مهلا فخامة الرئيس فليست هذه معركتكم... / محمد الأمين ولد أحمد ولد سيد المختار

سيدي الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني الموقر - وفقكم الله لكل خير - يسرني أن أكتب لكم من موقع الناصح المشفق، الداعم لكم ولبرنامجكم السياسي، فضلا عن روابط أخرى لا يتسع المقام لذكرها...
سيدي الرئيس لقد أوقعكم المرجفون والمصفقون الباحثون عن تسجيل نقاط شخصية في معركة ليست هي معركتكم الحقيقية ولا ينبغي لها أن تكون!
إن مكانكم الطبيعي -بحكم تربيتكم الدينية وماضيكم وحاضركم المجيد - هو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونصرة المدافعين عنه صلى الله عليه وسلم، وإقالة عثرة من عثر منهم أو قال كلاما حرَّفه غلاة المصفقين، وعتاة المطبلين البطالين الذين (حازوا أعظام الردمة) على خلاف وصية الشاعر الحساني ولد الكتاب.
وقد أحسنتم صنعا حيث طلبتم فتوى أهل الذكر في قضية الفتاة المسيئة، وأحلتموها للقضاء. جزاكم الله خيرا، ووفقكم للعدل بين الرعية.
وحبذا لو رجعتم في فهم كلام النائب السيد محمد تقي الله ابن الشيخ محمد فاضل الى أهل اللغة وأهل العلم، وفهمتموه في إطار سياقه الخاص، بعيدا عن تأويلات الغالين وانتحال المطبلين المبطلين وتحريف الجاهلين المغرضين. 
سيدي الكريم إنه بإلقاء أدنى نظرة على  كلام النائب يتضح أنه كان موجها لزملائه الذين اتهمهم بالتباطئ عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن موجها لفخامتكم. وذلك أنه قرأ الأوصاف القبيحة الواردة في كلام المسيئة - وهو مخطئ في قراءتها أصلا كما قال أهل العلم القاضي عياض وأبو عبيد الهروي وغيره- وقال لزملائه: لو استبدل اسم النبي الكريم باسم الرئيس لغضبتم! 
طيب هذه قضية شرطية، والقضية الشرطية لا تقتضي الوقوع، فلا تقتضي اتصافكم بتلك الأوصاف -حاشاكم منها- ولا أنه يتهمكم بها، وهذا أمر معروف مقرر في علم المنطق والعربية. وخاصة إذا اقترنت القضية الشرطية "بلَوْ" التي تفيد الامتناع، فهي حينئذ أبعد عن الوقوع. ولهذ قال العلماء: إن مورد الصدق والكذب في القضية الشرطية هو الربط بين الجزاء والشرط، ولا إشعار لها بوقوع الشرط الخ كلامهم.. 
فهذا الكلام لا يتضمن عند الفقهاء تعريضا ولا قذفا، كما روج له غلاة المصفقين. وهذا ما عبر النائب بلغته حيث قال: إن ما قام به إسقاط افتراضي الغرض منه لفت الانتباه الى قضية الإساءة...
ومثال ذلك لو قيل "إن كان زيد ظالما فقبحه الله" فهذا ليس إخبارا بظلمه، بل هو تعليق للدعاء على ظلمه، بخلاف قولنا: "زيد ظالم" فهي قضية حملية تفيد الوقوع واتصاف الموضوع بالمحمول.
وتضمن القضايا الشرطية لبعض الأمور المستحيلة عقلا أو شرعا لغرض صحيح كالتعليم والحجاج: كثير واقع في كتاب الله تعلى، وسنة رسوله قال تعلى: (‌لَوۡ ‌كَانَ ‌فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ).
ولا يخفى عليكم سيادة الرئيس أن الكلام يفهم في سياقه، وأن البساط والقرائن الحالية تخصص العام، وتقيد المطلق، وتبين المجمل، فلا يمتري منصف في بيانها لمراد المتكلم، ومن تأمل أول كلام النائب وآخره، واستحضر فحوى ما جرى بينه وبين زملائه؛ علم أنه لم يرد قذفا ولا تشهيرا بفخامتكم. وإنما أراد تبكيت زملائه، وبيان تقصير بعضهم في النصرة. ولا أخفيكم أني استبشعت كلام النائب أولا حين سمعت الضجة المثارة حوله، حتى استمعت اليه كاملا وتأملت في سياقه وملابساته؛ ففهمت مراده، وعلمت أنه افتراض موجه للنواب لا لفخامتكم الموقرة.
ولا أدل على ذلك من سكوت بقية النواب وعدم استبشاعهم لكلام النائب، حتى بادر أحدهم وشنعه وتحامل عليه، ودعاهم للوقوف نصرة لكم؛ فاستحوا من التقاعس عن ذلك إجلالا وتقديرا لكم. وأنتم أهل للتقدير حفظكم الله،  لكنكم لستم بحاجة لتقدير مصطنع على حساب مواطن شريف، يشفع له حسن قصده، وجلالة الموضوع الذي تحدث عنه وهو نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وينبغي لمثلكم - وأنتم أهل الفضل والأحق بشرف العفو والمسامحة- أن تقيلوا عثرته، وتترفعوا عن مثل هذه الأمور،   فعرضكم الطاهر ليس بحاجة لمثل هذا، ومثلكم عفا وغفر لمن هفا واعتذر! ولئن كان في كلامه بعض خشونة أو سوء أدب فعفوكم يمحو ذلك، وسمو قدركم يجل عن أن يلحقه مثل ذلك الكلام أو يؤثر فيه.
ولن يضركم عند الله ولا عند الناس، أن يذكر اسمكم الكريم في سياق إقامة الحجاج على بعض من اتهم بالتقاصر عن النصرة، خاصة وقد اعتذر النائب وبين مراده. 
وإنه لشرف لكم أن يكون عرضكم فداء لعرضه الشريف  صلى الله عليه وسلم، وأن يذكر اسمكم الكريم في سياق افتراضي للفت الانتباه الى خطورة سبه صلى الله عليه وسلم كما قال حسان:
فإن أبي ووالده وعرضي ## لعرض محمد منكم وقاء
وأذكركم - والذكرى تنفع مثلكم من المؤمنين الصادقين -بما في كريم علمكم من قوله صلى الله عليه وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" وقوله تعلى: (‌وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ) وأولى ذوي الهيئات بالعفو من غضب نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من سلالته الشريفة فالعفو عنه مما ترجى به شفاعته صلى الله عليه وسلم. وتعلمون ما ورد في استحباب قبول عذر المومن، وما جاء في رده من الوعيد. 
نسأل الله تعلى أن يوفقكم لكل خير، وأن يعينكم على العدل ويزرقنا وإياكم حسن الختام، وشفاعة خير الأنام صلى الله عليه وسلم.

 

2. أغسطس 2023 - 19:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا