لم يتوقف "التعصب" الإيديولوجي عند الأفكار والأشخاص بل تجاوزه إلى الألوان !! فكل أصحاب إيديولوجيا "يقدسون" لونا معينا حد العبادة!! قصة الألوان والإيديولوجيا قد لاتكون وليدة اليوم فالإنسان بطبعه يحب التميز ولذا سعت القبائل و الشعوب على مدار التاريخ أن يكون لها علم أو رمز معين يميزها وحتى في عبادة الأصنام والأوثان اتخذت كل قبيلة شكلا معينا لوثنها أو صنمها!
وترسخت عادة التميز هذه أكثر عندما بدأت الحروب والغزوات و أصبح كل جيش يبتكر طريقة ليتميز بها عن الجيش الآخر وحتى داخل الجيش الواحد نجد اختلافا في الأعلام والألوية!! مع العصر الحديث باتت قضية الألوان والرموز تحمل بعدا عقائديا و فكريا فظهر الهلال كرمز للمسلمين مقابل الصليب كرمز للمسيحيين وظهرت رموز و ألوان لباقي الديانات و المذاهب في العالم.. إلا أن الألوان ستنضاف لها قوة رمزية أخرى مع ظهور الإتحاد السوفيتي ممثلا للفكر الشيوعي واتخاذه للون الأحمر وأضحى كل شيئ هناك لابد أن تتبعه اللازمة "أحمر" !! .. الجيش الأحمر ، الساحة الحمراء... وعلى خطى الإتحاد السوفيتي سار "الرفاق" في كل أنحاء الدنيا حاملين الأحمر لونا لابديل عنه كرمز للنضال و التعلق بالفكر الشيوعي و الإيمان به! كانت "قبلة" الرفاق هي موسكو قبل أن تتعدد "التفاسير" ويتجه البعض جهة بكين ويتجه آخرون لجهات أخرى ! لكن ظل اللون الأحمر يوحد الجميع حتى الرفيق ماو عندما أصدر "تعاليمه" ضمنها في كتاب سيعرف ب "الكتاب الأحمر" ! والرفيق تيتو الذي عاش متمردا على ستالين و كل الرفاق الذين تولوا الرئاسة بعده لم يتخل عن اللون الأحمر و ظل وفيا للرمز الجامع ! وجاء كاسترو و جيفارا وأعطيا للأحمر مايليق به من قدسية ورمزية وكان تشافيز على خطاهما بكل حماسة و ثورية يعتمر القبعة الحمراء ويتزيا زيا عسكريا أحمر!! هل عشق الأحمر دليل على عشق إراقة الدم أم تضامنا مع المقهورين و الثائرين الذين تسيل دماؤهم في سبيل الحرية والكرامة ؟؟!! لقد كان ستالين وهو من الرموز المقدسة عند الرفاق دمويا بشكل فظيع فقد قتل ملايين البشر واسألوا الشيشانيين والأنغوش و غيرهم و اسألوا مجاهيل سيبيريا! وعلى طريقة "العارف بالشيوعية" ستالين سار ماو و كاسترو وغيرهم من الرفاق كانت الدماء "الحمراء" تسيل و الأعلام الحمراء ترفرف!! لم يكن الرفاق وحدهم هم يتعصبون للونهم فالإسلاميون كذالك تعصبوا للون الأخضر وباتت الأعلام الخضراء في كل مكان تدل عليهم .. أحيانا تتوسط كلمة التوحيد" لا إله إلا الله" العلم الأخضر أو تتوسطه "الله اكبر" أو شعار جماعة الإخوان المسلمين! وانتشرت القبعات و الأقمصة الخضراء تماما كإنتشار القبعات والأقمصة الحمراء و لم يعد غريبا أن نشاهد الألوف في المهرجانات بفلسطين وهم يلوحون بالأعلام الخضراء التي تدل على انتمائهم لحركة حماس و ظهرت تسميات من قبيل الساحة الخضراء و الكتيبة الخضراء لتدل على فكر معين! ربما كان بعض مفكري الإسلاميين يفكر هو كذالك في كتابة "رسالة تعاليم" ويطلق عليها "الكتاب الأخضر" إلا أن القذافي سبقه للفكرة فكتب كتابه الأخضر مبشرا فيه "بتعاليم ثورة الفاتح" وصبغ كل شيء في ليبيا "الجماهيرية" بالأخضر بل وصل الإخضرار لإفريقيا وأنحاء مختلفة من العالم! مع أن العارفين بملك ملوك افريقيا يدركون أن لونه الأخضر ممزوج بحمرة تظهر على وجوه الليبيين الذين اصطلوا بنيران عنجهيته وديكتاتوريته وأفكاره الجنونية!! إذن لم تعد الألوان "بريئة" فقد باتت تحمل شحنة "ايديولوجية" وبات كل "عاشق" يغني على لونه ويعتمر قبعة ويلبس قمصانا بل وبذلات بلونه الحزبي أو الإيديولوجي بل وصل الأمر لحد كره اللون الذي يرمز "لخصمه" السياسي!! هل "عبادة" الألوان والتعصب لها تنم عن تفكير سليم ؟؟ لماذا نتجاوز الفكر إلى القشور ؟؟ هل التعصب لأي شيئ دليل على وعينا ونضجنا أم دليل على العكس ؟؟ هل يحق "لعباد الألوان" أن يصرخوا في وجوه "كهنة المعبد" كفرنا بدينكم ؟؟!!