بعد الكثير من الإعداد والتجهيز والترويج قدم رئيس البرلمان مبادرته لمختلف الاطراف السياسية و تدارسوها وقدموا ملاحظاتهم عليها ، وكانت المعارضة الراديكالية قد قدمت هي الاخرى ردها الايجابي إلا أن رد الجنرال بعدم الموافقة على أهم بند بالنسبة لأحزاب المنسقية المتمثل في تشكيل حكومة توافقية للإشراف على الانتخابات دفعها إلى مراجعة وجهة نظرها من المبادرة لتضع شروطا لمشاركتها في الانتخابات سنأتي على بعضها لاحقا.
منسقية أحزاب المعارضة كانت قد بدأت منذ 2011 تحركها المعروف والمطالب بإسقاط النظام والذي مر بفترات مد وجزر - الرصاصات الصديقة مثلا - لتعجز عن تحقيق هذا المسعى إلا أنها ما زالت تطالب به على استحياء كلما وجدت إلى ذلك سبيلا ، وهي التي قل زخمها كثيرا في الفترة الاخيرة.
بعض أحزاب المعارضة ( المعروفة بالمعاهدة) وبعض الخارجين من عباءة حزب المافيا أي حزب (الحرباوات المتلونين)، شكلوا قطبا سياسيا غير رسمي من أجل الدخول في المسرحية الهزلية المقبلة والذين وافقوا على مبادرة رئيس برلمان النائمين ، إذ من المؤكد أنهم سيشاركون في هذه المسرحية ، وهو ما يشكل تهديدا لأحزاب المنسقية حيث ستعتبر مشاركتهم نوع من إضفاء الشرعية على المهزلة المزمع تنظيمها في شهري سبتمبر وأكتوبر.
المنسقية بعد عدم الموافقة على أهم بند في مبادرة مسعود وهو تشكيل حكومة توافقية للإشراف على الانتخابات تنادت و أصدرت وثيقة جميلة وأنيقة في مضمونها ولكنها غبية واقعيا وتعرف أحزاب المعارضة أن النظام لن ينظر فيها أحرى عن نقاشها ، أما الموافقة عليها فأمر مستحيل ، كل ذلك نظرا للعنجهية التي يتميز بها ولا مبالاته بكلام فارغ - من وجهة نظره طبعا - لما تضمنته.
أول مطلب تضمنته كان رحيل النظام ، وهو أمر غير ممكن الحدوث طبعا نظرا لعجز المنسقية عن تحقيقه في عز قوتها المستمدة من الاوضاع المحيطة آنئذ ناهيك عن حالها اليوم.
المنسقية في وثيقتها قالت إن بيان اللجنة غير شرعي لأنه جاء من طرف واحد وأن محمد ولد عبد العزيز و وزيره الاول غير مؤهلين ، بطبيعة الحال فلو كان الأول منهما مؤهلا لما نفذ انقلابا بحجج واهية نعيش اليوم وضعية أصعب وأعمق منها ونفس الشيء ينطبق على الثاني وزيره الاول الذي ارتضى العمل مع هكذا انقلابيين.
الواهم من يعتقد أنه من الممكن تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة في ظل نظام عسكري انقلابي قائم على المصالح الضيقة والتزوير وأكل المال العام ، والواهم كذلك من يعتقد أن منظومة تم نسجها منذ بداية سلسلة الانقلابات اللعينة بين مجموعة من رجال الدين المتمصلحين الداعين الى طاعة ولي الامر – الانقلابي - مهما يكن ، وجوقة الزعماء التقليديين الذين لا يفقهون أي شيء لا عن الديمقراطية ولا حقوق الانسان ولا حرية التعبير وجماعة رجال الأعمال الساعين دائما الى التحصيل وزيادة الدخل على حساب الفقراء والمطحونين في قاع المجتمع ، كل هذه الأطراف مجتمعة تجعلك في حل من التفاؤل في أي انتخابات يراد لها أن تكون شفافة ونقية.
الانتخابات من هذا المنطلق محسومة النتائج ومن العبث المشاركة فيها لأن الأهم و السعي الى تحرير موريتانيا من القبضة العسكرية التي تعيدها الى الوراء في غالب الوقت عبر ولاءاتها الضيقة.
من المعروف أن المنسقية بوضعها لهذه الشروط للمشاركة لا تعدو كونها ردا على رفض النظام لحكومة توافقية للإشراف على الانتخابات وهو ما جعلها ترفع شروطها عاليا من خلال مطالبتها بتغيير كل من المدير العام للحالة المدنية ومدير السجل الانتخابي ورئيس المجلس الدستوري باعتبار هذه الهيئات الثلاثة هي المعنية الأولى بنزاهة الانتخاب وما سمته بحياد وسائل الدولة ، بالإضافة الى اللجنة المستقلة للانتخابات التي تم تعيين أعضائها بعد الحوار الصوري الذي أجراه النظام مع احزاب المعاهدة ، ومن المعروف أن كل هذه الهيئات تم تعيين رؤسائها من قبل النظام الشيء الذي يؤكد أنها لن تكون حيادية بالمطلق في الإشراف على العملية الانتخابية ، هذا جزء يسير من المآخذ التي يفترض أن يغيرها النظام إذا كان يريد اعترافا ومشاركة حقيقيين في الانتخابات المزمع تنظيمها في المستقبل القريب.
احد أبواق النظام في رده على وثيقة المعارضة اعتبر وثيقة المعارضة الاخيرة نكوصا عن موافقتها على مبادرة مسعود ولد بولخير وقال أنهم في الأغلبية – المزعومة - يرفضون تأجيل الإنتخابات ، ناسيا أنهم مجموعة من منفذي الأوامر فقط ، على رأس النظام ان يشير إلى أمر ما لتراهم يتدافعون لتنفيذ توصيات سيادته بآلية مقيتة ، هذا ما يجيدونه ولا شيء غيره ، ثم عن الأغلبية المزعومة لا تعدو كونها مجموعة من أصحاب المصالح اجتمعت من فتات الاحزاب التي سبحت وحمدت يوما بفضل معاوية ولد الطائع وغيره من الانقلابيين المتعاقبين ، فعن أي أغلبية يتحدث.
المعارضة بدورها بحاجة إلى مراجعة مواقفها بينياً لأنه من شبه المؤكد أن أحزابا من بينها لن يمنعها لا اتفاق ولا انضمامها للمنسقية من المشاركة في الانتخابات وهي معروفة للجميع إذ ترى أنها تملك في رصيدها من المناضلين ما يخولها ذلك في حين أن هذه الجموع التي تتشدق بها يمكن أن ينسفها النظام في لحظة واحدة بحيله المعروفة.
إلا أنني أرى أن أي موقف مشرف يجب أن تأخذه منسقية أحزاب المعارضة يجب أن يكون مقاطعة الانتخابات نهائيا لأنها دون شك ستعود تندب حظها أو على الأقل من سيشارك منها في هذه المهزلة ، لكن هيهات.