أزمة الادراة الموريتانية.. أزمة سكرتيرية..!!! / الحسين ولد محمد ولد جنجين

altما إن تطرق باب الإدارة مستفسرا حتى يقابلك العون العمومي المكلف بتوجيه وإرشاد المرتفقين، أو ما يسمى بالسكرتاريا بوجه عبوس و مُُغطى بالجبين يجبيك ببعض المصطلحات التي ألفتها آذاننا وسئمتها أحوالنا قائلا: المدير غير موجود..، مشغول حاليا..،

 في اجتماع..، أخبرني أن لا يدخل اليوم عليه أحد...، قال لي أن أعدك بلقائه في وقت قريب... وغير ذلك من مثل هذه المصطلحات. وكأنك تريد أن تأخذ من بين يديه كنزا أو يخافك من أن تجرده من منصبه، أو في حالة أخرى يعتقد أن تلك الإدارة ورثها من أبويه، هذا من دون أن يستشعر بمبدأ "الإدارة في خدمة المواطن"، فما هكذا إذن تكون الإدارة.

فالإدارة هي نشاط وعمل متواصل يهدف إلى تلبية حاجات ورغبات المجتمع تحقيقا للمصلحة العامة، والاستقبال المتخصص بالإدارة من شأنه أن يساهم في التخفيف من حدة القلق والتوتر التي يعيشها المرتفق، كأن يحس بالاطمئنان وقرب الإدارة منه وتوجيهه توجيها سليما، دون استعمال أساليب المحاباة أو الابتزاز، ودون التمييز بين المرتفقين على أساس القرابة، أو المحسوبية... فهذا لا يكون إلا عندما يستشري الفساد في الإدارة.

ولكي يُكتب للنظام الإداري النجاح والفعالية، لابد وأن يُلم بمتطلبات أساسية لعل من أهمها: (إتقان فن التواصل ، الشفافية والاستمرارية، وحسن التسيير وتحديد الأهداف...) وذلك من أجل تحقيق التطور و الرفاه الاجتماعي، وسبيلا كذلك إلى خلق التواصل بين الإدارة ومحيطها العام، ذلك أن هذا الأخير يعد من الرهانات الأساسية لتطوير الإدارة الجماعية بصفة عامة والإدارة العمومية بصفة خاصة، ومن الأكيد أن ذلك سيساعد على تجاوز العناصر الوظيفية، ويقوى من دور اللامركزية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في وقت أصبحت فيه الإدارة تحظى بنوع من العناية في المشهد السياسي وكذا الإداري والاقتصادي. لكن ما إن ترافقنا بوادر الطموح لإصلاح المنظومة الإدارية حتى ينتابنا القلق وتحبط آمالنا بسبب مشاهدة بعض المظاهر السيئة والتي لا تمت بالصلة لبنية الإدارة الناجحة من قبيل: مشكلة الاستقبال والتواصل ، وسوء استغلال المنصب العمومي وغير ذلك..، فمن المؤسف بل من المشين أن بعض إدارتنا اليوم لازالت تشوبها بعض الممارسات والتصرفات غير اللائقة، والتي لا تنم عن الإدارة المواطنة، وما من شك أن مثل هذه الأعمال والتصرفات من شأنها أن تجهض مشروع وجهود محاربة الفساد مادامت هي السائدة بالإدارة العمومية الموريتانية، وبالتالي تكون سياسة محاربة الفساد مآلا للفشل والإحباط نتيجة لمثل تلك الظواهر السيئة في ظل تدني مستوى الرقابة على أعمال الإدارة.

فمن مظاهر الفساد المؤسساتي بالإدارت العمومية والتي غالبا ما تغيب عن أذهان الكثير من مسيرى المرافق العمومية الوطنية ما يلي: ضعف المستوى الثقافي والتكويني للعون العمومي (السكرتيريا)، سيادة قيم الشخصانية، سوء توزيع الموظفين، تعقيد الإجراءات والمساطر الإدارية... ، هذا بالإضافة إلى مظاهر ومساوئ ناجمة عن البيرو قراطية و أخرى مرتبطة بالبنية الاجتماعية للإدارة الموريتانية من قبيل:(القرابة، الزبونية، القبلية...).

كل هذه الأمور هي مثبطات تميز الإدارة العمومية الموريتانية إضافة إلى ضعف الجانب الأخلاقي لدى العديد من الموظفين، وكذا عدم استفادة الإدارة العمومية من تجربة القطاع الخاص في مجال تدبير الموارد البشرية خاصة في ظل نجاح باهر لبعض مؤسسات هذا القطاع.

إن الإرتقاء بالإدارة العمومية إلى الفعالية والإنتاجية العالية وتعزيز قدراتها التكنولوجية أصبح أمرا حتميا يفرض ضرورة وضع استراتيجيات مناسبة ترمي إلى تكييف الهياكل الاقتصادية والإجتماعية حتى تتوفر لديها في نفس الوقت ما يكفي من القوة لمسايرة تطور الأمور ومجابهة ما يطرحه من تحديات.

كما أن الإدارة العمومية الموريتانية أضحت مطالبة – في ظل ظرفية تتميز بتفاقم المصاعب والتحديات الاقتصادية والاجتماعية – بإحداث قطيعة مع العشوائية والزبونية والمحسوبية، التي تعتبر من معوقات التدبير العمومي، وآن الأوان لتلعب الإدارة العمومية الأدوار المحورية لإنعاش التنمية الشاملة وعقلنة تدبير الشأن العام المحلي ليشكل قاطرة أساسية لتأهيل الإدارة للعولمة والعصرنة والتحديث.

ويتطلب الأمر هنا المسك بزمام التحديث بدءا بجمع المعطيات وتقوية العزيمة وصولا إلى التنفيذ الفعلي الذي يتطلب إعداد ووضع أرضية خصبة لإتاحة ونشر جو من الحوار والتشاور والاندماج.

إن معظم المظاهر السابقة التي تم ذكرها على ضوء تشخيص الإدارة العمومية الموريتانية هي معوقات ومساوئ لا زالت للأسف تنخر جسم بعض المصالح الإدارية بالمؤسسات العمومية الموريتانية، وذلك من قبيل سوء الإستقبال والتماطل بالمُرتَفق (المواطن).

فالاستقبال يعتبر أول خطوة في علاقة الإدارة بالمرتفق، حيث يعتبر أول تواصل مباشر بين المرتفق والعاملين بالإدارة، فمنه يتكون لدى المرتفق انطباع أول حول طبيعة الاستقبال الذي يتأرجح بين الإيجابي والسلبي، فإذا كان الانطباع إيجابيا فهذا يدل على انفتاح الإدارة وإنسانيتها، وإن هو سلبي كان العكس.

والاستقبال كذلك هو عبارة عن المرآة العاكسة لوجه الإدارة، وواجهتها الأمامية التي على أساسها يبني المرتفق موقفه منها، ذلك أن انطباع المرتفق عن الإدارة وخدماتها مرتبط في ذهنه بجودة الاستقبال الذي تخصصه له، الشيء الذي جعل استرجاع المصداقية والثقة لعلاقة الإدارة بالمرتفقين، يتوقف على وجود وحدات إدارية متخصصة في استقبال المواطنين والإنصات إلى مشاكلهم وطلباتهم، وإرشادهم ومساعدتهم. وهذا للأسف هو عكس ما يقع بالمصالح المذكورة، فكيف لنا أن نرتقي بمنظومتنا الإدارية إلى مقاربة إصلاحية ذات قيمة مضافة مادامت أزمة إدارتنا العمومية هي أزمة سكرتيريا وسوء استقبال وتواصل بدرجة أولى..؟؟.!!

 

الحسين ولد محمد ولد جنجين

باحث في مجال القانون والعلوم الإدارية

البريد الإلكتروني: [email protected]

23. مايو 2013 - 19:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا