عندما نتكلم عن الرقمنة القضائية فنحن هنا لسنا في إستعراض البرمجيات وأهميتها وعليه في البداية يجب الإشارة الي ان مصطلح رقمنة العدالة يحمل في طياته رقمنة القضاء ورقمنة الإجراءات فهي موضوع واجراء بين الفصل في المنازعات وإجراءاته المتبعة؛ والقضاء كمرفق يحتم البث وتقريب الخدمة للمواطنين مع تحسين الجودة والولوج لمرفق العدل مع ضمان محاكمة عادلة في اجال معقولة.
فبالرغم من أن مسايرة التقدم في التقنيات القانونية أمر أساسيي كي يتطور أداء مرفق العدل لمسايرة العلاقة بين العالم القانوني والعلم الحديث في النمو بطيئة؛ بينما تمضي التقنيات التكنولوجية بخطي سريعة صوب التقدم ، فمن اللافت للنظر أن النظم القضائية المقارنة أصبحت تعوِل بشكل كبير علي التقنيات الحديثة في إدارة القضاء والإدارة القضائية ، والتي تساعد في التغلب علي مشكلة تراكم القضايا ، واستبدال نظام العدالة الرقمية بالنظام الورقي بما يتيح للقضاة ومعاونيهم، والمتقاضين وأعوانهم من متابعة إجراءات القضايا بيسر وسهولة ،و الإصلاح التكنولوجي يكون من خلال استعمال التكنولوجيا في جميع المحاكم علي مستوي جميع مراحل التقاضي ، وهو ما يبرز معه ضرورة الوقوف على آليات تطوير المنظومة القضائية ودور الوسائط الرقمية فى ذلك ؟؟؟ ، وما سيترتب عن هذا التحول والتطوير من تحديات قانونية ، وتقنية مصاحبة لهذا التحول فكيف سيتتم مواجهتها ؟؟؟؟
وعليه ركزت المشاورات في محور رقمنة القضاء إلى تحسين نجاعة إدارة القضاء وتسهيل النفاذ للمنظومة القضائية والمساعدة على حسن القيادة وأخذ القرار.
ولذ لك يجب التركيز محاور أساسية وهي:
أولا : النفاذ إلى المعلومة وإلى القانون من خلال تركيز نظام معلوماتي متطوّر يقدّم خدمات لمختلف المتدخّلين والمتعاملين مع المحاكم ووزارة العدل.
ثانيا : رقمنة الأحكام والملفّات وإحكام أرشفتها إلكترونيا.
ثالثا : تركيز بنية تحتية عالية الأداء والجودة تعتمد على شبكة لتراسل المعطيــات ذات سعة عالية تشمل كافّة المحاكم والمؤسسات الراجعة بالنظر لوزارة العدل.
ومن شأن هذا البرنامج المساير للتطور التكنولوجي أن يحقق قيمة مضافة للاقتصاد وللمجتمع بتبسيط إجراءات التقاضي وتوفير الوقت والجهد وتخويل إسداء الخدمات عن بعد بمواصفات جودة عالية تجمع بين السرعة والدقة والتكلفة الأقل. فضلا على أن رقمنة العدالة تشكل عاملا هاما في تحقيق المزيد من ضمانات النزاهة والشفافية والمساواة أمام المرفق العام وتسهيل الوصول إليه.
إن التعويل على المعلوماتية في الخدمات القضائية فيه نفع أكيد ومغانم كثيرة، ولعل أهمّ ما تحققه المعلوماتية هو السرعة والدقة والسرية والسلامة والتعريف وعدم القدرة على إنكار المعاملة.
فالواضح أن إتمام الخدمة عن بعد يعفي المستخدم من التنقل إلى مقر المحكمة وإتمام العملية إلكترونيا لا يوجب كثيرا من الوقت والخطأ وارد كثيرا في العمل اليدوي على خلاف الممارسة الالكترونية، فلا يمكن للتطبيقات المعلوماتية أن تخطئ، وحتى ولو أخطأ المتعامل مع التطبيقات المعلوماتية فلا يمكن إتمام الإصلاح إلا بتدخل فني الإعلامية على المنظومة بأرقام سرية. ومن السهل المحافظة على سرية المعلومة الالكترونية بالأرقام السرية وما شابه ذلك وتعمل وزارة العدل من خلال عمل البوابة أو المنظومات المعلوماتية على ضمان السرية التامة للمعطيات الشخصية المتعلقة بالشكايات والمحاضر، والقضايا المنشورة بالمحاكم واتخاد كل الإجراءات والاحتياطات لتفادي أي اختراق الكتروني للبوابة ومختلف منظوماتها، وعدم حصر النفاذ إلى المعلومة القضائية في المحامي أو المتقاضي المعني دون غيره ؛ ومن السهل التعرف على كل من انخرط في الممارسة المعلوماتية بحيث لا يمكنه إنكار الممارسة.
ولان بلادنا شريك في برنامج تنقية مناخ الاعمال والبنك الدولي والتي صنفت الحوكمة عبر مؤشرات عديدة تضمن جودة العدالة لعل أهمها:
-إنشاء نظام إدارة القضايا إلكترونيا من خلال تطوير منصات إلكترونية للتبادل والتواصل بين الإدارة القضائية والدفاع، وانفتاح الإدارة القضائية على محيطها ببروتوكولات التبادل الالكتروني التي من شأنها تسهيل عمل المحاكم وتقريبه وتمكين المحامين من مباشرة إجراءات التقاضي عن بعد بتحديد المذكرات والتوصّل بالاستدعاءات ومباشرة الإجراءات المتعلقة بالقضية والاطلاع على المؤيدات وتبادل التقارير والتصريح بالأحكام إلكترونيا دون حاجة للتنقل للمحكمة.
-نشر الأحكام القضائية إلكترونيا لزيادة القدرة على التنبؤ والشفافية في عملية التقاضي وتحسين سمعة النظام القضائي بالكامل عندما يمكن أن يرى العالم الأحكام في نظام المحكمة، وهو ما يعزز ثقة العامة والمستثمرين.
ويعطي التصنيف العالمي لقاعدة البيانات نقطة مكافأة لكل من هذه التحسينات، كما تساعد التصنيفات الدول على تحليل عملية التقاضي من وجهة نظر الأعمال التجارية والبحث عن سبل تطويرها وهي مفيدة للمستثمرين لفهم نظام المحاكم وفصل النزاعات في الدولة.
و تساعد التصنيفات العالمية الدول على تحليل عملية التقاضي من وجهة نظر المستثمرين لفهم نظام المحاكم في الدولة والموافقة أو عدم الموافقة على التقاضي.
ويساهم تصنيف ترتيب ممارسة أنشطة الأعمال من البنك الدولي الذي أنشئ في عام 2002 في تجميع البيانات الكمية لمقارنة بيئات تنظيم الأعمال التجارية عبر الاقتصادات وعلى مر الزمن. ويعتمد التصنيف مجموعة مؤشرات لحوالي 189 من الاقتصادات في العالم. وقام تقرير عام 2016 بإدخال إجراء جديد، وهو مؤشر نوعية العمليات القضائية وسيادة القانون، وتقييم ما إذا كان كل اقتصاد قد تبنى سلسلة من الممارسات الجيدة التي تعزز الجودة والكفاءة في نظام المحاكم، والتي من شأنها أن توفر مناخا ملائما لجلب الاستثمار.
ويطلب المستثمرون الأجانب من نظم المحاكم الشفافية، والقابلية للتوقع، والكفاءة، والسرعة المعقولة والنجاعة المطلوبة في تنفيذ الأحكام القضائية. ويقيس المستثمرون مدى توفر الممارسات الفضلى في نظام المحاكم عبر عدّة مؤشرات تتمثل أساسا في مكننة (أتمتة) المحاكم وحسن إدارة القضايا.
فبخصوص المؤشر الأول المتعلق بمكننة المحاكم فإن ذلك يمرّ عبر إيداع الدعاوى والشكاوى بصورة إلكترونية، والإخطار بها وسداد الرسوم بالوسائل الإلكترونية دون عناء التنقل للمحاكم. وتركيز منصّة إلكترونية للتواصل بين الإدارة القضائية والمحامين، وذلك بتحرير المذكرات ومختلف المقالات عبر هذه المنصّة، وتوجيهها إلى المحكمة التي تتوصل بها في حينها، ويصدر القاضي حكمة أينما وجد، وتنشر الأحكام للعموم عبر الرسائل الإلكترونية أو الانترنت.
أما بخصوص المؤشر الثاني المتعلق بحسن إدارة القضايا فإنّ ذلك يمرّ عبر توفير أرضية لبوابة إلكترونية تؤمن خدمات عمومية وتمكن من تقليص الكلفة والآجال واستغلال التكنولوجيات الحديثة في التواصل مع المحاكم عند تسجيل القضايا وخلاص الرسوم والحصول على جداول الجلسات والاطلاع على المؤيدات وعلى نصوص الأحكام واستخراج اللوائح والوثائق كالسجلات التجارية مثلا.
وتمكن تلك المؤشرات الهيكلية أو اللوجستية من تحسين سمعه النظام القضائي بالكامل، وتعزيز ثقة المستثمرين في قانون الدولة وقضائها.
الا ان كل لن يتحقق لغياب هيكلة قانونية تحدد الوظائف والمسؤوليات مما يستدعي المصادقة علي وثائق التكليف و مسؤوليات الوظيفة ووصفها.
هذه كانت الورقة التوجيهية التي قدمناها للنقاش بوصفيى من مقرري الورشة ولتكون بدايتا لمقدمة للنقاش القانوني والتقني للخروج بتوصيات عملية في القريب العاجل.
شكرا للرئيس و المقررون والخبراء الذين اجازو هذه الورقة التوجيهية لنخرج بتوصيات عملية تفتح الباب أمام الولوج للعدالة وتحسين الخدمة والشفافية وترفع الاقتصاد والثقة في القضاء بارك الله فيكم.