مواضيع باكلوريا اللغة العربية فيها أخطاء لا تليق بسمعة بلد عرف أهله (الشناقطة) بأنهم هم أساطين اللغة والأدب.
ثمّ يأتي من الأساتذة والمفتشين من لا يفرقون بين إعراب الجمل وإعراب المفرد المؤول. ويمارسون هذه الكبيرة مجاهرة. فيجعلونها في الامتحانات الوطنية.
في باكلوريا 2023، يجعلون (أني أنادي بواد) بين قوسين، ويطلبون أن تعرب إعراب جمل. وهي مؤوّل بالمفرد لا جملة. ذلك أنّ《أنَّ》 هي موصول حرفيّ. والموصول الحرفي مع الجملة بعده مؤوَّلان، دائما، بمصدر مفرد. ولا يعتبر عند النحاة من إعراب الجمل. والتقدير: أعرف "كونَ" مناداتي بوادٍ.
ويذكر النحاة هنا أن المصدر المفرد المقدر له حالتان:
- أن يكون خبرُ "أنّ" مشتقا فيكون المصدر المقدر من المادة الصرفية للخبر.
- وإذا كان خبرها جامدا قُدِّرَ المصدرُ بالكون (مصدر كان).
وفي كلتا الحالتين فإن الإعراب هو من باب إعراب المفردات، لا من إعراب الجمل.
والحق أن هذا ليس خاصا بباكلوريا هذا العام. بل هو أمر يتكرر كلَّ عام منذ زمن طويل.
كما أن منشأ الخطأ عائد إلى كتب ومقررات المعهد التربوي الوطني. فهذه الكتب جعلت هذا الغلط الفاحش قواعد وتمارين تدرس للطلاب ويكلف بتكريسها الأساتذة.
وقد تمثل الخلل في برنامج المعهد التربوي وفي مواضيع الباكلوريا في مادة اللغة العربية في ثلاثة أمور:
1. جعل المفرد المؤول جملة.
والنحو العربي يقول إن الوظيفة الإعرابية إما أن تتعلق بالمفرد أو بالجملة. والمفرد إما أن يكون صريحا أو مؤوَّلا. فالمفرد الصريح مثل المبتدأ في جملة: أيوب نبيٌّ. والمفرد المؤوَّل مثل المبتدأ في قوله تعالى: {وأن تصوموا خيرٌ لكم}، التقدير: الصوم خيرٌ لكم. ومثل المفعول به في آية: {يريد الله أن يخفف عنكم}، أي: يريد التخفيف عنكم.
فالخلط، إذن، بين المفرد المؤول والجمل التي لها محلٌّ من الإعراب هو غلط.
2. وخطأ ثانٍ هو الحديث عن جمل لها محل من الإعراب غير معروفة في النحو ولا موجودة.
فيقولون الجملة الواقعة مبتدأ، والجملة الواقعة فاعلا، وهلم جرّاُ.
والخطأ في هذا من جهتين:
الأولى: أن المبتدأ والفاعل، مثلا، ليسا من الوظائف النحوية التي ذكرت كتب الأعاريب أنها تكون جملة.
الثانية: أنّ العبارات التي يريد هؤلاء أن يجعلوها جملا ليست كذلك. بل هي عبارة عن موصول حرفي وصلته.
والموصول الحرفي أبرز أمثلته: "أنّ" المثقلة (أخت إنّ) ، و"أن" الخفيفة (الناصبة للفعل المضارع). ومنها "ما" و"لو" المصدريتان.
وهذه الحروف مع ما يأتي بعدها عبارة عن حرف موصول وصلته. والعلاقة بين العنصر الأساسي في التركيب (الحرف الموصول) والعنصر التابع ليست علاقة إسنادية، كما في الجملتين الاسمية والفعلية. ومن ثم فاعتبار هذا المركب جملة غلط.
3. جعل بعض المركبات جملا، في حين أنها ليست كذلك. فالجملة إما اسمية أو فعلية. وبعض المركبات التي يجعلونها بين قوسين في الامتحان ليست من أي من نوعي الجملة، لا الاسمية ولا الفعلية.
ومثال ذلك جعلهم في الامتحانات الاسم الموصول وصلته بين قوسين، على أن ذلك جملة لها محلٌّ من الإعراب. وهذا خطأ، أيضا، من جهتين:
الأولى: أن هذا التركيب ليس جملة، لأن العلاقة بين الاسم الموصول وصلته ليست علاقة إسنادية، بل هي علاقة تعريف وتحديد. ولذلك لا يتألف من بينهما كلام تام المعنى.
الثانية: أن الوظيفة الإعرابية التي يبحثون لها عن محل، قد قام بها المفرد، وهو الاسم الموصول نفسه. فلا حاجة إذن لتجشم العناء بحثا عن جملة تكون محلا لذلك الإعراب.
ومع أن مكانة أهل هذا البلد (شنقيط/ موريتانيا) العلمية، وشهرة تميزهم في علوم اللغة والأدب وعلوم الشرع .. هو أمر لا ينكره إلا مكابر. إلا أنه من غير اللائق أن تقع مواضيع باكلوريا اللغة العربية هذه بأيدي بعض الأساتذة من بلدان أخرى، ويجدوا أن امتحان الباكلوريا الوطنية في هذه البلاد ترتكب فيه مثل هذه الأخطاء الفواحش! ربما لاستبداد بعض الفنيين والمنتمين للسلك من غير المتضلعين بما لا يستطيعون النهوض به!!