إسرائيل الماكثة فينا! / مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان

ليس من عادة النظام الموريتاني أن يكون صادقا في دعاواه، ولا من عادة الشعب أن يصدّق هذا النظام، ولكل امرئ من دهره ما تعود.. فقبل أيام أصدر الرئيس الموريتاني "الممانع" وقائد العمل الإسلامي في البلاد - كما وصفه مفتي الديار - قرارا بتعيين المحاسب السابق بالسفارة الموريتانية في إسرائيل (جاه المختار ملل) وزيرا منتدبا لدى وزير الدولة للتهذيب الوطني مكلفا بالتعليم الأساسي.

في الأمر ملاحظتان أساسيتان؛ أما أولاهما فهي أن هذا التعيين لا يخرج عما درج عليه نظام الفساد والسرقة في موريتانيا من إيكال الأمور إلى غير أهلها وإسناد المسؤوليات إلى غير ذي كفاءة؛ فالرجل إداري من السلك المالي ولم يسبق أن راكم أي خبرة في مجال التربية والتعليم بحسب سيرته الذاتية المنشورة على موقع الوكالة الرسمية للحكومة. وأما الثانية فهي سؤال عن علاقة إعادة الثقة في لوبي صناعة التطبيع مع الصهاينة بسياسة "الممانعة" التي أعلن الرئيس انتهاجها بُعيد انقلابه، وبدا حينها متشبّهاً بالمقاومين والممانعين وهو يتحدث في قمة الدوحة عن تجميد العلاقات مع الكيان الصهيوني!! لا يوجد منطق يقول إن قطع العلاقات مع دولة (الكيان الصهيوني) يفضي إلى تقوية مراكز أصدقائها وموظفيها السابقين في جسم الدولة المغاضبة.. إن حدث ذلك فمعناه أن خيطا لمّا يزل يربط بين جهتي القطيعة.. وهو شيء يوحي به أن لوبي صناعة التطبيع الذي كوّنه ولد الطايع ما زال يحظى بثقة الرئيس الحالي ويتولى مناصب دبلوماسية وإدارية كبيرة في نظامه.  إن يكن غير ذلك فما معنى إعادة الثقة والاعتبار إلى شخص باع مبدأه وشعبه وقبِل أن يكون ظهيرا لمجرمين يغتصبون مقدسات المسلمين؟ ثم ما معنى أن توكل مهمة تنشئة الأجيال في بلاد شنقيط إلى رجل تاجر بكرامة الشعب وباعها بعرَض من الدنيا قليل؟ أليس في ذلك احتقار للشعب وقيمه وانكشاف جديد لعورة المتاجرة بـ"الممانعة"؟ من يأمن رجلا عاش من عمره حولين كاملين بين الصهاينة على تربية أطفال موريتانيا؟.  ليس "الوزير جاه ملل" أول مطبّع مع الصهاينة يستعين به نظام "الممانعة" الموريتاني؛ فقبله قرّر الجنرال الحاكم الاستعانة برجل مكث عشر سنين مقيما بين ظهراني الصهاينة، تقاسم معهم الحلوة والمرّة وحلب معهم الدهر شطريه وكان أكيلهم وشريبهم وجليسهم.. إنه أحمد ولد تكدي السفير فوق العادة وكامل السلطة الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.. أي ثقة فوق السفارة إلى الولايات المتحدة؟! الشيخ العافية.. شيخ المطبّعين الذي زار الصهاينة وصافح شارون وعانقه وجزاه ابتساما بابتسام ومديحا بمديح، كافأه الجنرال بتعيينه سفيرا إلى الرباط ثم سفيرا إلى تونس قبل أن يقيله لأسباب تتعلق بعراك حدث بين مستشار في سفارته ووزير الخارجية حمادي ولد حمادي.. العراك هو سبب الإقالة لا شيء آخر، لكن الغريب أن الجنرال الحاكم كان أقام الدنيا وأقعدها – هو وقائد كتيبته البرلمانية سيدي محمد ولد محم – احتجاجا على تعيين الرئيس السابق لهذا المطبّع وزيرا للخارجية في 2009، ثم لما انقلبا على الشرعية انقلبا على المبادئ والأخلاق. كذلك استعان النظام بمطبّع تولى كبر التوقيع على تبادل السفارات مع الكيان الصهيوني يوم كان وزيرا لخارجية ولد الطايع .. إنه أحمد ولد سيد أحمد (الديش) صديق الصهيوني ديفد ليفي الذي وقع معه الخطيئة، وصديق سلفان شالوم الذي التقاه في نيويورك بعد أسابيع من الانقلاب العسكري على ولد الطايع عام 2005. ومن المطبّعين ذوي العلاقة الحسنة بالنظام وزير الخارجية الأسبق الداه ولد عبدي الذي زار تلابيب عام 2001 وجرى بينه وبين سفاح قانا أرييل شارون ما جرى من أحاديث المودة والمحبة في عزّ انتفاضة عام 2000 المباركة التي كانت يد السفاح حينها تقطر دماً من قمعها.. الواقع اليوم أن زوجة هذا المطبّع (م. س) مستشارة في السفارة الموريتانية بالرباط. هناك مطبّعون صغار احتفى الجنرال ببعضهم واستقبلهم في قصره سراً وعلناً أشهرهم المناضل السابق في حركة "إيرا" الحسين جينك الذي كان موظفا في سفارة الصهاينة بموريتانيا، ومن صغار المطبّعين أبو بكر ولد عثمان الملقب الناه الذي أسس "لجنة دعم التطبيع مع إسرائيل في موريتانيا" وكان يرأسها.. وآخرون من دونهم لا نعلمهم الله يعلمهم. لقد ذهب الصهاينة وبقي الذين نبتت لحومهم من أموالهم.. بقيت عقول هندست العلاقة بشارون وبيريز وعصابة القتل في تلابيب.. بقيت جثث مارست خطيئة العناق وصدور بلا ضمائر وقلوب بلا إيمان.. بهؤلاء يستعين النظام اليوم في جلّ أموره رغم ما يدّعيه من ممانعة ورفض.. إنهم إسرائيل الماكثة فينا.

16. مايو 2013 - 9:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا