أزمة قيادة في بلد متأزم ..! / أبو داوود

 ابو داوودالي متي سيظل الشعب الموريتاني وفيا لمن لا يعيرونه اهتماما..؟ حكومات لا حول لها ولا قوة من غير شعـوبها، تتعاقب عليه دون أدني فايدة، يصبر عليها أكثر مما يكد علي نفسه ، لا يكلفهم ولا يسألهم الحافا، يبيت علي الطوي ينتظر الرزق الكريم، وجهه مسود من لفيح الشمس،

 نعاله منتهية متسخة من جرها ودوام خَصْفِها، لباسه خرق بال وجسمه مترهل ، تغيرت بشرته، وكأنه أخرج من بيئته، ضاعت قسماته و لم يعد  يملك منها سوي تلك الابتسامة الدالة علي الرضي والحمد والصبر والانتظار. إيمانه ينير له مالا تراه العين، ويَعِدُه بالفتح القريب المبين. تراه أشعث أغبر لا يلوي علي شيئ، همه لقمة العيش، فكره مشتت وعقله مكبل، حاجته تفضحه مرات في اليوم ؛ وهو الغني ببلده المفقَّر بحكوماته، تأكل امعاؤه بعضها، لم تعد عنده أولويات  لغياب الخيارات، و لم يضعوا له من الخيارات الا التصويت لهم في الانتخابات، والترويع من المعارضات.  كلما أطل علي الشعب زمان وتغيرت أحوال، ابتسم ورأي الفتح قادما فتوسم فيه الخير، وتمني حلا للمصائب والمكاره التي يتمرغ فيها؛ ولكن العارض لم يكن فيه ماء ، بل هو ما استُـعجل به، ألمٌ وظلم  وهضم للحقوق وسرقة للمال العام. ما بالنا ونحن في بلد مليء بالعلماء مشهور بالعلم واهل العقل والصفاء وصدق النية، لسكانه قريحة البدوي وصدقه ونقاء طينته؛كما فيه الفطاحلة الصعاليك وغير الصعاليك من الشعراء، ولكن فيه أيضاً نخب جمعوا بين العلم بما قال الله وقال رسوله والدراية بالعلوم العصرية من سياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، ولدي الكل نية صادقة للإصلاح.   لقد استمرت الغلبة في هذا البلد لمن هم ليسوا اهلا للقيادة فدان لهم الشعب الذي كان بدويا ساذجا لا يفرق بين أمسه و يومه في السياسة والحكم. ولم يجد أهل الحكمة والعقل سوي القبول بالامر الواقع والدعاء لسلامة البلد، وحقن الدماء بدلا من سفكها والتنازع والتدابر علي الحكم. فكم من رئيس تعاقب علي بلادنا بعد ان انتزع الحكم بالقوة والجبروت؛ فخطب ووعد، وحلف بالايمان المغلظة، ورفع الشعارات ، وكلف اللجان والهياكل من الجماهير وغير الجماهير؟.   عفوا أيها الروساء، ساقاطعكم هذه المرة ولن اجلس استمع الي خطاباتكم المكررة الخاوية التي تبدو وكأن كاتبها هو  نفسه من  كتب لسابقيكم خطابات خالية من مما يهم الشعب. لقد رأينا انه ليس منكم رجل رشيد، ولا تستحقون قيادة هذا البلد الطيب ذي الشعب الأبي. ان القيادة فنٌّ، ولصاحبها شروط وعلامات ومميزات. ان قائدا واحدا ناجحا ملهما ومخلصا أفضل من اقتصادِ دولة غنية لا يجد من يحسن إدارته، أومشاريع ضخمة تهدر فيها الأموال الطائلة، وتضيع فيها سنوات طويلة ومهمة من عمر البلد، فيخسر أمواله وموارده وقدراته، ويصبح جُـلُّ الشعب بذلك مستهلِكا لا يعرف سوي مدّ الأيدي. ولكن تلك الخسارة لا تقارن ابدا بخسارة الجيل الذي سينقلب الي مجموعة من الاتكاليين الكسولين الذين لا يعرفون معنيً للمسؤولية حيال وطنهم أو حتي انفسهم.  إذا كان قوادنا معتزين بمناصبهم، مرتاحين علي ارائكهم، يتغافلون وكان أمور الشعب لا تعنيهم؛ فماهي مسؤولياتهم إذن؟ وعلي ماذا يركزون أعمالهم وجهودهم؟   ان تركيز القائد يجب ان يكون- بما ليس فيه لبس- علي ما ينفع الناس ومصالحهم العامة، ثم  علي التخطيط للمستقبل وللأجيال القادمة، فلا مجال للانانية والتفكير الذي لا يتجاوز موطئ القدمين. يقول الداعية والدكتور طارق السويدان في كتابه: القيادة في القرن الحادي والعشرين:  " من المعاني التي أركّز عليها- عند تدريسي للقيادة ومهاراتها- أهمية التفريق بين القيادة والإدارة، لأن أزمتنا أزمة قيادة، وليست أزمة إدارة، وخلاصة الفروق أن القائد يجب ان يركّز على ستة أمور، وما سواها فهو داخل تحت باب الإدارة ووظائف المدير. يجب علي القائد ان يركّز على التخطيط والإبداع وعلى العلاقات الإنسانية، والتدريب والتعليم. كما عليه التقدير والتحفيز ثمّ التركيز على حلّ المشكلات المزمنة."   فالقيادة ليست بالقوة ولا بالانتزاع، وإنما هي بالقدرة علي احداث التغيير في الحاضر ، وإنجاز التخطيط للمستقبل، إضافة الي القدرة علي تنظيم وتحريك الفرق الكبيرة؛ انها الخبرة في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب  أكثر مما هي عنوان يحوزه الفرد وسلطة يسيطر بها علي الآخرين، ويقهر لينصر جانبا علي جانب آخر، وليست القيادة عصا كلما نطق ناطق بالحق ضرب بها ثم لُجم ولُقّن درسا كي يتعظ الآخرون. ليست القيادة لتحقيق مأرب فرد أو  قبيلة، أو حزب معين. ان القيادة الناجحة هي التي يدفع صاحبها الثمن، يسهر حيث تنام رعيته، ويكون آخر من يقبض؛ ان حياة القائد كلها تكون لرعيته ولقضاء حاجاتهم وحل مشكلاتهم ؛ فاذا لم تكن القيادة كذلك فإنها تقع في أزمة قد يصعب الخروج منها. وقد اورد السويدان في الكتاب السابق الذكر ان من علامات الازمات في القيادة:   ا- حدُّ الحرية المتاحة للأفراد : فكم تبلغ درجة الحرية الممنوحة للأفراد؟ سواء في الدولة أو الوزارة أو الجماعة أو الأسرة. فاذا كانت تلك الحرية غير متاحة. فان ذلك مؤشر لأزمة في القيادة. ب- عدم القدرة علي الإبداع: والإبداع هنا هو الإتيان بملموسات يشعر بها الناس وتؤثر فيهم وعليهم، وبقدر ما تكون هناك مشاريع جديدة، وأطروحات جديدة، وإنجازات جديدة يكون هناك إبداع وتجديد.  ت- وجود الفردية:  ويقصد بها ان القائد لا يجب ان يركز في العمل علي فرد واحد ومعين، إذا غاب توقف العمل كله. ث- عدم الكفاءة: وعني به انعدام الجودة في الصناعة وغيرها، والتحسين المستمر للعمل، وتقليل الجهد والتكلفة والوقت في عملية الإنتاج.   ج- عدم الاعتماد علي الأخلاق: "غياب الأخلاق دليل على وجود أزمة قيادة، لأن القيادة ليست مالاً أو شهرة أو مظاهر، كما انها ليست جاذبية شخصية، بل القيادة أخلاق، قبل أن تكون مهارات أو خطب رنانة". إذن فهل الفشل المتتابع لحكوماتنا المتعاقبة سببه أزمة في القيادة ؟   أيها القواد اعلموا أنكم إذا كنتم لا تصلحون لان تكونوا في الامام ولا تفهمون كيف تقودون ، فإنكم تضيعون عمر وطن وتهدمون بلدا بدل ان تبنوه، فليس كل من يصلح   لقيادة جمعية تطوعية أو أسرة، يصلح لقيادة بلد، فالقيادة تكليف قبل ان تكون تشريفا. ان الناظر الي موريتانيا بعين العقل ليشعرفيما ليس فيه شك ان القيادات التي تعاقبت علي بلدنا العزيز المكلوم منذ وُلد، كانت جلها تعاني من أزمات قيادة، وهو المرض الذي ظل يُلزمها فراش التخلف بل التقهقر عن دول العالم بل عن الدول المجاورة، فكل الدول المحيطة بنا تشبه الدول من حيث العمران والبنية التحتية، فما بالنا إذن ونحن اغني منهم واكثر موارد  واقل شعبا..؟ لا بد ان الأمر أزمة في كيفية القيادة ومن يقود.  

11. مايو 2013 - 10:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا