه الحريات، وخاصة في المجال السمعي البصري، وما هي أهم التحديات التي تواجهها وسائل الإعلام الوطني في المجالين العمومي والخصوصي؟ وإلى أي مدى تستجيب هذه الوسائل لشروط ومقتضيات حرية التعبير. أسئلة كثيرة إذن نطرحها هنا لا سعيا إلى الإجابة عنها ، بل رغبة في إثارتها وطرحها على مائدة البحث والنقاش .
قد يكون من نافل القول أن حرية الصحافة والإعلام لا يمكن أن تتحقق من خلال النصوص القانونية لوحدها ، فهذه النصوص جامدة بحكم طبيعتنا ، وهذا يعني أنها ستحتاج دائما إلى التفعيل وإلى بث الروح فيها ، وذلك بالعمل على توفير كل الضمانات التي تنقلها من حال الجمود إلى حال الفعل والتأثير، وفي مقدمتها العمل على خلق مؤسسات إعلامية قادرة من ناحية على الاطلاع بمسؤوليتها في تقديم الأنباء والآراء والأفكار,بطريقة موضوعية ونزيهة وصادقة, في إطاراحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، وحقوق العاملين المادية والمهنيةوما سوى ذلك ( اليحياوي 2008 ) . ومن ناحية أخرىعلى التمتع بكل مقتضيات الحق في الإعلام والوصول إلى المعلومات من مصدرها الأصلي مع احترام وحماية حق الصحفيين في عدم الكشف عن مصادرهم مهما كان حجم الضغوط الإكراهات .
صحيح أن الترسانة القانونية السابقة في مجال الحرية الإعلامية يجب أن تدفعنا إلى القول بأنها تمثل مؤشرا قويا ودالا على السعي إلى ترسيخ النهج الديمقراطي في بلادنا، كما تشكل في نفس الوقت سندا قويا للدفع ببناء دولة الحق والقانون، التي لا مجال لوجودها دون توسيع مجال الحريات العامة الفردية والجماعية ، وتعزيز فرص تكريس قيم الانفتاح والتسامح وحق الاختلاف في الرأي .
وهذا ما يؤكد أيضا كون هذه القوانين تجسد استجابة موفقة ومواكبة واعية لما يحدث حول العالم من تحولات، وخاصة في مجال عولمة قطاع الاتصالات السمعية البصرية، بل واعتبار ذلك أصبح يمثل مرتكزا مهما من مرتكزات العمل على تحقيق التنمية في أي بلد .
لقد وضعت بلادنا من خلال هذه القوانين ولأول مرة حدا لاحتكار الدولة لمجال البث الإذاعي والتلفزي، فجعلت من وسيلتيهما العتيدتين مؤسسات خدمة عمومية، كما فتحت - في نفس الوقت وبشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد – المجال السمعي البصري أمام المبادرات الخاصة. ومن هنا تبرز أهميتها الكبيرة في مجال العمل على تحرير الفضاء السمعي البصري رغم كل التحديات والصعوبات التي تكتنف ذلك .
تحرير السمعي البصري الحر وقضية تنظيم حرية التعبير:
تثير مسألة تحقيق التوازن الضروري بين التأطير القانوني لممارسة الحقوق والحريات من جهة ومتطلبات المحافظة على النظام العام من جهة أخرى، بعض الإشكالات، حيث يقول بعض الفقهاء " بصعوبة وضع حقوق الإنسان وحرياته بما فيها حرية الإعلام وجها لوجه مع النظام العام ، وهم بذلك لا يرون أي إمكانية للتوازن بين الاثنين، وإن كان من الفقهاء من ظل يتشبث مع الفقيه الفرنسي "جورج بوردو" بالمفهوم الديمقراطي للنظام العام، مؤكدا في هذا المعنى بأن الحرية ما دامت لا تتعارض مع التقنين والتنظيم، فهذا لا يعني تصور النظام العام مقبرة للحريات([2]).
لقد طرح هذا الجدل الفقهي بقوة مسألة اختيار الأسلوب الأمثل في تنظيم الحريات، ولعل سبب ذلك يكمن في اعتبار أن الوجه الآخر لتنظيم ممارسة الحقوق والحريات يتمثل في مراقبتها، ومن ثم فيما إذا كان يجب أن تكون هذه المراقبة سابقة أم لاحقة ؟ أم أنها يجب أن تتم من طرف الإدارة أو من طرف القضاء([3])؟ ، ومهما يكن فإن تنظيم ممارسة الحقوق والحريات العامة يدور في العادة بين أساليب ثلاثة، هي الأسلوب الزجري والأسلوب الوقائي، وأسلوب التصريح المسبق أو الإذن المسبق، فما هو موقف المشرع الوطني من هذه الأساليب في تنظيمه للحرية الإعلامية وخاصة في المجال السمعي البصري؟ .
بالرجوع إلى نص المادة 12من القانون السمعي البصري النافذ يلاحظ أنها تؤكد على خضوع " مؤسسات وخدمات وشبكات الاتصال السمعي البصري، طبقا لأحكام هذا القانون وترتيبات النصوص المطبقة له، لأحد الأنظمة التالية:- نظام الترخيص، - نظام الإذن،- نظام التصريح" .وهكذا من خلال هذا النص يتضح أن الأساليب القانونية المعتمدة لتنظيم المجال السمعي البصري الخصوصي تتمحور حول كل هذه الأساليب الثلاثة مجتمعة، وذلك بحسب التوضيح الآتي :
1-أسلوب الترخيص المسبق أو الأسلوب الوقائي:ويعتمد في إنشاء واستغلال شبكات البث لبرامج الإذاعة والتلفزيون ، كيفما كانت الطريقة التقنية المستعملة. ويحدد القانون الشروط الواجب توفرها في كل طالب للترخيص في هذا المجال والتي من أهمها بحسب ما نصت عليه المادة 18 من قانون الاتصال السمعي البصري الشروط التالية :
- أن يكون الطالب إذاعة أو تلفزيونا جمعويا وشركة مساهمة خاضعة للقانون الموريتاني .
- أن تكون الأسهم الممثلة لرأسمالها اسمية وأن يكون أحد المساهمين على الأقل متعهدا مؤهلا ويملك على الأقل 10% من رأس المال وحقوق التصويت .
- أنه لا يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي، أن يمتلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من 51 %، من رأسمال أو حقوق تصويت الشركة، ولا يمكن للطالب أو أحد المساهمين أن يساهم بأكثر من 30 % من رأس مال شركة أخرى حاصلة على ترخيص في نفس المجال. كما لا يمكنه الحصول أو المشاركة في رأس مال أكثر من شركة واحدة مالكة لصحف أو منشورات دورية.
وفضلا عن كل ذلك يحدد هذا القانون موضوع دفتر الشروط، كما يبين موضوع الترخيص والتزامات وحقوق المانح والشروط التقنية للبث ، إضافة إلى مضمون البرامج التي يجب على حاملي الترخيص احترامها.
ويؤخذ على هذا الأسلوب في تنظيم ممارسة الحقوق والحريات كونه قد يتنافى مع جوهر الحق في ممارسة الحرية، وذلك لأن ممارسة الحرية في ظله تتوقف على الموافقة المسبقة للسلطة، فالحرية في نظر أصحاب هذا الرأي تعد مشروعا([4]) قابلا للاستخدام بعد موافقة الإدارة فقط ولا مجال فيها للمبادرة الفردية. وهكذا يجعل هذا الأسلوب الفرد مكرها بين الامتناع عن ممارسة الحرية أو طلب الترخيص من الإدارة بممارستها، وواضح أن الجهة التي يعتمد عليها هذا الأسلوب وعلى نحو شبه كامل هي السلطة التنفيذية.
2- أسلوب الإذن: وقد نصت عليه المادة 26 وما بعدها من نفس القانون ،حيث اعتبره وسيلة لإنشاء واستغلال شبكات الاتصال السمعي البصري، سواء كان ذلك على سبيل التجربة، أو لتغطية تظاهرة محدودة في الزمان والمكان وذات طبيعة خاصة مثل المهرجانات والمعارض...، كما يتم تطبيقه كذلك على الشركات التي توزع خدمات سمعية بصرية وذات الولوج المشروط بواسطة الساتليت والتي لا تتوفر على مقر في موريتانيا .
هذا ويمكن أن يكون الإذن مرفقا ببعض الشروط التي تحدد طبيعته وتجعله يختلف من بلد لآخر بحسب مدى السلطات التقديرية التي تتمتع بها الإدارة، فإن كانت هذه الشروط واضحة وميسورة ويسهل على المواطن الاستجابة لها كما هي الحال مثلا في الحصول على رخصة قيادة السيارات التي يتوقف الإذن بالحصول عليها في الغالب على نتائج الاختبار، كان ذلك مدعاة إلى أن يتمسك المواطن به، أما إن كانت هذه الشروط غامضة ولا تستند إلى قانون يحدد مضمونها، بل إلى المعطيات التقديرية للموظف الإداري، فإن الفرد في هذه الحالة سيفضل التغاضي عن حقه في ممارسة الحرية أو البحث عن ممارستها بطرق غير قانونية.
ولعل الحالة الأخطر هي استناد الإدارة إلى سلطاتها التقديرية للتوسع المفرط في هذه الشروط، بهدف منع الأفراد من حقهم في ممارسة حرية ما أو بهدف تفويت الفرصة عليهم عند الرغبة في ممارسة حرية من الحريات في وقت محدد دون سواه، مما يطرح التساؤل حول مدى دستورية ذلك المنع إذا كانت تلك الحرية محمية بنص دستوري أو بمدى مشروعيته في حالة تنظيمها بقانون.
ويقوم هذا الأسلوب على استبعاد السلطة التنفيذية من تنظيم ممارسة الحقوق والحريات معتمدا بدلا منها على السلطتين التشريعية والقضائية، بحيث تقوم الأولى بتحديد الجنح والعقوبات المترتبة على الإخلال بممارسة الحرية، بينما تقوم الثانية بالنظر في المخالفات ومن ثم بتطبيق الجزاء المستحق على المخالف.
ويحتل هذا الأسلوب أهمية خاصة ليس في كونه يستبعد الجهة الإدارية في كل ما يتعلق بتنظيم وممارسة الحقوق والحريات فحسب، وإنما لأنه يقوم على مبدأ ترجيح المبادرات الفردية وعلى أساس صلاحية المواطن الذي يمارس الحرية دون إخضاعه إلى شكليات إدارية معينة. غير أنه من ناحية أخرى يقوم على مبدأ افتراض وعي المواطن بأهمية ممارسة حقوقه وحرياته بشكل موفق، وهو أمر قد لا يعتبر صحيحا في جميع الأحوال.
وفي هذه الحالة قد يكون للحكم القضائي الصادر ضد الإدارة بعدم الدستورية أو بعدم المشروعية مجرد قيمة رمزية إذا كانت الحرية التي أراد المواطن ممارستها مرهونة بوقت محدد، ولذلك يتساءل الفقيه الفرنسي " ريفيرو " عن جدوى الحكم في حالة إلغاء تظاهرة علمية بعد مرور شهر أو ثلاث سنوات من تاريخها بالنسبة للمعني.
3-أسلوب التصريح:وقد اعتمده هذا القانون في مجال تقديم وعرض بعض خدمات الاتصال السمعي البصري ، وذلك بشكل يسهل على المتعهدين ممارسة هذه الحرية بمجرد القيام بإجراء شكلي يقصد منه الإخبار والعلانية، ولعل تأكيد هذا القانون في المادة 34 على أنه على السلطة العليا أن تحرر على الفور وصلا باستلام التصريح وأن تخبر الوزير المكلف بالاتصال بذلك، فيه ضمانة مهمة تقطع مع ما كان يتم من تجاهل مقصود لأية إشارات حازمة بشأن ضرورة تسليم الوصل المنصوص عليه فور تسليم المعني لطلب التصريح بإنشاء صحيفة مثلا .
بل إن غياب هذا التأكيد الهام بتسليم الوصل قد يقترب بأسلوب التصريح من أسلوب الإذن المسبق، وخصوصا في الحالات التي تتعمد فيها الجهة الإدارية رفض تسليم الوصل لمن يرغب في ممارسة إحدى الحريات التي يتعين عند ممارستها الحصول على تصريح مسبق.
حرية الإعلام في مجال القطاع العمومي السمعي البصري :
فضلا عن رفعه لاحتكار ممارسة الدولة للفضاء السمعي البصري ، فإن المشرع الوطني قد نقل من خلال القوانين المذكورة مؤسسات هذا الفضاء من حالتها السابقة كهيئات رسمية ناطقة باسم السلطة والحكم ، بل ومرتبطة في كثير من الأحوال بالبعد السيادي والأمني للدولة ، على الأقل حين كانت تشكل جزء مهما من قطاع الداخلية ، إلى هيئات أو مؤسسات خدمة عمومية ، باتت تعني في مفهوم القانون السمعي البصري الحالي " المتعهدون في مجال الاتصال السمعي البصري المنضوون في إطار شركات مساهمة تمتلك الدولة كل أو جل رأسمالها، وتهدف إلي ضمان توفير خدمة عمومية تمكن المواطن من التمتع بحقه في الإعلام وفي التهذيب وفي التعبير، وتنفيذ سياسة الحكومة في الميدان التلفزيوني والإذاعي وفي مجال البث والإنتاج والإشهار" أنظر نص المادة 46 .
وبخلاف ما كان عليه وضعها السابق فقد أصبحت هذه المؤسسات ملزمة بمقتضى نص المادة 47 من القانون المنظم لعملها باحترام دفاتر الشروط والالتزامات الخاصة بها.والتي تنص على واجب هذه المؤسسات في أداء مهام الخدمة العمومية وخاصة فيما يتعلق بالجوانب التالية:
- تغطية النشاطات التي تستقطب الاهتمام الوطني بما فيها نشاطات الحكومة والبرلمان والنيابة والمحاكم.
- تغطية و/أو بث نقاشات الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ،
- بث البيانات والرسائل ذات الأهمية البالغة التي يمكن أن تبرمجها الحكومة في أي وقت.
- احترام تعددية التعبير وتيارات الفكر والرأي وضمان النفاذ العادل للتشكيلات السياسية والنقابية ،حسب أهميتها وتمثيلها، خصوصا أثناء الحملات الانتخابية، وذلك طبقا للنظم المعمول بها .
- وضع مسطرة برامج موجهة إلي الجمهور العريض ومشكلة من المواضيع العامة أو المنوعة التي من شانها تشجيع الإبداع والإنتاج الموريتاني وضمان توفير الأخبار الوطنية والدولية .
- منح الأولوية للتعبير المحلي عبر المحطات اللامركزية علي عموم الأقاليم مع العمل خاصة على تشجيع تقريب الإعلام من المواطنين،.
- تثمين التراث الوطني وترقية الإبداع الفني والإسهام في الإشعاع الثقافي الموريتاني الموجه إلي المستمعين والمشاهدين في الخارج والي الموريتانيين المقيمين خارج البلاد .
- تشجيع نفاذ الأشخاص المصابين بالصمم إلي البرامج التي يتم بثها.
- تحديد إجراءات برمجة المواد الإشهارية والحد الأعلى للإشهار المسموح بالحصول عليه من قبل معلن واحد.
تحديات ممارسة حرية التعبير في ظل الوضع الجديد :
لا نريد من هذا العنوان تقييم تجربة ما تزال قصيرة في الزمان ومحدودة من حيث الخبرة والإمكانات ، بقدر ما نسعى إلى التأكيد على الملاحظات التالية :
- أن وجود خصوصيين في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني في بلادنا على أهميته ودلالته الكبيرة قد لا يعني بالضرورة أن هذا المجال أصبح حرا ومستقلا بالمعنى الصحيح والجوهري لهذه العبارات ، فالتعدد هنا قد لا يعني شيء كبيرا على مستوى قياس مدى وحجم وعمق التجربة على مستوى المقتضى والممارسة .
- بل إنه على العكس من ذلك يقول أحد الباحثين قد يكون منسوب الحرية مرتفعا في ظل احتكار عام أو خاص، وقد يكون منخفضا بظلهما معا أيضا، تماما كما قد يكون مرتفعا أو متدنيا بظل منافسة (حقيقية أو شكلية).
فالعبرة في كل الحالات، تبقى بمدى انفتاح هذا المنبر أو ذاك على الرأي المخالف للخطاب السائد واعتباره جزءا من المنظومة، لا غريما يجب إقصاؤه أو تجاهله أو إغلاق الإعلام بوجهه جملة وتفصيلا.
إن الإشكالية الجوهرية هنا يجب أن تبقى محصورة في مساءلة جدلية الاحتكار والمنافسة، والنظر في مدى تقويتها أو تقويضها لأسس حرية التعبير وإبداء الرأي ( أنظر في هذه المعنى : د/ اليحياوي ، 2008 ).
- وفيما يخص دور السلطة العليا للسمعيات البصرية لا شك أنها تلعب دورا محوريا في مجال خلق ومراقبة المجال السمعي البصري ، لكن هذا الدور لا يمكن أن يصل إلى حد توجيه هذه الوسيلة أو تلك في استضافة هذا الشخص أو ذاك أو في رفع الحظر الذي قد تفرضه عمليا على هذه الجهة أو تلك ولا في اختيار برامج معينة عن أخرى، بعبارة أخرى هل يمكن أن يدخل في مجال صلاحيات هذه الهيئة الاشتغال وفق آليات "الكوطا", لتقديم هذا المضمون على ذاك, أو التقليص من حجم هذه اللغة لفائدة تلك. المهم عندها هو عدم التجاوز على ما تعتبره الخطوط الحمراء المرسومة, والحؤول دون أن تتعارض المضامين مع اعتبارات أساسية, لعل أقواها على الإطلاق الأمن العام والدفاع الوطني, وغير ذلك .
إن هذه السلطة ليست مخولة بضمان مراقبة مدى تمتع المواطن بمضمون الحق في الإعلام, أو الدفع بمفهوم ما في حرية التعبير, بقدر ما هي أداة رقابة مضمرة, تعمد إلى إعمال القانون فحسب ( أنظر د/ اليحياوي 2008 ) .
وختاما نشير إلى أن هذه الملاحظات وغيرها ربما تدفعنا إلى القول بأن القوانين الوطنية السابقة على أهميتها يجب أن تراهن في مسار تجربتنا الفتية في المجال السمعي البصري على مدى وحجم القبول بالآخر في هذا الفضاء ومن ثم السماح للرأي الآخر بالظهور وبالتعبير عن ذاته مهما كان حجم الاختلاف معه ، ودونما خوف أو إقصاء وليس بمجرد المراهنة فقط على التعدد الشكلي للفاعلين الخصوصيين في هذا المجال .
[1]- يتوزع هذا القانون على ستة أبواب موزعة على ثمانين مادة ، حيث يستهل بابه الأول بتعريفاتومبادئ عامة فيهتم من خلال الفصل الأول/م1 بتوضيح المقصود بعددمن المصطلحات الأساسية مثل" الاتصال السمعي البصري" ،أو"المواصلات"،أو"متعهد الاتصال السمعي البصري" أو " موزع الخدمات " أو " خدمة الاتصال السمعي البصري " إلى آخره محددا معانيها بطريقة قانونية من أجل وضوح كامل للقانون؛ كما يعرف في المادة الثانية بعض المصطلحات الأخرى ويميز بين مختلف الأنشطة المشابهة للإشهار أو غيره.
بينما يعنى الفصل الثاني من هذا القانون بالحديث عن المبادئ العامة فيه، ولهذا الفصل أهمية خاصة لكونه يؤكد على مبدأ حرية الاتصال السمعي البصري في البلاد ، كما يقرر تحرير هذا القطاع ويلغي احتكار الدولة له ، مشيرا في نفس الوقت إلى تحويل وسائل الإعلام العمومية إلى وسائل خدمة عامة . ويؤكد على احترام القيم الإسلامية وكرامة الإنسان وحريات الغير وممتلكاتهم واحترام التنوع والتعددية في التعبير عن تيارات الفكر والرأي . كما ينص على التزامات مشتركة لجميع المتعهدين في القطاع، وخاصة ما يتعلق بالمساهمة في تنمية الإنتاج الوطني السمعي البصري. ويربط ممارسة هذا النشاط من طرف المتعهدين الخواص على وجوب ترخيص أو إذن من السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية حسب المساطر المحددة في القانون.
أما البابين الثاني والثالث ، فيعنيان بالتنظيم القانوني للفضاء السمعي البصري بشقيه الخاص والعام ، بينما تعني الأبواب الثلاثة الأخرى فهي على التوالي تخص: تنظيم الأحكام المختلفة كإدخال بعض التعديلات على الترددات وتحديد المعدات الأزمة ، والأحكام الجزائية ، والاحكام الانتقالية والنهائية .
([2])- أنظر في ذلك : MADIOT (YVES) : DROIT DE L HOMME , P. 165.([3])- أنظر في كل ذلك : رقية المصدق، الحريات العامة وحقوق الانسان ، النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، 1999 ، ص، 103.([4])- أنظر في هذا الرأي : MADIOT (YVES) : DROIT DE L HOMME , P. 106
أستاذ القانون العام/ جامعة نواكشوط