انتخابات 13 مايو 2023 ... ملاحظات على الهامش / الخليفة ولـد اسعيد

عرفت موريتانيا في 13 مايو 2023 الماضي انتخابات برلمانية وبلدية وجهوية هي الأولى في عهد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي وصل للحكم في اغسطس 2019، وذلك بمشاركة 25 حزبا سياسيا تتنافس على نيل ثقة أكثر من مليون و700 ألف ناخب.

هذه الانتخابات مثلت استثناء قل نظيره في تاريخ الجمهورية، فهي أول انتخابات تجري في جو يتسم بالتوافق الوطني بين كل القوى السياسية أغلبية ومعارضة، وذلك خلافا لما كان سائدا في السنوات السابقة من تدابر وقطيعة.

وقد بلغ عدد اللوائح المتنافسة في الانتخابات الجهوية 145 لائحة، تتنافس على حصد مقاعد 13 مجلسا جهويا، كما بلغ عدد اللوائح المتنافسة في الانتخابات النيابية 559 لائحة تتنافس على الفوز بـ 176 مقعدا برلمانيا، في حين بلغ عدد اللوائح المترشحة للبلديات 1378 لائحة، تتنافس على مقاعد 238 مجلسا محليا. 

السياق العام

تأتي هذه الانتخابات بعد الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كوفيد 19، وفاقمت من آثارها الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أنها تأتي بعد تقليص الأحزاب السياسية إلى 25 حزبا، بعد أن كان عددها يفوق 100 حزب سياسي، وذلك تطبيقا للقانون رقم: 031 – 2018، المعدل لبعض أحكام القانون رقم: 024 – 2012 المتعلق بالأحزاب السياسية، الذي تنص المادة 20 منه في فقرتها الخامسة على أنه" يتم بقوة القانون حل كل حزب سياسي قدم مرشين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1 بالمئة من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الذي لم يشارك في اقتراعيين بلديين اثنين متواليين".

جرت انتخابات 13 مايو 2023 بعد التشاور الذي قادته وزارة الداخلية واللامركزية مع الأحزاب السياسية حول التحضير التشاركي للانتخابات النيابية والجهوية والبلدية، الذي أثمر اتفاقا سياسيا على جملة من الأمور الهامة لعل أبرزها: اعتماد خيار "النسبية" في الانتخابات الجهوية والبلدية، سعيا إلى توسيع دائرة المشاركة من مختلف ألوان الطيف السياسي، وأملا في تفعيل رقابة أعضاء المجالس الجهوية والمستشارين البلديين على رؤساء المجالس والعمد، وقد تم اعتماد خيار "النسبية" هذا في شوط واحد، وفي جميع المجالس الجهوية والبلدية.

هذا بالإضافة إلى النسبية في الانتخابات التشريعية، حيث ينتخب النواب في الجمعية الوطنية بنسبة 50٪ طبقا لنظام النسبية و50٪ وفقا لنظام الأغلبية ذي الشوطين.

كما كان من نتائج هذا الاتفاق اعتماد لائحة وطنية للشباب، من أجل حضور فعال للشباب في العملية السياسية، تتكون هذه اللائحة الجديدة من 11 مقعدا بالتناوب بين الجنسين، كما تتضمن مقعدين على الأقل لذوي الاحتياجات الخاصة، حرصا على تمثيلهم وإسماع صوتهم في برلمان الشعب.

وقد كان من أبرز ثمرات هذا الاتفاق تشكيل لجنة وطنية مستقلة للانتخابات بتوافق ومشاركة من جميع القوى السياسية معارضة وموالاة.

انتخابات مفصلية

شكلت انتخابات 13 مايو 2023 اختبارا جديا لنظام فخامة رئيس الجمهورية باعتبارها الأولى في عهده، ثم لكونها تأتي قبل فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية، وهو ما جعل بعض المراقبين يعدها استفتاء مبكرا على سياساته العامة ومستقبله السياسي، وفي نفس الوقت مثلت تحديا للمعارضة التي تطمع إلى تعزيز مكاسبها السياسية ولا سيما حزب "تواصل" الذي تزعم مؤسسة المعارضة لمأموريتين، ورئيس منظمة إيرا الحقوقية برام الداه اعبيد الذي سبق وأن حل في المرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية 2019م.

تحضير فني جيد

باشرت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات مهامها غداة تسمية رئيسها الجديد، الإداري المتمرس والخبير الكفؤ، معالي الوزير السابق: الداه ولد عبد الجليل، الذي انتخب على رأس اللجنة يوم 31 أكتوبر 2022.

وفور تسلم مهامها أطلقت اللجنة عملية الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي، ومن أجل دقة هذه العملية تم استحداث استعمال البصمة البيومترية أثناء التسجيل، كما منح فيها لأول مرة للمواطنين خيار التسجيل عن بعد في أماكنهم المفضلة للاقتراع دون الحاجة إلى التنقل أو الانقطاع عن العمل مما وفر وقتا وجهدا كبيرين، كما أتاحت اللجنة إمكانية تغيير مكتب التصويت للراغبين في ذلك.

استخدام الذكاء الاصطناعي 

نجحت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات في الاستفادة من الاستخدامات الحديثة للذكاء الاصطناعي، وذلك بتوفير منصة إلكترونية تجمع كل البيانات الانتخابية، من اللائحة الانتخابية إلى مكاتب التصويت، إضافة إلى توفير معطيات نتائج الانتخابات أولا بأول على هذه المنصة، مما جعلها قبلة لكل الباحثين عن البيانات الانتخابية، والمصدر الأول لكل الإعلاميين والمواطنين على السواء. وهو ما لاقى استحسانا واسعا وإشادة كبيرة.

ديناميكية مختلفة

إن ما يميز هذه الانتخابات هو الحضور الإعلامي النوعي للجنة الوطنية المستقلة سواء من خلال موقع اللجنة وصفحتها على الفيس بوك أو المؤتمرات الصحفية للناطق باسمها د. محمد تقي الله الأدهم الذي مثل تعيينه على هذا الملف إضافة نوعية للجنة، وأضفى ديناميكية على عملها بخبرته الكبيرة وتعاطيه الإيجابي مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية، ما مكن المواطنين من الحصول على المعلومات الدقيقة وقطع الطريق أمام الشائعات والأخبار الزائفة، التي تضر باستقرار الوطن ووحدة نسيجه المجتمعي.

 

 

نسبة مشاركة غير مسبوقة

مكنت أجواء التوافق الوطني والهدوء السياسي التي جرت فيها انتخابات 13 مايو 2023، والتحضير الجيد الذي سبقت به من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، كل ذلك مكن المواطنين والفرقاء السياسيين من المشاركة الكبيرة في هذه العملية الانتخابية، فكان الاقبال الكبير على صناديق الاقتراع ونسبة المشاركة المرتفعة التي بلغت 71.8%، وهو ما يؤشر على مدى وعي هذا الشعب وثقته في مصداقية العملية الديمقراطية والهيئات المشرفة عليها.

إشادة بمستوى التنسيق 

تمت العملية الانتخابية بتنسيق وتشاور مستمر بين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والأحزاب السياسية، مما أسهم في تذليل كافة الصعاب وجعلها تتم في أجواء مناسبة، وهو ما كان محل إشادة من الأحزاب السياسية، وعزز من تجربة بلدنا الديمقراطية التي تعد استثناء ومحل تقدير من العالم أجمع.

وبعد تمام فرز النتائج ومع محاولة البعض التشويش على المسار الديمقراطي والتهدئة السياسية أكد الناطق الرسمي باسم اللجنة د. تقي الله الأدهم بأن اللجنة على أتم الاستعداد للتعامل الإيجابي مع التظلمات التي تصل إليها وتصحيحها أو إحالتها إلى العدالة عند الاقتضاء، ولم تنف اللجنة حصول بعض الأخطاء أو التجاوزات الفردية بل هي من بادر للتحقيق في ذلك وترتيب ما يلزم من إجراءات تصحيحية وعقوبات رادعة.

إن تنظيم استحقاق انتخابي بهذا الحجم وقبل أجله الزمني المحدد، وبهيئات حديثة التشكل لا يمكن إلا أن يحدث بعض الارتباك، أو ينتج بعض الاختلالات الجزئية، ومع ذلك لم يرصد أي اختلال يمكن أن يصل للتشكيك في نجاح تنظيم انتخابات 13 مايو 2023، أو يضر بمصداقية نتائجها ومخرجاتها النهائية.

10. يوليو 2023 - 20:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا