كثر الجدل هذه الأيام حول مبادرة السيد مسعود ولد بلخير رئيس الجمعية الوطنية منتهية الصلاحية ، و تحتل هذه المبادرة حيزا هاما من اهتمام متابعي الشأن العام في البلاد و يتصدر الحديث عنها عناوين الأخبار و مقالات الرأي و ينقسم الرأي العام حولها بين من يرى فيها خروجا من الأزمة السياسية المستفحلة و من يجدها إنقاذا للنظام من وحل الفضائح وأدران سوء التسيير و أخطار الإنفلات الأمني و امتعاض الشارع من النهب المنظم لمقدرات البلاد و سوء أحوال العباد.
و لست هنا في محل تقييم للمبادرة لكنني و من خلال متابعتي لجل ما يكتب عنها تولد لدي انطباع أن الكثيرين لم يقرأوا موقف المعارضة منها قراءة صحيحة و ليسوا على اطلاع كامل بحيثيات هذا الموقف لذلك ارتأيت أن أوضح بعض الجوانب التي يبدو أن الغموض يلفها. فحزب التكتل مثلا لم يناقش هذه المبادرة إلى حد الآن و لم يتخذ منها أي موقف و لم تتخذ منها المنسقية هي الأخرى موقفا لأن مواقفها و قراراتها تبنى على مواقف أحزابها و بالإجماع.
و أجزم هنا أنه في اعتبار أن المعارضة قد وافقت على هذه المبادرة مغالطة كبيرة و تجني سافر على الحقائق. و كل ما في الأمر أن رؤساء أحزابها أدو زيارة للسيد مسعود ردا بالمعروف على الزيارات التي سبق و أن قام بها إليهم و استهلها بزيارة للرئيس أحمد ولد داداه رئيس حزب التكتل في مقر حزبه. و المعارضة حقيقة لا ترغب في حكومة و حدة وطنية تحت إشراف محمد ولد عبد العزيز لأنها لا تثق فيه و لا تعتبره جزءا من الحل بل ترى فيه و في ما آلت الأمور إليه في عهده جوهر المشكلة ، و ليس أهل المعارضة طلاب و ظائف أو مناصب وزارية، و تجد هذه المعارضة أيضا أن الوقت ليس وقت حلول ترقيعية آنية و ليس المقام مقام مجاملات على حساب و طن ينزف و تحدق به الأخطار وتحوم الشبهات المشينة حول رأس النظام فيه و تلتف الفضائح المزلزلة حول عنق حكامه و تتعدد فيه الأزمات الخانقة و يهدد العطش و الجوع أغلب سكانه و يكتوي مواطنوه بلظى الأسعار الحارقة و يتردَّوْن في درك الدخول المتدنية و يتهددهم شبح الإنفلات الأمني و تنتشر بينهم الجريمة و يكثر بينهم السطو المنظم و القتل و المرض و البؤس و الشقاء.
و شغلنا الشاغل حقيقة هو كيف ننقذ الوطن من هذه الأخطار و هذه الأزمات متعددة الأوجه و هذه الهاوية السحيقة التي نرى أنه ينحدر إليها ، و كيف ننقذ سمعة بلاد العلماء و الشعراء و موطن الإشعاع الثقافي و المد الإسلامي مما لحق بها من عار و علق بها شوائب جراء استهتار حكامها و استهزائهم بقيم أهل هذه الأرض و أخلاقهم و ما اقترفوه من جرائم أخلاقية و اقتصادية و سياسية و أمنية في حق هذا الشعب المسلم المسالم الأبي. و تقلقنا قوات جيشنا التي تقحم الآن في حرب لا ناقة لنا فيها و لا جمل و تهدننا بمخاطر استهداف الإرهاب لأرضنا و بلدنا الذي لم يعد ظهره يحتمل قشة جديدة تزيد حمله و تعرضه للقصم.
و ندرك أن النظام القائم عاجز عن حل هذه المشاكل و درء هذه الأخطار و نعتبر أن سوء تدبيره و فشل منهجه هو السبب الأساسي لما وصلت إليه الأمور من تأزم و نرى أن عزله أو اعتزاله يشكل بداية الحل و بصيص الأمل. و قد اختارت المعارضة شعار الرحيل عن دراية و رفعته بعد تفحص و دراسة لذلك لا تستطيع التعامل مع أي حل و لا أي مبادرة لا تضع في الحساب هذا الشعار و لا ترى في أي حوار لا يتصدره الرحيل سبيلا إلى الحل.