عام مضى على زاويتي "حروفي التي تمردت", التي أردت أن تكون كتابات صحفية, فاختارت الخروج عن المألوف , لتكون خلاصة من التمرد والتجرد, تجسدت حروفا , ونصوصا , ومقالا
ت , و إشارات خارج السرب, لم تكن الصحافة تولد من رحم السعادة و الترف و البذخ, ولم تشهر السلاح يوما لتقود تمردا مسلحا في وجه رئيس جائر, ولا حاكم عاث في الأرض فسادا , ولا دكتاتور آتى على الأخضر واليابس , ولا سلطان قمع وسجن وأهان وأذل مواطنيه,ولا عسكريا انقلب على الديمقراطية في وضح النهار, ولا مدنيا جاء عن طريق انتخابات مزورة , لم تقد الصحافة يوما انقلابا عسكريا , ولا تمردا مسلحا , لم تفعل الصحافة هذ يوما وهي الضعيفة المستضعفة ,البائسة, التعيسة ’المهملة’ المهمشة... ذنب الصحافة , أن لها أنامل وأقلام وأوراق متهالكة,تحترق لتضيء الطريق للآخرين وتتعب لتكشف سرا ما كان له أن يعرف لولا تحليلات وتحقيقات رجال آمنوا بالكلمة والحرف , واتخذوا من الحقيقة محرابا يتبتلون فيه , ويؤدون فيه صلوات الكتابة والانتحار على الورق والصفحات الالكترونية.. ذنب الصحافة أنها تكتب من تحت الطاولة خوفا من المخبر والجاسوس ورجل البلاط الذي يهمس في أذن السلطان كلما أراد أن يؤدي ركعة للحرية المقدسة. و رجال وزارة الداخلية الذين يقرؤون صباح مساء على مسامع الوزير محاضر من التحريض والتخوين لمن يريد أن يكتب عن " فشل النظام " و " فساد الحكومة " و " ارتفاع الأسعار " ... لمن يريد أن ينشر وثائق عن "رجال الأعمال" و "المفسدين" و "المقربين. لمن يريد للإنسان آدميته بعيدا عن اللون والعرق والأساطير الاجتماعية وحكايات الحكومات البالية عن العدالة والمساواة والأكاذيب المكشوفة, لمن يريد أن يظهر أخطاء السفراء, والوزراء , والمدراء المفضوحة ... لمن يريد أن ينير طريق الحقيقة السجينة, في بلد تقاس فيه الحروف الطائشة -كما يسمونها_ بمقياس الجريمة و حجم الكارثة, و رائحة الخيانة.. قدر الصحافة الجادة أنها لا تساوم على الوطن مهما كلفها ذلك من متاعب و مخاوف وتهديد وترهيب من أصحاب السلطة ورجالاتها المقنعة من "كتاب" و "رجال أمن" و "سياسيون" يدافعون عن أنظمتهم بكل الوسائل والطرق مهما كلفهم ذلك من قذف و تشويه لسمعة من يتعارضون معهم فكريا وسياسيا ومنطقيا ... ذنب الصحافة أنها لا تملك سوى كلمة حق لا يراد لها أن تسمع, ومعلومات لا يراد لها أن تعرف, وآراء لا محل لها في المرحلة, وانتقادات لايرغب فيها مطلقا , للصحافة حرية زائفة مزيفة , تحكمها سلطة ابسط ما يقال عنها أنها مفوضية الأوراق والأقلام . ما كان للصحافة أن تظل توصف ب " البشمركة " مع احترامي لإخوتي في العراق , ولا أن تعتبر وسيلة لإبراز " زيد" آو " عمر " ولا على بعض الصحفيين أن يكونوا متسولين على أبواب المكاتب وبيوت المسؤلين باسم "الصحافة" , ما كان للصحافة أن تعيش على الحضيض مدفونة الأنف في التراب. الصحافة يا عزيزتي:هي بلسم جراح المجتمع و مرآته العاكسة, هي وجهه الجميل و حسه المرهف, هي وجعه وأناته, وأحزانه, هي صرخاته من قمم المأساة, هي همومه ومشاكله, هي برده وسلامه. عام مضى ولازالت الحروف تتمرد , والكلمات تتمرد , والنصوص تتمرد , والمقالات تتمرد , والإشارات تتمرد,ورغم ذلك يا عزيزتي لا زالت الصحافة تعيش بين هواجس المخبر وعيون السلطة , و جشع " البشمركة" اللا أخلاقية, و لكن تبقى الصحافة الجادة تمتهن الصحافة قبل أن تتخذ منها مهنة .