رفقة المعلم بريد الليل؛ تنضج أفكار في الفروسية! / عبد الله حرمة الله

altفي رمال مصقولة البريق؛ متدفقة شمال نهر صنهاجة، بين تلال شامخة ينتظر أهالي "لفريك" العبور إلى الفردوس على وقع الورع ومتعة حياة منتقاة من مسامرة ليل هادئ الجمال، وقيلولة تتلقفها عمائم أشاعت هدي الصراط المستقيم ونغم ضاد يعرب في ربوع القارة السمراء، بحسن، جعلهم رسل سلام ومحبة وشعر؛ وكثير من المروءة الرائقة.

على أوتار رياح الجنوب في حيز منتجع بقرات "الفلاني" الراكض خلف الهدوء والحليب الممتلئ دفئا من أصابع يافعة حمراء تسر الناظرين، تلاحقت ضفائرها منافسة قامتها الفارعة، وطفقت تأخذ بحنان من الثدي المثقل أبيضا سائغا للشاربين.. تحت فيء سدرة الطلح المتناغم في إسداء أطرافه لرقصة الوداع.. ينسجم فصل من حياة؛ جغرافيتها مرصعة بجواهر المتنبي، وبطولات "أولاد امبارك"، وقسط إمارة "الإمام/ المامي".. على أديم "تراب البيظان" الحاضنة صخب قرع طبول لاتتوقف عن إيفاء السمو المتميز حقه.

من عبق “اتنيبه” الخالدة؛ حفرة تعثر “غزي شرواطة” القادم من شمال جبال "موريتانيد"، وبلاط صولجان “مشظوف”، و “تيشطايت النص” بين “العيون” و “النعمة” في منتصف الهاء اليتيمة ل “تراب البيظان”.

من مثقفينا/الساسة الذين اختاروا ترويض السياسة للفكر، بدل تكديس المال، على مدى عقود أبدع بتعاطيه مع السياسة، شعرا.. حدث المعلم محمد يحظيه بريد الليل عن الأخلاق، الدولة، المجتمع.. لتتحرك الهمم التي اختارت الإنطلاق بدل التعفن في بنيان مائل، تحاصره عواصف "الفوضى الخلاقة" وقرع طبول الفتنة والفرقة، و سيل الانتحال الجارف للثقافة، الدولة، والمجتمع.

منطق التحليل التاريخي لمسار السلطة وحيز الحضارة وهيولا الدولة، يستدعي في هذا المنعطف من حياة الدولة، وإكراهات الدمقرطة على بنيان غير منسجم، استعادة دور المثقف/ السند، لمرافقة الدولة حتى الإستواء على جودي السيادة المطلقة، والذود عن نموذج المجتمع التقدمي المنسجم مع تاريخه وثقل تراكمات فعل "السلطان" في جغرافيا امتلأت عدلا وورعا، وفنا نحت شخصية إنسان أدمن رفع التحديات وتسخير الطبيعة لتناغم حياته.

إننا بحاجة إلى الحيوية والحماس الذين يمكن أن يضفيهما الشباب على مشهد سياسي متآكل، وبحاجة أكبر لطريقته في معالجة الشأن العام تقييما للواقع وانطلاقا من معطياته الموضوعية، واستشرافا للمستقبل في ضوء مقاربة ديمقراطية، سقفها انسجام المجتمع، كتجسيد لقيم ومبادئ المساواة.

حجم التواجد النوعي لهذه الطاقات الشابة التي تعتبر مفخرة لبلادنا، يملي علينا ضرورة التوقف المتأني عند أهمية الوعي السياسي في جيل الشباب بوصفه عنصرا مكملا للبنية الفكرية للأفراد.

ينبغي أن ينصب اهتمامنا في هذا المجال نحو جودة التكوين والتأطير في مجال الفهم الحقيقي لثوابت الأمة والتمسك بها كمرجعية مشتركة لأجيال الغد، على اختلاف انتمائاتهم السياسية، كبعد شخصي للشباب المهتم بالعمل السياسي بصفة عامة.

إن الشباب الموريتاني، يعيش نوعا من الغليان الفكري والاندفاع السياسي، من المهم الوقوف على خصوصيته، من حراك سياسي مستمر، ومطالب لاحدود لها، أملتها تداعيات العولمة والطفرة الإعلامية. إثر هذه التحولات، لم تعد المطالب الجماهيرية حكرا على المعارضة، ولم يعد السلوك "الاستبدادي" ميزة الأغلبية، فالاحتكام لإرادة الجماهير، انعكس بصفة إيجابية على البعد الأخلاقي ـ على الأقل ـ لتصور وممارسة الشأن العام.

كخصوصية مرجعية للفترة الحالية، يكمن واقع رفع سقف الطموح السياسي لشبابنا، كتأثير مباشر "للربيع العربي" من ضمن أمور أخرى، والذي ينبغي تناوله عبر آليات التحليل والتقييم السياسي بالموضوعية التي تمليها حتميات التحول، مع الوقوف على السلبيات المترتبة عنه، والتمسك بالبعد الإيجابي، وما طبعه من مطالبة جادة على مستوى المنطقة العربية من حرية وديمقراطية.

على مستوى موريتانيا، كنا سباقين لتناول قضايا الحرية والمساواة، والحسم فيها لصالح الخيارات الجماهيرية ، مما يستدعي من شبابنا صيانة المكتسبات في هذا المجال، وتفادي الإفراط في "رفض" قد يعيدنا ـ لا قدر الله ـ للمربع الأول، حيث يفرض منطق المقارنة الموضوعية نفسه في هذا المجال، مابين أفق التصعيد والمخاطر المترتبة عنه في بلد هش البنية، في منطقة تشهد جملة من التحولات الجيوسياسية الخطيرة والمهمة في الآن ذاته.

من حسن حظ الشباب المشتغل بالسياسة، أن وعيه السياسي رافقته جملة من الإصلاحات السياسية الجذرية، على مستوى الحكامة، أسست لآليات عملية للتداول على السلطة، عبر أساليب مدنية استوفت الخصوصية الحضارية، التي تستدعي مرافقة بحجم رقي الأساليب، وطمأنة المجتمع بنجاح فلسفة تجديد الطبقة السياسية عبر آليات العصر، للوصول إلى أهداف وطموحات الأمة الموريتانية في الديمقراطية والعدالة، ثم المساواة.

ينبغي استيعاب مضامين الهدف الأساسي للديمقراطية، باعتبارها رافدا للتنمية والاستقرار، بعيدا عن الفوضى وما قد يترتب عنها من انهيار للبنيان الديمقراطي، المخلص الوحيد من إرث تراكمات عقود الفساد والاستبداد.

في هذا الصدد، عرفت موريتانيا نهضة حقيقية في مجال البنى التحتية، وسلامة وتوفر مصادر التمويل، إضافة إلى السعي الجاد في تنمية المصادر البشرية.. من الإنصاف، الوقوف على حجم الإنجازات في هذا المجال، واستحضار وضعية ماضي التعسف والاستبداد.

ينبغي التطلع من طرف الجميع ـ خصوصا الشباب ـ إلى فتح صفحة جديدة، ترسم لنشاط وحماس الشباب مشاريع سياسية وتنموية عملاقة.

ينبغي، كذلك تثمين المكتسبات، والتمسك بها، مع استمرارية المطالبة بالكثير، دون التفريط والمجازفة، لأغراض شخصية، أو حتى محاولة تقليد الآخرين، الذين تختلف وضعيتنا معهم روحا وضمونا.

ثقتنا تكمن في قدرة الشباب على السمو عن أجواء المغالطات، لتمكنه من آليات التقويم الموضوعي لتقييم المرحلة والتمسك بما جادت به من إصلاح، واستمرار المطالبة بالمزيد بموضوعية واتزان تستدعيهما المرحلة.

إن سيطرة المال والجهالة على المشهد السياسي، يشكل أكبر تهديد للبنيان المائل والمجتمع الحائر بفعل سيادة المغالطة على الفكرة.

إن تناول أشياء معقدة من قبيل التاريخ، الصراعات الصوفية مطلع القرن العشرين، رموز السيادة، القانون الدستوري، التدنيت، صوت سيداتي ولد آبه.. لا تحتاج فقها في بيع البصل والخردوات و "استدرار" الدين!

يستدعى "إنذار" المعلم بريد الليل، من كل النخب التقدمية التصدي لأشكال التمييع التي طالت الحرية وأساليب ممارستها، واعتلاء منابر الفكر والسياسة، حتى لا يلتهم قطيع الخنازير البرية قطعان الضأن المسترسلة في سباتها.

25. مايو 2013 - 16:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا