من المعلوم أن وظائف الدولة الأساسية التي لا يختلف عليها اثنان من فقهاء القانون مهما كانت مشاربهم، تتمثل في مسؤوليتها عن تحقيق رفاهية الفرد وتوفير ما يحتاجه لضمان حياة كريمة على كل الصعد، إضافة إلى العمل على تقدم المجتمع وتطوره.
هذا إضافة إلى وظائف أخرى ثانوية للدولة، يعتبر طموحنا لها وتطلعنا إليها - نحن معشر العامة - أمرا لا محل له من الإعراب وضربا من الخيال.
وبنظرة فاحصة ومتتبعة للشأن الموريتاني، يلحظ صاحبها بجلاء ودون كبير عناء الواقع المرّ الذي يعيشه المواطن وما آل إليه حال البلد، من ظلم، يتجلى في اقتسام الثروة القومية وغياب الخدمات الأساسية ذات الأهمية والمرتبطة أكثر بالمواطن نتيجة حاجتة الماسة إليها، من توفير لسكن لائق وماء وكهرباء...
دون أن ننسى ما تشهده الدولة من تدوير لشخوص وتوريثهم لمختلف المناصب منذ الاستقلال وحتى فجر اليوم والقائمة تطول...
ناهيك عن النهج السياسي المتبع في البلد، والتعاطي معه والذي يصعب على أي فقيه دستوري تصنيفه ضمن النظم السياسية المتعارف عليها دوليا.
إن راسمي سياسات البلد أهلكوا الحرث والنسل، ووضعوا البلد على شفا جرف هار وعلى فوهة بركان منذر بانفجار - لا قدر الله - في كل وقت.
مرد كل ذلك، يتمثل في غياب الدولة وعدم اضطلاعها بمهامها المنوطة بها، مما قد يدفع البعض إلى استشعار عدم الانتماء لهذه البقعة من الأرض جرّاء ذلك، دون أن يزحزح آخرين عن تشبثهم بهذا الوطن واضعين نصب أعينهم قول الشاعر:
بلادي - وإن جارت علي - عزيزة // وأهلي - وإن ضنّوا علي- كرام.
لقد شهد هذا البلد أنماط تسيير لن تجد لها مثيلا في أي مصر من أمصار العالم.
لذا يؤسفني أن أقف وأقول بكل أمانة وصدق وحرقة:
إن حال الوطن إن ظل على هذا النحو من التردي، فالأكيد أن غالبية أبناء هذا الوطن من الذين ما زالوا متشبثين به وعاضين عليه بالنواجذ، صابرين على ما به من بطالة من جهة وما يشاهدون فيه من غبن وحرمان وجرأة على المال العام وترقيات غير مستحقة من جهة أخرى سيجدون أنفسهم - في لحظة معينة - مضطرين إلى اللحاق بالركب الآخر - بمن فيهم متوسطو الدخل من الموظفين - والهجرة إلى إلى أرض الله الواسعة، مكرهين غير مختارين، بحثا عن ما حرموه في وطنهم مما لهم الحق في مشاركته مع غيرهم ممن استحوذوا عليه.
ولعل ما نشاهد من نزيف هجرة شباب في عمر الزهور أيامنا هذه إلى بلاد "العم سام" مؤشر على ذلك وعلى تلك الدرجة التي وصل إليها الإحساس بالإحباط.
إن هذا الواقع يَشِي بخطر على هذا الوطن إن لم يتداركه القائمون عليه بخطوات سريعة وجريئة في آن، تستأصل تلك المنغصات من جذورها قبل أن يصل نقطة "اللاعودة"،
سيما إن بدا أن ارتفاع الحائط "الموعود والبديل" أقصر وأسهل تسلقا مما عندنا من حيوط وجدران فساد وسوء حكامة وتسيير، استعصى على القائمين على الشأن العام تجاوزها لحدّ اللحظة.