السموم وسياسة النعامة !؟ / محمد ولد اماه

altيزخر باطن الأرض ببلادنا هذه، بما لا يخطر على بال بشر من صنوف الكنوز النادرة والثروات المنجمية الثمينة، تلك التي لا تقدر بثمن، من بترول وذهب وخلافه... وهي البلاد ذاتها التي تمتلك الشواطئ البحرية الأغنى بالأسماك في العالم، وتشهد أساطيل النهب الدولية على ذلك!! ناهيك بالتربة الخصبة والبكر،

 وبما لدينا من أنواع الثروات الزراعية والبيطرية، بما فيه الأنعام الذلل، وذلكم الكم الضخم والمفيد من الماشية والحيوانات، من إبل وبقر وأغنام... والذي يجوب الارضين يمينا وشمالا، ويسوم غربا وشرقا، بأديم هذا التراب الموريتاني اليوم وبالجوار أيضا، ومنذ أقدم الأزمان والعصور، وبالأمس القريب في المجال نفسه التكروري ثم الشنقيطي.

وهذا إن تحدثنا وفقط عن الثروات الاقتصادية العديدة والمختلفة، الموجود منها فضلا عن موعودها... ولا يجوز وليس لنا أن نغفل جانبا آخر من الثروة المتجددة لهذه الديار لا نفرط فيه ولا نستطيع اهماله أو تركه لحاجتنا إليه، إذ أن بلدنا وقد حباه الله بالموقع وبالثروة المادية، المخزون منها والمعلوم.. برارا وبحارا وانهارا، فهو إلى ذلك موطن التوحيد وعنوان الدين القويم، ومهد الشهداء والصالحين ونعم أولئك رفيقا، وقد شهد له بذلك القاصي والداني، إذ أن هذا الدين الحنيف دين الإسلام وهو الدين القيم، والدين السمح، قد وحد هذه الربوع، وصير أهلها أئمة، وصهر شعبها وأعراقها على مر الليالي والأيام، في إطار من الأخوة والمحبة والعيش المشترك، وبذل الموجود.. ورغم الشظف في العيش أحيانا، والشح في الموارد حينا آخر، فقد ظلت بلاد تكرور، ثم من بعد ذلك بلاد شنجيط، بلاد المنابر والزوايا وبلاد المنارات والربط والطلبة.. والتي يقول قائلها:

..ونحن جمع من الأشراف منتظم

أجل ذي الخلق قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا من ظهور العيس مدرسة

بها نبين دين الله تبيانا وقد صدق وبر ووصل ابن بون وهو مختارنا.. رحمه الله.

ومنذ أن أهدتها الجزيرة العربية، وهي في أوج اشعاعها وتوهجها دين إبراهيم واسماعيل.. ورسالة محمد ابن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وإذ ستصبح بعدئذ صحراؤنا، وكما عرفت وتدعى، بلاد الصحراء العالمة، بلاد شنجيط.. وولاتة وتيشيت وتجكجة وتومبكتو، وبالمقارنة مع صحاري أخرى غير عالمة، لتصحر تلك من العلم والمعارف، وركونها إلى الجهل وبعدها عن صحيح الدين.. وخلافا لما عليه باقي الصحاري، بما فيهم صحراء الجزيرة العربية إياها، التي استحكم فيها من بعد ومن جديد، جهلها القديم، والشرود عقودا تلو عقود، وقرونا تلو قرون، وبعد أن فقدت الجزيرة بريق الرسالة المحمدية وتخلت عنه طوعا وتخلى عنها، ولم يسعفها في عصرها الحاضر بترولها وأمواله ولا أنهاره المتدفقة وعروشه الآثمة، تلك التي أعادت حلفها القديم مع ابليس وجنده، وارتمت في احضانه، أحلافا ورايات، ضد الأوطان وأهلها، ونكوصا وكفرانا بمعلوم الدين.

أبالسة ورايات وجند، على موريتانيا أن لا تأخذ اليوم فيهم بنصيب، مهما أرعدت قوى الشر وأبرقت، أوتوعدت وأغرت.. نصيب لا نبتغيه مع فرنسا ولا مع غيرها، لا في جمهورية مالي الشقيقة، ولا في موقع آخر، فالأحلاف الغربية أحلاف شيطانية وعدوة وكافرة وتتبعها اللعنة أينما وحيثما حلت وأقامت.. والكفر ملة واحدة.

وعود على بدء، وبالذات في الحديث عن الثروة المنجمية بموريتانيا والآن، وهي الثروة الواعدة، وخصوصا بولاية اينشيري –على حد العلم- وحيث الذهب المستغل ضمن معادن أخرى، من شركات متعددة الجنسية، وبالوسائط الكيماوية التي أقل ما يقال فيها وعنها، أنها وسائط ووسائل قذرة وملوثة للبيئة، ونحتاج إلى الحذر ثم الحذر الشديد في التعاطي مع وسائلها ووسائطها، وإغراءاتها و"البقشيش" العظيم منه والتافه.. وما دام هم السموم هما قديما جديدا -بالنسبة لي على الأقل- إذ أنني اهتممت بموضوع السموم والنفايات والكتابة عنه منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي يونيو 1992 وأنا مازلت يومها موظفا حكوميا عاملا، في (صحيفة البيان، الزمان، موريتانيا نوفيل، موريتانيا ديميه، القلم، الوحدوي، السفير... إلخ) وفي أكثر من منبر ومساحة حرة من هذه المنابر الوطنية المستقلة، من دون أن يلقى الموضوع وحتى الآن التجاوب الرسمي المطلوب.

وإذ أن موضوع السموم صار موضوعا جديا وخطيرا، والتعايش معه صار واقعا وشر لابد منه، ولا مفر منه فيما يبدو، فإنني أقترح على الجهات المسؤولة وأطالبها وبإلحاح في نفس الوقت بتحمل مسؤولياتها، وبالذات السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز للحاجة الماسة للتعاقد الفوري والسريع مع مكاتب خبرة دولية معروفة ومشهود لها بالسمعة الحسنة في المجال، وأن يوكل أمر ذلك التعاقد إلى رجل مشهود له بالنزاهة والحصافة والوطنية والخلق، كما هو الحال في بلدان منجمية كثيرة وتملك ثروات مماثلة مثل (كندا والصين واستراليا وجنوب افريقيا والهند وغانا والسودان...) وذلك للاحتياط وفي حدود السلامة الصناعية المطلوبة، وخصوصا أننا بلد ريفي صاحب ثروة حيوانية هي أس حياة الناس، وأظن ذلك من أضعف الإيمان، وأقل ما تستوجبه الوطنية والضمير. والمطلوب مكتب خبرة ودارسات دولية، وصاحب سمعة، وهو أمر لا يمكن تركه للمزاج الشخصي لأي فرد مهما كان، ولا لمزاج وسطاء وسماسرة، حتى وإن كانوا من قرابة وزير سابق أو لاحق، بل وحتى وإن كانوا من "قرابة" رئيس الدولة أحيانا، فالموضوع أهم وأخطر من أن يوكل لمزاج سمسار مهما علا شأنه.. وإن كان من حجم "ول التومي" أو غيره. ووزارات الصناعة، والنقل، والزراعة، والبيئة، وحتى الإعلام، معنيون بشأن السموم ونفاياتها، والاحتياط في شأنها وبالطبع الوزير الأول الحالي، فالسلامة العامة للمواطن وللوطن وأهله مسؤولية الجميع.

أما التكتم ومعالجة الموضوع وخطره الداهم بالصمت والصمت وحده، فنحسبه جريمة منكرة في حد ذاتها، وأول من يحمل وزر ذلك الصمت وزير الإعلام في الحكومة الحالية، فدفن الرؤوس في رمال العاصمة لا يغني شيئا، ولا يفيد في سموم ونفايات (أم سي أم وتازيازت) وطوفانه، واعتماد سياسة النعامة اتجاه أمر السموم الصناعية في موريتانيا، انتحار، وانتحار جماعي، والجريمة الكبرى في حق الوطن وأمنه ومستقبله، وأمر اكتتاب مكتب خبرة دولي محايد ودائم الحضور والمراقبة، ومحصنا ضد الرشى والبقاشيش والسماسرة، أمرا مستعجلا ومطلوبا، وعلى رئيس الدولة المهاب البث فيه وعلى وجه السرعة ومن دون أي تردد.

 

محمد ولد عبد الفتاح ولد عبد الودود (ولد اماه). كاتب صحفي وضابط سابق في الجمارك.

16. مايو 2013 - 16:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا