يبدو أن الحرية المؤقتة قد أصبحت هي العقوبة الأكيدة، أو المكافأة الأكيدة ـ لا أدري أيهما أصلح للاستخدام في هذا المقام ـ لكل من يُتهم بالفساد، أو بأي تهمة أخرى مشابهة في عهد هذا النظام الذي لا يتورع أن يتهم بشكل مؤقت، ويسجن بشكل مؤقت، وذلك من قبل أن يمنح للمتضرر الحرية بشكل مؤقت.
لقد خرج رئيس الوزراء السابق من السجن بحرية مؤقتة، وخرج من بعده المفوض ولد الداده بحرية مؤقتة، وخرج من بعد ذلك رئيس حركة "إيرا" بحرية مؤقتة، ولن يكون محمد ولد الدباغ نائب رئيس مجموعة ولد بوعماتو هو آخر من يخرج بحرية مؤقتة، ولا آخر من سيتهم بشكل مؤقت، ويسجن بشكل مؤقت.
خرج هؤلاء بحرية مؤقتة، وخرج من قبلهم قوم سابقون بحرية مؤقتة، سبقها اتهام وسجن مؤقتان، وسيخرج أيضا من بعدهم قوم لاحقون. خرج هؤلاء رغم أن الجميع كان يتوقع بأنهم لن يخرجوا أبدا إلا بعد عقوبة قاسية. فتصريحات الرئيس التي كان يُطلقها ـ بمناسبة أو بغير مناسبة ـ كانت تنذر بأن العقوبة ستكون قاسية ونافدة. كان لابد لولد الوقف مثلا، ولكي يخرج من السجن أن يبتلع حفنة من الأرز الفاسد. وكان لابد أن تطبق الشريعة في رئيس حركة إيرا، فموريتانيا ليست بالدولة العلمانية. وكان لابد للقضاء أن يقول الكلمة الفصل في ملف نائب رئيس مجموعة ولد بوعماتو . ولقد أكد الرئيس بأنه لا علاقة إطلاقا بين الضرائب على شركات ولد بوعماتو، وسجن رئيس مجلس إدارة الشركة الموريتانية التونسية للطيران المتهم من طرف القضاء، عفوا، من طرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بإفلاس تلك الشركة.
فلا علاقة بين الملفين، حسب تصريحات الرئيس، ومع ذلك فقد كان اليوم الذي قرر فيه البنك العام لموريتانيا أن يعيد فتح أبوابه هو نفس اليوم الذي تم فيه الإفراج عن نائب رئيس المجموعة محمد ولد الدباغ، إنها مجرد مصادفة غريبة، تماما كتلك المصادفة الغريبة التي سبقتها، والتي أدت إلى فتح الملفين بشكل متزامن. دعونا نصدق ـ وبشكل مؤقت ـ بأنه لا علاقة إطلاقا بين الضرائب على مجموعة ولد بوعماتو، وسجن نائب رئيس المجموعة، ولا علاقة أيضا للملفين بالسياسة، حتى وإن كان الملفان قد تم فتحهما معا، وتم إغلاقهما معاً.
ودعونا نصدق ما هو أصعب تصديقا من ذلك، أي أن نصدق بأن القضاء الذي عودنا على أن يتهم حسب المزاج الرئاسي المتقلب، وأن يسجن حسب تقلبات ذلك المزاج، وأن يُفرج ـ وبحرية مؤقتة ـ إذا ما انفرج مزاج الرئيس، دعونا نصدق بأن ذلك القضاء هو قضاء مستقل.
دعونا نصدق ذلك، وبالمناسبة فهل أمامنا نحن كشعب طيب مسالم إلا أن نصدق كل ما يقال لنا من عجائب القول و من غرائبه؟
سنصدق ذلك بشكل مؤقت، ولكن، وليسمح لنا قضاؤنا "المستقل" أن نطلب منه طلبا بسيطا، وهو أن يضيف إلى قاموسه مصطلح "سجن مؤقت"، وذلك لكي يبشر أولئك الذين سيتم اتهامهم وسجنهم لاحقا، ولأسباب سياسية، بأن سجنهم لن يكون إلا سجنا مؤقتا، وسينتهي بانتهاء الأسباب السياسية التي أدت إليه، ولكن بشرط أن يدفعوا الغرامة المالية الكبيرة التي تعود قضاؤنا "المستقل" أن يفرضها مقابل كل حرية مؤقتة يمنحها.
لقد أصبح قضاؤنا المستقل مؤسسة سياسية تتهم، وتسجن، وتُفرج تبعا للمزاج الرئاسي المتقلب. كما أنه أصبح أيضا مؤسسة جبائية تُحَصِّل الأموال من المواطنين من خلال الغرامات المرتبطة بالحرية المؤقتة، وبذلك فقد أصبح القضاء يساهم مساهمة هامة في توفير الموارد المالية لموريتانيا الجديدة، والتي عرفناها ـ منذ أن عرفناها ـ حريصة، كل الحرص، على جباية الأموال من كل شيء، ومن أي شيء : من بيع الأراضي في قلب العاصمة، من الضرائب، من بيع الأوراق المدنية، من الغرامات على البلاستيك، ومن منح الحرية المؤقتة أيضا.
حقيقة هناك إبداع غير مسبوق لدى النظام الحالي في جمع المال، ولكن ذلك لا يعني بأن هذا النظام لم يضيع ـ في بعض الحالات ـ فرصا كان بإمكانها أن توفر له المزيد من المال.
فبدلا من العفو الرئاسي عن بعض الموريتانيين والأجانب المدانين في ملف المخدرات، بمناسبة ذكرى المولد النبوي في العام الماضي، كان بإمكان القضاء "المستقل" أن يمنح لأولئك المدانين حرية مؤقتة، مع إجبارهم على دفع غرامات مالية ضخمة مقابل تلك الحرية المؤقتة. وبالتأكيد فإن ذلك كان سيعفي النظام من أن يضطر لأن يخصص مناسبة دينية عظيمة للعفو أو لتخفيف العقوبة عن مدانين في قضايا مرتبطة بالمخدرات.
حفظ الله موريتانيا...