تباينت المواقف والآراء والردود حول الخاطرة البسيطة التي كتبتها منذ يومين بعنوان (دولة البيظان في الصحراء الغربية). قرأت البعض من هذه الردود والآراء المضادة وأستمتعت بقراءة البعض منها واستفدت منه كثيرا وولد لدي انطباعا مفاده ان البعض منا،
معشر الموريتانيين- المتصحرين، تقدمنا في المجمل من حيث الأسلوب وطريقة الرد والنقد والفهم والتمحيص، بما في ذلك نفسي. بينما لايزال البعض يركن للعاطفة العمياء ويعجز عن رسم الخطوط المعرفية والفكرية بين الذات والموضوع...
جادت قرائح البعض بالشتم والذم والشخصنة دون أن يفهموا حتى لب الموضوع وصلب الإشكال الذي يطرحه الواقع المتأزم والمتشابك مع الحقيقة والتمنى، بين الحقيقية المرة والتصور الطوباوي للثائرين الحالمين في ضوء النهار على خطى زعيم التصور الخرافي الرفيق تشي غي فارا الذي مات كالبعير دون أن يحقق نتفة من حلمه حول إنتفاضة الشعوب التي لا تزال تخنع وتركع ألف مرة كل يوم لمستعمريها وجلاديها من أبناء جلدتها...
كل الذين كتبوا ردا على مقالي يتفقون معي، ولو إختلفت المقاربات والتصورات والآليات اللغوية والسردية والتاريخية، في أن "دولة الصحراء الغربية" لا زالت مجرد حلم يستعصي على التحقيق والإنجاز حتى ولو نالت الإستقلال التام وليس الذاتي عن المغرب. لا تملك "دولة الصحراء" المقومات الثقافية لإنشاء دولة وضمان إستمراريتها. وأعني هنا بالمقومات الثقافية الكوادر البشرية من المثقفين والسياسيين المتمرسين...
كل المتسيسين الصحراويين يعيشون تحت الظل الوافر لفلل فخمة في ضاحية العاصمة الرباط وتحديدا في "الهرهورة" حيث يعيش أغلب ممثلي القبائل الصحراوية والوجهاء قريبا من المخزن لتلقى الأوامر من قريب والإشراف على الأموال الطائلة التي تنفقها الحكومة المغربية على المتسكعين الصحراويين الشباب الذين تعلموا أن ينتظروا من الحكومة التوظيف والنفقة على الدراسة وتذاكر السفر وحتى توفير "العِقْبِيَة" (عبارة يستخدمها لمعايل الصحراويين للوجبة السريعة التي تحضر قبل شاي الأصيل الذي يسمى الذهبي) والبخور كل مساء في أجنحة الأحياء الجامعية التي يحتلونها ليستنسخوها صورة طبق الأصل من منازلهم في الساقية الحمراء وواد الذهب...
عند نقاش القضية الصحراوية يتبادر الى الذهن سؤال بسيط: ماهي حدود الدولة الصحراوية التي تطالب بها البوليزاريو والمرتزقة والهاربين الي اسبانيا وكوبا وأمريكا وحتى الي المغرب من جحيم الفقر وحرقة "لَعْجَاجْ" (عبارة يطلقها الصحراويون على الغبار) في المخيمات البائسة في تيندوف؟ قضية الصحراء لا تعدو كونها لعبة مدرة بالدخل للسماسرة الكبار من أمثال محم الأمين أحمد وولد عبد العزيز والمحجوب السالك من خلال ما يسمى "حركة خط الشهيد". وآمنة حيدر وولد المصطفى سلمى سيدي مولود اللذان أخذا من الإضراب عن الطعام وسيلة للإسترزاق والتسول...
هؤلاء كلهم انشقوا عن البوليزاريو التعيسة والفاشلة حتى في إقناع القبائل الصحراوية بالتجمع تحت علم واحد ولكل واحد من أعضائها ملفات فاضحة في ما يسمى بالتلاعب بالتبرعات والريع الإسباني والجزائري أساسا والذي يعتبر مصدر الدخل الوحيد للحركة التي تطلق على نفسها "حلم دولة"...
أيَ دولة يمكن أن تقوم في تيندوف والبوليزاريو لا تملك سوى 20% من مساحة الإقليم الذي تدعيه؟ وكيف يمكن قيام دولة في اللا مكان بسكان لا يتجاوز عددهم 502 585 حسب إحصائيات سبتمبر 0201، لكن هذا العدد هو فقط للذين يدعون انهم صحراويين وأغلبهم يتواجد في الأقاليم السبانية أو المناطق الجزائرية المحاذية للمخيمات البغيضة في تيندوف أو حتى في ولاية تيرس الزمور الموريتانية التي سيطروا عليها وربما قريبا يعلنون دولة أخرى في الأحلام تدعي نواذيبو وازويرات مع لعيون والداخلة وسمارة...
صراع سياسي وراء أحداث لعيون:
إن السبب الرئيسي لأحداث لعيون في العام 2010 وبداية ظاهرة المخيمات مثل مخيم "أكديم إزيك" كان تحت شعار المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والمطالبة بالسكن اللائق ولم يكن البتة بهدف الإستقلال كما تؤكد ذلك كل التقارير التي كتبت آنذاك بما في ذلك تقارير جبهة البوليزاريو التي تلاعبت بأعداد المصابين وضخمت منه في حين ان التقارير الدولية والصحافة الأجنبية زارت عين المكان ولم تؤكد التقارير المبالغ فيها من طرف مرتزقة البوليزاريو وجبهة الشهيد المتخيل....
إن حقيقة الصراع والمظاهرات الدائرة في لعيون والداخلة هي بسبب الصراع السياسي الدائر بين الأحزاب السياسية من أجل السيطرة على المنطقة من أجل ترجيح مصالح السياسة والامتيازات لصالحها في الرباط والبلاط الملكي...
هناك صراع متعدد الأقطاب يتمثل في الخلافات الحادة بين الوالي جلموس والعمدة من جهة والوالي وشيوخ القبائل من جهة أخرى. فالوالي جلموس يحسب على الحزب الملكي الجديد "الأصالة والمعاصرة" برئاسة الصديق المقرب من الملك وزميله في الدراسة السيد فؤاد عالي الهمة. هذا الحزب الذي استطاع الصعود بشكل مريب منذ الانتخابات الجماعية المغربية في 2009 والذي بدى وكأنه يحاول صهر كل الأحزاب الصغيرة في بوتقة المصلحة الملكية تارة بالمال وأخرى بالجاه...
هذا الحزب هو الذي انتدب السيد إلياس العماري شهر فبراير الماضي من أجل العمل مع الوالي والعمدة وشيوخ القبائل من أجل تفكيك المخيم "اكديم إزيك" بإسم الملك تارة وبإسم حزب الأ صالة والمعاصرة، لكن الياس العماري فشل في مهمته بسبب الصراع السياسي الخفي الذي تلعب فيه كل الأحزاب بثقلها ونفوذها القبلي مع تقدير الظرفية الخاصة التي تمر بها المنطقة الإقليمية بشكل عام...
بيت القصيد هنا هو التأكيد على ان الإضرابات والمخيمات والإعتصامات في لعيون والداخلة لا دور فيها على الإطلاق للبوليزاريو ولا شرذمة ولد عبد العزيز المراكشي وحصالة الثوريين والإنفصاليين المرتزقة...
الصحراء الغربية جزء محتل من الصحراء وسيبقى للمغرب لأن الملك، الماكر، الحسن الثاني جعل منها عماد الأمن القومي للمغرب والمغاربة وهي المحك الوحيد الذي لا زال أمام الإبن محمد السادس ليثبت انه لن يتخلى عن كل شيء...
سيتمسك المغرب بالصحراء الغربية كما سيتمسك ثلة الصحراويين البوليزاريين بمصدر رزقهم الوحيد وورقتهم التي يسترزقون بها في المحافل الدولية...
ستتغير الأجيال ونرحل عن هذا العالم والقضية معلقة بين الأرض والسماء لكن الواقع في الأقاليم الغربية للصحراء يحكي بلغة مغربية يقول لسان حالها ان الصحراء مغربية مهما طالب البعض ومهما إدعى آخرون....
عذراً للصحراويين لأني صادرت أحلامهم الوردية بإمكانية قيام دولتهم الخديج... أعتذر ايضا من الصحراويين لأني ربطتهم بفلول البوليزاريو وحركة الشهيد وأنا اعلم انها إساءة لمعظمهم ولو حتى أن يتقاسموا مع شرذمة تيندوف صفة الصحراء...
عذرا للبيظان الغارقين في مستنقع الكلام والتقاليد الآسنة التي آن الآوان ان تتغير...
عذرا للشباب العاجزين عن مجرد التفكير خارج الإطار الثقافي والتقاليد العمياء و الذين يستمتعون بإجترار بعض الأفكار الجامدة التي تركها الأجداد الذين لو عاشوا هذا الزمن الرقمي لأرتكبوا جريمة الإنتحار...
عذرا لكل من لايفهم الكلام ولايفكر بالعقل ويفضل الأحلام ....
