من اكتشف النائب خديجة وان؟! / محمد يحيى عبد الرحمن

عادة ما يهتم المراقبون للشأن العام بتحليل الخطاب السياسي، أو مراقبة أصداء الانتخابات أو قراءة تفاعلات المشهد السياسي، إلى غير ذلك من الاهتمامات التي تشغل بال المحللين والمراقبين.

لكن صاحب هذا المقال يهتم أكثر ما يهتم من السياسية بالأبعاد التي تمس الجوانب الاجتماعية، إذ من المؤكد أن الإصلاح السياسي المنشود لن يتم إلا عبر المرور بعتبة الإصلاح الاجتماعي من خلال تكريس مبدأ المساواة في الفرص وإشراك جميع مكونات المجتمع في بناء الدولة.

طالعتُ خلال تصفحي لشبكات التواصل الاجتماعي مقابلة خفيفة لمنصة "الرؤية" تقدم لجمهورها من خلال هذه المقابلة شخصية شبابية قادمة من الهامش رشحت على رأس اللائحة الوطنية للشباب من قبل حزب "الإنصاف" الحاكم.

ونتيجة لانبهاري بهذا المشهد لم أستطع تجاوز الأمر قبل تسجيل هذا الموقف الذي يمليه مبدأ "الإنصاف" عندما يقوم حزب مثل الحزب الحاكم بترشيح فتاة لا سابق تجربة سياسية لها على رأس لائحة مستحدثة، وهي لا تنحدر من عائلة أروستقراطية، أو مشيخة تقليدية، أو من قبيلة ذات شوكة أو سطوة! بل مدرّسة متواضعة قادمة من الهامش الاجتماعي لا تتمتع بأية رافعة قبلية أو عائلية، ولا تمتلك أي وسيلة ضغط لاحتلال مركز متقدم أحرى التربع على رأس اللائحة الوطنية للشباب.

لقد تابعت – وبتأثر – مقابلة الفتاة اليافعة؛ لغتها السلسة، وفصاحتها المتمكنة، وعمقها المعرفي، ومؤهلاتها الأكاديمية... لقد كانت فعلا ضوءا لامعاً في أفق معتم شكلته مظاهر التهميش والإقصاء والظلم بحق فئات معينة، طالما تم تغييبها بشكل ممنهج بحجة "عدم الكفاءة" كما يحلو لبعض المدافعين عن واقع سياسات التهميش والإقصاء.

لقد أثبتت هذه الفتاة اليافعة أن الكفاءة صفة لا يمكن أن تحتكر، وتوجد في الجميع، تحتاج فقط من يكتشفها ويقدرها، تحتاج من لديه إرادة حقيقية في وأد سياسات التهميش الظالمة والممنهجة، وقطع الطريق على تبعات السياسات التمييزية المنذرة بخراب الأوطان!

لقد كشفت المقابلة عن مظهر جوهري من مظاهر الإنصاف؛ ألا وهو انتقاء وإشراك الكفاءات بعيدا عن المحسوبية، وبعيدا عن الارتهان للضغوط القبلية، فبحسب الفتاة فإن ترشيحها لم يكن مبرمجا بشكل مسبق وإنما تم اكتشافها من ضمن المتحدثين في مؤتمر للحزب سلط الضوء على إمكانياتها ومؤهلاتها لتُقدَّم جزاءَ ذلك على رأس اللائحة الوطنية للشباب، وهو تصدر كان بمثابة المفاجأة بالنسبة لها.

إنه لمن الأمور المطمئنة في سياقنا اليوم - في ظل التوترات التي تُقدح بكل سهولة نتيجة للاحتقان الاجتماعي القائم - أن تكون هناك إرادة سياسية صادقة في إنصاف المهمشين والإعلاء من قيم العدل، والعمل على تكريس المساواة في الفرص، وهي إرادة ينبغي أن تمضي قدُما لقطع الطريق على كل أنواع التوتر التي يمكن أن تَحدث أو تُفتعل نتيجة لما تعانيه فئات الهامش من إقصاء ظل ممنهجا على مختلف الصعد والمستويات وولّد حالة احتقان لا تخفى على متابع.

لقد كان اكتشاف هذه الفتاة لفتة حاذقة، وتقديمها في صدارة لائحة شبابية مستحدثة - تقدم وجوها جديدة في المشهد السياسي - خطوة سياسية موفقة، وهي خطوة تحسب – لا شك – للمسؤول الأول في البلد كون اللوائح الوطنية لا يمكن أن تختار بشكل اعتباطي، وهي تخضع للكثير من التمحيص وإعادة الترتيب، وكونها تتعرض لضغط منقطع النظير من قبل المسؤولين والمتنفذين للظفر بها، ولو لم تكن هناك إرادة حقيقية في إنصاف المغبونين اجتماعيا لما تصدرت مثل هذه الفتاة التي لا تمتلك حظوة اجتماعية في ظل وجود المتنفذين التقليديين وأشياعهم.

ومن الحري الإشادة بدور هذه المنصة الإعلامية الرائدة التي قدمت لجمهورها هذا الوجه الجديد، ودشنت بذلك صناعة وجه سياسي جديد أراد النظام السياسي أن يكسر من خلال ترشيحه مُسلّمات الترشيحات التقليدية، ما يدفعنا للتساؤل: من اكتشف النائب خديجة وان؟!

 

14. يونيو 2023 - 11:12

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا