لما جرت الإنتخابات الرئاسية التي جاءت بسيدي ولد الشيخ عبد الله لسدة الحكم هلل لها الكثير من الموريتانيين بوصفها أول إنتخابات شفافة ونزيهة وبوصفه هو أول رئيس مدني لدولة في الركن القصي من ما يسمى العالم العربي رغم إدراك تأثير اليد – على الأقل بالنسبة للبعض- الخفية لمجموعة الضباط العسكريين الحاكمين والمتحكمين آنئذٍ.
جرت الانتخابات إذا وصار كل شيء وفقا للدستور المقدس، الذي قِيلَ وقتها أنه من أفضل دساتير المنطقة ولا يمكن الحصول على أفضل منه، هذا الدستور الذي يحدد الفترة الرئاسية في أربعة سنوات ويحدد طريق معين للوصول للسلطة، لكن بقية القصة معروفة، فالمصالح الشخصية حملت العسكر للقضاء على تلك القدسية التي كنا نتوهم أن الدستور الجديد يحملها على عِلاّته الكثيرة جدا.
دستورٌ هذا وضعه، خاضعا بشكل مستمر لنزوات قادة عسكريين معينين يبعث على التشاؤم المستمر فيما يتعلق ببناء دولة مدنية مطلوبة بإلحاح، يعترض هذا المطلب المشروع للدولة المدنية جشع مجموعة من الموالين للسلطة من مختلف الأطياف والمستويات دون استثناء مطلقا، فالمصلحة الذاتية في هكذا بلد تجعل رجل الدين الورع يتخلى عن ورعه دون خشية ولا وازع ديني، أما الرجل القانوني فسيهرع في رمشة عين لإيجاد المخارج القانونية الممكنة لنجاة الإنقلابي الجديد بفعلته مقابل مكافئة من حقوق الشعب سينالها حالما تستقر الأمور في يد هذا المخلص رئيس الفقراء، أما – السياسي- فحدث ولا حرج قمة التطبيل والتزمير لأن هذا ديدنه.
قد لا يكون الوقت حان للحديث عن هكذا موضوع لكن صدقوني دول العالم الثالث لا يوجد بها شيء ثابت مطلقا فلا تنسوا أن دستورنا الأعرج منذ نشأته يحدد طريقا للوصول للرئاسة فهل تم ذلك؟ ، مطلقا، ليس هذا وحده فقط عليك أن تعمل ذهنك قليلا لتجد نفسك محاطا بكم هائل من التجاوزات الدستورية التي لا حصر لها، من هنا يمكننا الحديث عن تغيير دستوري قادم لا محالة فلقد كبر الحجم عن المقاس وصار لزاما على المطبلين خياطة ثوب دستوري جديد على مقاس السيد المحترم، الذي يبدو أن حجمه قد تجاوز المقاس الحالي.
الأنظمة الدكتاتورية في العادة خبيرة جدا بكيفية قلب الموازين بشكل مثير، ليس بعيدا عن الأذهان كيف أن مجموعة (برلمانيين) أو هكذا يوصفون، يقودون حملة شرسة للإطاحة بنظام شهدوا بشرعيته لما كان سادتهم العسكر يرون ذلك، والغريب أن هذا الأجراء الذي توج بعملية انقلابية كمحصلة لجهدهم النبيل نبع من البرلمان نفسه حيث تجب المحافظة على الشرعية – إن وجدت - .
يكفي إذا أن يشير سيادته ولو بشكل خفي لآلته التطبيلية لتبدأ العمل على تنفيذ تلك الأوامر دون تردد أبدا،. صدقوا أو لا تصدقوا ، فنظام بدأ يجمع القبائل من أقصى الوطن إلى أقصاه لتعلن دعمها ومساندتها لرأس النظام أو لحزبه لا فرق وتقف تلك القيادات مزهوة بهذا الإنضمام القيم الجديد، ليس هذا سوى دليلا على أن هذا النظام يسعى للبقاء فترة أطول مما هو متوقع، قد يقول قائل هذا من أجل الانتخابات الصورية والمسرحية الهزلية القادمة لكن لا تستبعدوا وجود نظرة أبعد من ذلك، فالرئيس الانقلابي السابق معاوية ولد الطابع لما فرض مسرحية التعددية الحزبية في بداية التسعينات بدأ بنفس الطريقة والنهج الذي خيل للبعض حينها أنه يسعى من خلاله للإصلاح، لكن أنتم أدرى بما حدث بعد ذلك.
النظام الحالي ليس جديدا على الحكم فهو وليد سابقه الذي دام حوالي عقدين بل كان أقرب مما تتصورون وخبر كل مكائد الحكم وهو خبير بكيفية تدجين الكثير من الممانعين الجشعين فالتعيين القبلي والجهوي بلغَ مداه وكل السياسات التي تدل على بقاء النظام فترة أطول بادية للعيان.
إذا ما على القوى المدنية الفاعلة لكي تحافظ على ما هو موجود من الدولة الموريتانية هو الوقوف بحزم أمام العمليات الخبيثة التي سيستهل بها النظام طريقه لمحاولة البقاء فترة أطول مما هو منظور، أعني هنا وبالتحديد كافة الشباب الفاعل الذي وضع نفسه رهن إشارة المصلحة العليا لموريتانيا بعيدا عن التحزب و ما شاكله من طرق الخضوع الممنهجة، وليستمروا في نشاطاتهم الرامية إلى تجسيد الروح المدنية للدولة الموريتانية التي تعاني من تدمير ممنهجٍ لكل ما يمكن أن يكون بذرة لمدنية الدولة مستقبلا.